Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

السيناريوهات المحتملة للأزمة الأوكرانيّة

مع أكثر من 6000 جندي روسي أصبحوا موجودين في القرم في جنوب أوكرانيا، تعود بنا الذاكرة إلى أزمة جيورجيا وإقليم أوسيتيا الجنوبية حيث قامت القوات الروسية بالسيطرة على كامل أوسيتيا الجنوبية في فترة 24 ساعة. فهل يتكرر هذا السيناريو مع أوكرانيا وإقليم القرم؟ وما هي الأهمية الاستراتيجية لأوكرانيا بالنسبة الى روسيا وأميركا؟

 

 

تعتبر الأزمة الأوكرانيّة الحاليّة نتيجة طبيعيّة للإرث الأوكراني المليء بالإنقسامات والتي إستطاع إستغلالها الثنائي الأميركي-الروسي. فأكورانيا كأمة حديثة نسبة لتاريخ الشعوب ونسبة إلى تاريخها المليء بالحروب الأهلية. وتحليل الأزمة الحالية يُوجب العودة إلى تاريخ أوكرانيا لإظهار العوامل التي ستحدد السيناريوهات المتوقعة والأكثر احتمالاً.

 

نظرة سريعة إلى تاريخ أوكرانيا…

 

تقع أوكرانيا في أوروبا الآسيوية حيث يحدّها من الشرق روسيا، من الشمال بيلاروسيا، من الغرب بولندا وسلوفاكيا والمجر، من الجنوب الغربي رومانيا ومولدوفا، ومن الجنوب البحر الأسود وبحر آزوف. وفي القرن التاسع عشر، كانت أوكرانيا مقسومة بين الأمبراطوريتين النمساوية والقيصرية. وبقيت على هذا النحو حتى العام 1917 حيث دفع انهيار الأمبراطورية الروسية الجبهة الوطنية الأوكرانية إلى إعلان استقلال أوكرانيا. لكن الانقسام الداخلي أدى إلى نشوب نزاعات بين القوى السياسية المشرذمة التي دخلت في نزاع مسلح تورطت فيه القوى الأجنبية ومنها الجيش الروسي. وخلال هذه الفترة عمدت الجبهة الوطنية إلى إرتكاب مجازر وأهمها المجازر بحق اليهود الأوكرانيين. وفي اوائل عشرينات القرن الماضي، كانت أوكرانيا مقسومة إلى أربع مناطق تُجسد نفوذ القوى المسلحة على الأرض:– قسم تابع لروسيا عاصمته كييف حيث كان البولشفيون يُسيطرون؛– قسم تابع لبولونيا وهو القسم الذي كان تحت سيطرة الأمبراطورية النمساوية؛– قسم سُمّي “أوكرانيا الصغيرة” وتمّ ضمّه إلى تشيكوسلوفاكيا؛– والقسم الأخير سُمّي بالـ “بوكوفين” وتمّ ضمّه إلى رومانيا. وشهد القسم التابع لروسيا نهضة صناعيّة كانت الأكثر تطوراً في أوروبا آنذاك، لكن وكما في مناطق عدّة تحت الحكم الروسي تمّ ارتكاب مجازر بحقّ كلّ من حاول التمرد وخصوصاً في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية مما دفع أكثر من 200 ألف أوكراني الى الاصطفاف تحت لواء النازيّين في حربهم ضد الجيش الأحمر. فقد اعتبر الكثير من الأوكرانيين الذين يقطنون غرب أوكرانيا الجيش النازي كمخلص من الاحتلال الروسي بينما كان سكان شرق أوكرانيا يعتبرون الجيش النازي عدوّاً وقاومه على قدر مقاومة الجيش الأحمر له. وكنتيجة لهذه المقاومة في شرق أوكرانيا، قام الجيش النازي بقتل السكان هناك وحرق منازلهم. ومع بدء تهاوي الجيش الألماني في أواخر الحرب العالمية الثانية، بدأ الجيش الروسي يبسط سيطرته على أوكرانيا بأقسامها الأربعة. وعاشت أوكرانيا في ظل الشيوعية حتى 1991، حيث أدى تفكك الإتحاد السوفياتي إلى إعلان أوكرانيا إستقلالها بإستفتاء شعبي صوت ضده 1

 

 

النظرة الأميركية إلى دول أوروبا الشرقية…عند سقوط حائط برلين في العام 1989، تخوف الأميركيون من أن تتحد أوروبا وروسيا في نظام اتحادي قد يهدّد تفوق أميركا ومكانتها. لذا أخذت الدول الموجودة بين روسيا وأوروبا الغربية (دول أوروبا الشرقية) أهمية استراتيجية كبيرة. وهذه الأهمية برزت عندما لم يلتزم جورج بوش الأب بالوعد الذي أعطاه إلى ميخائيل كورباتشيف والذي ينص على أن تعمد الولايات المتحدة الأميركية إلى حل حلف الأطلسي بمجرد أن يحل الاتحاد السوفياتي حلف فارسوفيا. لا بل على العكس عمدت الولايات المتحدة الأميركية إلى إدخال الكثير من دول الأوربية الشرقية إلى هذا الحلف وذلك بهدف زيادة الإنقسام بين أوروبا وروسيا (جان برنارد بيناتل). وتعتبر الولايات المتحدة الأميركية أوكرانيا (ثاني أكبر دول أوروبا الشرقية) من أهم الدول التي يتوجب إدخالها في حضن الحلف الأطلسي لما لها من بعد جغرافي يلعب دوراً مهماً في المواجهات العسكرية بين الحلف وروسيا (كما ومشروع نشر بطاريات صواريخ إعتراض). وبدأت الولايات المتحدة الأميركية بالضغط على الإتحاد الأوروبي لبدء عملية التقارب مع أوكرانيا بهدف إدخالها في الإتحاد. وتترجم هذا الاتجاه بالدعم المالي، عبر بولندا، للمعارضة البرتقالية للوصول إلى الحكم والذي أعطى ثماره. 

 

 

النظرة الروسية إلى دول أوروبا الشرقية…ترى روسيا في هذه الدول البعد الاستراتيجي الأول الذي يحدّد نفوذ روسيا في العالم. فبوتين الذي يريد إعادة مجد روسيا القيصرية، لم يتردد في استعمال القوة في كلّ نزاع يهدّد نفوذ روسيا. فحالة جيورجيا ومشكلتها مع أوسيتيا الجنوبية هي أكبر مثال على الأهمية التي تعطيها روسيا لجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. كما أنّ صراع النفوذ بين الغرب وروسيا في أوكرانيا والذي ظهر في أزمة الغاز التي نشبت بين الدولتين، أدّى إلى قطع الغاز الروسي عن أوكرانيا وعن أوروبا على الرغم من المخاطر الضمنية من خسارة للسوق الأوروبي. وهذا ما يدل على أنّ سقوط أوكرانيا في حضن الغرب يُقلل الخيارات الجيوسياسيّة الروسيّة في المنطقة. 

 

 

الأزمة الأوكرانية ترجمة لهذا الصراع…عند وصول المعارضة البرتقالية إلى الحكم في أوكرانيا، أخذت الانقسامات التاريخيّة والعرقيّة بين أطياف المعارضة بالظهور إلى العلن. فمن جهة الأحزاب الموالية لروسيا والتي تأخذ جذورها من شرق البلاد تطالب بالانضمام الى الحلف الاقتصادي مع روسيا، ومن جهة أخرى الأحزاب التقليديّة المعارضة لروسيا كالجبهة الوطنيّة وغيرها يُطالبون بانضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي. وبين الاثنين، عاشت أوكرانيا فترة تمزق كبيرة تمثلت بتخوين الأفرقاء بعضهم لبعض وبلغت الذروة أخيراً بتوقيع الرئيس الأوكراني المخلوع إتفاقيات مع روسيا لدعم الإقتصاد الأوكراني ومساعدة الحكومة الأوكرانية لمواجهة ديونها المستحقة. وهذا ما أدى إلى مظاهرات عنيفة من قبل الأحزاب الموالية للغرب وُجِهَتْ بقمع وحشي من قبل السلطات وأودت بحياة مئات الأشخاص. لكن تحت الضغط العالمي تراجع الرئيس المخلوع وأعطى المعارضة مطالبها التي لم تكتف بما قد أعلنته سابقاً وطالبت بخلع الرئيس ومحاكمته. والخوف الروسي من سيطرة الجيش الأوكراني المأمور بالأحزاب الموالية للغرب، دفع روسيا إلى التحرك سريعاً عبر إرسال قوات (أُنزلت جوياً) إلى القرم ذات الأغلبية الروسية للسيطرة على هذا الإقليم ذي الحكم الذاتي نظراً لوجود قوات بحرية متمركزة في البحر الأسود. 

 

 

ما هي السيناريوهات المطروحة…من المؤكد أن التطورات الأمنية ستحدد إلى حد كبير مجرى تطور الوضع السياسي في أوكرانيا. لكن ومع المعطيات المتوافرة اليوم يظهر إلى العلن عدد من السيناريوهات:السيناريو الأول تقسيم أوكرانيا: على مثال ما حدث في جيورجيا ستدخل القوات الروسية إلى القرم وستعمد إلى تدعيم إعلان الاستقلال الذي قامت به القرم الأسبوع الماضي. وما يدعم هذا السيناريو أن القرم كانت تابعة لروسيا وذلك منذ القرن الثامن عشر وأنه وبعيد تفكك الإتحاد السوفياتي، قُسمت البحرية السوفياتية بين روسيا (8

 

 

ما هو دور أوروبا في هذه الأزمة؟ممّا لا شك فيه أنّ أوروبا هي الخاسر الأكبر في هذه العمليّة بغض النظر عن السيناريو المعتمد. هذه الخسارة تتمثل بتوقف تدفق الغاز كما وباحتملات نشوب حرب على أبوابها. لذا من المتوقع أن يكون الموقف الأوروبي أكثر ليونة تجاه روسيا. www.lebanonfiles.com/news/679364

 

    

Print Friendly, PDF & Email