Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

أنظمة الدفاع الصاروخيّة في أوروبا: بداية حرب عالميّة ثالثة

 

 

أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في أعقاب انعقاد إجتماع بين وزراء دفاع دول مجلس الحلف الاطلسي ووزير الدفاع الروسي، عن فشل المحادثات بين الجانبين على ملف الدفاع الصاروخي. وهذا الملف الذي يُفسد العلاقات الروسية – الغربية، هو أول مواجهة مباشرة بين روسيا والولايات المُتحدة الأميركية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. فما هي أبعاد هذا الملف؟ وهل تنتهي معه معاهدة الحد من إنتشار الأسلحة النووية “START”؟   

 

منذ نهاية الحرب الباردة، بدأ حلف الناتو في التفكير في آلية تنسيق الدفاع الجوي بين أعضائه لدرء الخطر المُتصاعد من قبل كوريا الشمالية وحديثاً إيران. وأخذ موضوع الدفاع الجوي حيّزاً مهمّاً من المحادثات حيث تم الاتفاق في العام 1999 على تموضع استراتيجي للدفاع الجوي. وفي قمة اسطنبول في العام 2004، تم الاتفاق على برنامج ALTBMD، الذي ينص على خلق مركز قيادة موحد في حين تبقى الردارات والصواريخ المُضادة للصواريخ البالستية تحت أُمرة الدول الأعضاء. وهذا البرنامج المفتوح للأعضاء شهد اشتراك سبع دول هي الولايات المُتحدة الأميركية، فرنسا ألمانيا، إيطاليا، إسبانيا، اليونان وهولندا. وقُسِّم هذا البرنامج إلى عدة مراحل حيث نصّت المرحلة الأولى التي تدخل حيذ التنفيذ في الـ 2014، على إعتراض الصواريخ البالستية بمدى 1500 كم. والأنظمة المُستخدمة في هذه المرحلة تحتوي على صواريخ الباتريوت (PAC-3)، SAMP/T، MEADS، PAAMS، THAAD، وصواريخ SM-2 وSM-3. وفي العام 2010، قرر عدد من الدول الأوروبية الإنضمام إلى هذا البرنامج وعلى رأسها رومانيا، بلغاريا، تشكسلوفاكيا وتركيا. وبذلك تم الإتفاق على نشر صواريخ اعتراض ورادارات (أنظر إلى الرسم) في كل من تركيا (رادارات)، بلغاريا (صواريخ SM-3)، رومانيا (رادارات وصواريخ SM-3)، تشيكوسلوفاكيا (رادارات)، بولندا (صواريخ SM-3). 

 

الموقف الروسي…اعتبرت روسيا أن نشر صواريخ اعتراض في أوروبا الشرقية، هو بمثابة تهديد لأمنها القومي. وأخذت من هذا البرنامج موقفاً سلبياً لما يُشكله من تغيير في موازين القوى الاستراتيجية. وقامت روسيا بعدة مبادرات بهدف تغيير واقع هذا المشروع وإيجاد مكان لها دون أن تكون تحت هالة الناتو الذي يُسيطر عليه الأميركيون. ففي 20 تشرين الثاني 2010، اقترح الرئيس الروسي ديمتري مدليديف وضع برنامج دفاع مشترك بين روسيا والناتو يحفظ التوازن بين هاتين القوتين. لكن هذا الاقتراح وُجه برفض من قبل الناتو مما دفع الرئيس الروسي ديمتري مدليديف في العام 2011 إلى التصريح بأن ردة الفعل الروسية على نشر صورايخ الاعتراض التابعة للناتو ستكون على قدر مستوى الخطر لكن روسيا لن تُقفل باب المُفواضات. وفي الوقت نفسه قامت روسيا بعدد من الإجراءات العسكرية كوضع رادار في منطقة كلينيغراد، وشدّدت الحراسة على المواقع النووية الاستراتيجية. أما الخطر الأكبر لهذه الأزمة فهي الاجراءات العسكرية التي قد تتخذها روسيا في حال فشل المُفاوضات مع حلف الناتو على برنامج نشر صواريخ الإعتراض وبالتحديد نشر صواريخ قادرة على خرق الدرع الصارخي لحلف الناتو منها صواريخ اسكندر (أرض-جو) في شرق وغرب روسيا. أما على الصعيد الديبلوماسي، فقد تعمد روسيا إلى الانسحاب من معاهدة START وهذا ما سيُشكل كارثة إذا ما حدث. 

 

الانسحاب من معاهدة START والانزلاق نحو مواجهة عالمية…في العام 1991، بُعيد الإصلاحات الجبارة التي قام الرئيس مخائيل غورباتشيف، قامت روسيا بتوقيع معاهدة سُمّيت START (Strategic Arms Reduction Treaty) مع الولايات المُتحدة الأميركية. وينص الاتفاق على تخفيض كبير للقدرة العسكرية الاستراتيجية للدولتين الأميركية والروسية. وُقسّمت هذه المُعاهدة إلى عدة مراحل: المرحلة الأولى بدأت في العام 1994 وانتهت في العام 2009 مع نقل كل الأسلحة النووية الروسية من اوكرانيا، بيلاروسيا وكازاخستان الى روسيا كما وتقليص عدد الناقلات النووية بـ 1600 ناقلة لكل بلد وتخفيض عدد الرؤوس النووية. المرحلة الثانية تم التوقيع عليها في العام 1993 وتمّت المُصادقة عليها من قبل أميركا في العام 1996 وروسيا في العام 2000. وتنصّ المرحلة الثانية على تخفيض الترسانات الاستراتيجيّة لثلث الترسانات الحاليّة ممّا يعني أنّ كل دولة لا يجب أن تمتلك أكثر من 3500 رأس نووي استراتيجي. لكن هذه المرحلة لم تُطبّق لأنّ روسيا طلبت من الولايات المُتحدة الأميركية تنفيذ بنود معاهدة ABM (1974) لتحديد النسب بين الأسلحة الاستراتيجية الدفاعية والهجومية. أما المرحلة الثالثة START III فلم تتمّ المُصادقة عليها حتى الآن وهي تنص على تخفيض المخزون بشكل أكبر وبشكل لا يسمح بإعادة زيادته. ولكن الثغرة القانونيّة التي تتمثل بإعفاء الأسلحة غير المنشورة أدّت إلى توقيع إتفاق جديد سُمي New START في 8 نيسان 2010 في براغ. وفي إطار هذا الاتفاق، حُددت الكميات على النحو الآتي: الصواريخ المنشورة 700، الرؤوس النووية 1550، ومنصات الإطلاق 800. أما حالياً ومع فشل المُفوضات، تشدّد موقف الناتو، ووصول القيصر بوتين إلى الحكم، نرى أنّ أحد الإحتمالات هو أن تنسحب روسيا من معاهدة START بمختلف مراحلها. وهذا قد يحصل إذا ما شعرت روسيا بخطر الهيمنة الأميركية عليها والتي تُترجم يومياً بدخول دول من أوروبا الشرقية ودول أسيوية (الباكستان، العراق) في حضن السياسية الأميركية مما يعني تطويق روسيا ولجم نفوذها. وهذا ما يُبرر إلى حدٍّ كبير تمسّك روسيا بالنظام السوري. وانسحاب روسيا من معاهدة START إذا ما حصل، يعني عسكرة العالم والانزلاق نحو حرب باردة جديدة قد تُترجم بمواجهات عسكريّة بين القطبين في جورجيا، سوريا، وغيرهما من المناطق الساخنة في العالم. ولا يعتقد القارئ الكريم أنّ العالم سيكون في أمان مع صواريخ عابرة للقارات وإشعاعات نووية تنتشر في الهواء كانتشار الهواء. 

 

نعم للقضاء على الأسلحة النووية…كلنا نسمع يومياً تصريحات المسؤولين السياسيين في العالم عن “محاربة الارهاب” والعمل “لعالم أكثر أمان” وغيرها من التصريحات التي تبعث الطمأنينة في النفوس خصوصاً مع تزايد التطرف في العالم. لكن الحقيقة على الأرض تبقى أن القرار هو بيد قطبين هما روسيا وأميركا. وكل ما يحصل وسيحصل في المستقبل ما هو إلا ترجمة للمواجهة بين هذين القطبين. وعلى الرغم من قدرة هذه الدول العلميّة والتكنولوجيّة، لا أحد في العالم يمتلك السيطرة على الأضرار التي تُخلفها الأسلحة النوويّة. فحبذا لو نترك لأحفادنا عالماً أكثر أماناً خالياً من الأسلحة النوويّة وأسلحة الدمار الشامل. www.lebanonfiles.com/news/621698  

Print Friendly, PDF & Email