Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

أين تذهب أرباح رسوم سك العملات؟

بعد إعلان مصرف لبنان أنه وضع في التداول إعتباراً من 25 ايلول 2013، اوراقا نقدية جديدة من فئة الـ 10,000 ل.ل ومن فئة الـ 100,000 ل.ل، يحق للمواطن أن يتساءل عن خفايا هذه العملية التي تمر عادة مرور الكرام في الصحف. فهل هناك من أرباح نتيجة هذه العملية؟ وأين تذهب؟ العملة إختراع لملوك ليديا، أرض يونانية في آسيا الصغرى مروية من نهر باكتولوس (Pactolus) الشهير. وضرب العملة، أي إعطاء عملة قيمة إسمية أكبر من كلفة إنتاجها، أعطت لضارب العملة أرباحا أكيدة. ووفقا للنظرية المالية، العملة هي وسيلة تبادل قانونية، تُحافظ على قيمتها.

في الماضي، كان ضرب الذهب والفضة والنحاس المتداول كعملة، محصورا بالدولة التي كانت تضمن نقاوة قطع العملة النقدية. مما سمح للمواطن بمعرفة قيمة هذه القطع في كل لحظة وبالتالي الحفاظ على قيمتها. وفي اللحظة التي إستطاعات السلطات الرسمية أن تُقنع المواطن بأن وضع ختمها على عملة يُعطي العملة قيمتها، رأت “رسوم صك العملات” النور.

تاريخياً، “رسوم صك العملات” (Seigniorage) تُشير إلى الفرق بين القيمة الاسمية للعملة والتكاليف المُتمثلة في انتاج وضرب النقود. في اقتصادات المال الورقية، الفرق بين القيمة الاسمية لأوراق العملة وتكاليف الطباعة، تُساوي تقريباً القيمة الاسمية للأوراق (تكاليف الطباعة توازي صفر). لذا الطباعة الورقية للعملة هو نشاط مربح للغاية مما دفع الدول إلى إحتكار صك العملات.

لكن تطور هيكلية الإقتصادات الحديثة فرض وجود ما يُسمّى بـ “أموال المصارف” (Scriptural Money) والتي تُشكل أكثر من 9

وقد أخذت رسوم صك العملات منحى مهماً في القرن العشرين مع ظهور ما يُسمّى بعملة الإحتياط التي تعود على الدول التي تُصدرها، بأرباح هائلة (حال الولايات المُتحدة الأميركية).

لماذا هناك إصدار للعملات؟

هناك سببان تقليديان وراء إصدار العملات:

أولاً تمويل إقتصاد في حالة النمو: فالإقتصاد الموجود في حالة نمو يعني أن المواطن يجني أموالاً أكثر من السابق وهذا ما يدفعه إلى الإستهلاك (حب الإنسان للإستهلاك يُفسّر في علم النفس بعدم معرفته بساعة موته). ولتلبية الطلب على الإستهلاك، يحتاج الإقتصاد إلى عملة تكون إما نقدية أو أموال مصارف.

ثانياً صيانة العملة النقدية: العملة الورقية تتآكل مع الوقت نتيجة الإستعمال، وتُصبح في وقت من الأوقات غير صالحة للإستعمال. فيعمد البنك المركزي إلى تبديلها بسحبها من التداول ووضع أوراق جديدة مكانها. والجدير بالذكر أن بعض الدول عمدت إلى إصدارعملة بلاستيكية بهدف تفادي التزوير وتفادي عملية صيانة العملة التي لا تدر قرشا على الدولة، بل على العكس لها تكاليف إضافية.

آلية الربح…

على صعيد إصدار العملات الورقية، “رسوم صك العملات” عملية مربحة جداً حيث تعمد وزارة المال إلى قبض رسوم صك العملات في كل إصدار جديد. لكن هذا ليس كل شيء، فهناك آلية تستطيع بواسطتها الدولة سحب الأموال من الشعب بدون أي ضريبة (Invisible taxes).

هذه الآلية تنص أنه وفي كل مرة تقترض الدولة الأموال من المصرف المركزي، يعمد هذا الأخير إلى إصدار عملات التي تعود على الدولة بمردود 6

وهذا ما دفع الأوروبيين إلى منع المصرف المركزي الأوروبي من إقراض دول منطقة اليورو بدون فائدة (معاهدة ماستريتش). أيضاً يجب القول أن “رسوم صك العملات” تُحوِّل العجز العام إلى ضريبة مباشرة بواسطة التضخّم. وهذا ما يُبرر منع المصرف المركزي من تمويل عجز الدولة لأن في ذلك عملا غير ديموقراطي ناتج عن التموّل بشكل خفي ويُشبه “السرقة”.

على صعيد أموال المصارف، دفع تطور هيكلية الإقتصادات العالمية، إلى أن تحتل هذه الأموال 9

وبذلك تربح الفرق بين كلفة إدارة الحساب ومعدل الفائدة على الأموال التي إقترضتها من المصرف المركزي. وخصخصة أرباح رسوم صك العملات هو موضوع خلاف، فالعملة التي يُصدرها المصرف التجاري، لا قيمة لها فعلياً بدون ضمانة الدولة. إذا لماذا تذهب الأرباح حصرياً للمصارف التجارية؟

على الصعيد العالمي، إن الأرباح الناتجة عن “رسوم صك العملات” هي أرقام هائلة. فمثلاً يحتل الدولار الأميركي مركزاُ مهماً على صعيد التبادل التجاري العالمي (تبادل سلع أو أسواق مالية). حيث يتوجب على كل شخص يتبادل تجارياً مع العالم، أن يحمل دولارات غالباً ما تكون على شكل أموال مصارف التي يجب إكتتابها قرب المصرف المركزي الذي يُصدر العملة. مما يعني خلق عملة وبالتالي ربح “رسوم صك العملات”.

من أين تأتي أرباح المصرف المركزي؟

على عكس ما يعتقده البعض، فإن المصرف المركزي لا يتموّل من فرق القيمة الإسمية للعملات وتكاليف طبعها التي تذهب إلى خزينة الدولة، بل من عمليات الإصدار التي يقوم بها. فالأموال المصدرة تُسجل على ميزانية المصرف المركزي في خانة المطلوبات على شكل ديون بدون فائدة، وفي خانة الأصول على شكل أصول تعود بالفائدة عليها من قبل المصارف التجارية.

وتُصنف هذه الأرباح بـ “فوائد رسوم صك العملات” (ٍSeigniorage Benefits). وهذه العملية مُتعارف عليها دولياً عبر توزيع أرباح رسوم صك العملات بين الدولة والمصارف المركزية.

أما في لبنان…فالمُشكلة الأساسية، تكمن في توافر الأرقام التي بغيابها لا تسمح بتقييم “رسوم صك العملات” إن على صعيد الدولة أو على صعيد المصارف التجارية.

رابط الجمهورية 

Print Friendly, PDF & Email