Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

الإستحقاقات المالية للدولة اللبنانية في 2014

لا شك في أنّ الوضع الأمني في لبنان يحتل المرتبة الأولى في لائحة المخاطر التي تعصف به، إلّا أن عجز المالية العامة والدين العام يأتي بعده بمرتبة. فالإستحقاقات المالية للدولة اللبنانية لهذا العام توازي 2.3 مليار دولار وستُهدّد الوضع المالي، إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات المناسبة. من المعروف في الإقتصاد أن توازن الميزانية العامة للدولة ليس المقياس المناسب للسياسة المالية. وهذا يأتي من منطلق أنّ المالية العامة تتأثر بسياسة الديون للسنين الماضية عبر خدمة الدين العام، كما أن الدورة الإقتصادية تؤدي دوراً من ناحية تقليل المداخيل أو زيادتها. وتدهور الوضع الإقتصادي الدوري ينتج عنه عجز في الموازنة العامة وذلك في معزل عن الخيارات الهيكلية في الموازنة العامة.

ويتم تحليل الانضباط في المالية العامة عبر القيود على ميزانية الدولة التي تنصّ على أن يتمّ تمويل النفقات الإجمالية في الميزانية لكل سنة مالية من مصدرين أساسيين: الضرائب و/أو إصدارات سندات الخزينة. والمعادلة الحسابية التي يتم من خلالها جمع هذه القيود هي التالية: الإصدارات الجديدة (أو زيادة الدين العام) + الإيرادات الضريبية = خدمة الدين العام + الإنفاق العام.

تحليل هذه المعادلة ينتج عنه أن نسبة الدين العام تزيد بفعل العاملين التاليين: وجود عجز أولي؛ ووجود فجوة بين سعر الفائدة الحقيقي ومعدل النمو. من أحد أهم المؤشرات التي تُستخدم في نظريات الدين العام والتوازن المالي للدولة، مؤشر الميزان الأولي الذي هو عبارة عن الوضع المالي للدولة قبل دفع خدمة الدين العام. فدوره أساسي في تحديد نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي.

وتنصّ الأعراف على أن خدمة الدين العام تُشكل قنبلة موقوتة، تنفجر عندما يُصبح الميزان الأولي غير قادر على تغطية خدمة الدين العام + رأسمال الدين المستحق. فوجود دين عام عال و/أو وجود نسب فوائد عالية تُسبب عجز الدولة عن دفع مستحقاتها، ما يزيد الدين العام على شكل كرة ثلج.

في لبنان، سجل الميزان الأولي في العام 2012 فائضاً بنسبة 434 مليون دولار أميركي. أما في العام 2013 فقد سجل هذا الميزان عجزاً بقيمة 350 مليون دولار أميركي، ما دفع بنسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من 139.

المصارف تموِّل

على رغم التصريحات الرسمية التي تصدر عن القطاع المصرفي بعدم رغبة المصارف اللبنانية في تمويل عجز الدولة اللبنانية إلّا إذا تم اعتماد إصلاحات إقتصادية وإدارية ومالية، فإننا نعتقد أن المصارف ملزمة تمويل الدولة للأسباب التالية:

– إنّ نسبة تعرّض المصارف للدين العام اللبناني يفوق الـ 6

– إن إفلاس الدولة اللبنانية هو خط أحمر يظهر في سياسة حاكم مصرف لبنان الذي، نعتقد أنه سيعمد إلى الضغط على المصارف في حال رفضت تمويل العجز، أو سيُلزم مصرف لبنان بتسييل دين الدولة.

– لن تستطيع المصارف تحمّل الإنتقادات إذا ما تخلّت عن تمويل الدولة لسدّ استحقاقاتها المالية، وهذا سينعكس سلبياً عليها في السوق.

كل هذه العوامل ستدفع المصارف إلى التمويل، وهذا واجب وطني عليها. لكن السؤال يبقى عن شروط التمويل:

– صرّحت المصارف اللبنانية أنها تقبل بتمويل العجز شرط إجراء إصلاحات على الصعيد الإقتصادي، القانوني والإداري. فهل ستقبل الحكومة بهذه الشروط؟ نعتقد أن كل الأفرقاء السياسيين متفقون على أن الوضع المالي لامس عتبة الخطر، لذا نتوقع أن يتم القبول بإجراء الإصلاحات، وخصوصاً أنها تذهب في اتجاه تدعيم الإقتصاد وتخفيف الأعباء على خزينة الدولة. لكن مدى هذه الإصلاحات يبقى رهينة ثبات الوضع السياسي وقدرة أصحاب النفوذ على تفضيل المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية.

– إنّ زيادة الدين العام ستؤدّي إلى خفض التصنيف الإئتماني للدولة اللبنانية، وبالتالي المصارف اللبنانية (بسبب تعرضها للدين العام). وبغضّ النظر عن الواجب الوطني للمصارف بالحؤول دون إفلاس الدولة، ما هي مصلحة هذه المصارف بالتمويل؟ ذكرنا سابقاً أن إفلاس الدولة سيؤدي إلى إفلاس المصارف، لكن هل ستقبل المصارف بتمويل العجز على معدل الفائدة الحالي؟ نتوقع أن يكون هناك رَفع، ولو بسيط، لمعدلات الفائدة.

– تبقى سلسلة الرتب والرواتب القنبلة الإجتماعية الموقوتة والتي لا يُمكن تمويلها إلّا بدعم من المصارف اللبنانية. (على أساس انّ عجز الدولة سيزيد وستضطر الى رفع سقف الاستدانة).

ومن الواضح أن المداخيل التي قُدمت من قبل اللجنة الفرعية المُنبثقة عن اللجان المشتركة لا تُغطي كلفة السلسلة، بسبب اعتماد هذه المداخيل في قسم كبير منها على ضرائب لا وجود لها إلّا في ظل وضع اقتصادي طبيعي. فهل ستقبل المصارف اللبنانية بتمويل السلسلة؟ على رغم أحقّيتها، لا تستطيع الدولة تمويل هذه السلسلة من مداخيلها وستشترط المصارف، للقبول بتمويلها، تقسيط السلسلة على عدة سنوات على أن تترافق مع إصلاحات تبقى فيها التفاصيل علبة سوداء (Le diable est dans les détails).

إن تشكيل الحكومة الحالية أثّر، من دون أيّ شك، إيجابياً على ثقة المستهلك والمستثمر في الإقتصاد اللبناني. وإذا لم يعمد هؤلاء إلى تغيير تصرفاتهم تجاه العملية الإقتصادية (Economic Behavior)، إلا أنهم في فترة انتظار وترقّب لمعرفة ما إذا كانت الحكومة الحالية ستُسيطر على الوضع الأمني المتردّي (العدوّ الأول للإقتصاد).

إن مصلحة اللبنانيين تفرض على الحكومة بكلّ أطيافها أن تعمد إلى الإلتفاف حول مشروع النهوض بالدولة، والذي يجب أن تكون نواته خطة اقتصادية تقوم بطرحها وزارة الإقتصاد والتجارة وتنطوي على إصلاحات إقتصادية وإدارية تؤهّل البنية التحتية للمرحلة القادمة، والتي ستكون مرحلة الإستقلال الإقتصادي.

وهنا نقول استقلالاً لأنّ الوضع الإقتصادي رهينة للأوضاع الإمنية والسياسية. وعلى نمط الدول الأوروبية والغربية عامة، يجب فصل الإقتصاد عن السياسة، والذي قد يُحقق عبر اللامركزية الإدارية.

في النتيجة، لا بد من ذكر أهمية السيطرة على العجز المالي للدولة الذي سيُترجم فعلياً بارتفاع الدين العام مليارين ونصف مليار دولار إبتداء من نيسان المقبل. لذا، المطلوب وضع موازنة تقشفية على فترة 5 سنوات لأن التقشّف يبقى المفتاح الأساسي لخفض الديون السيادية. كما تتوجب إعادة هيكلة قسم من الدين العام اللبناني نظراً إلى أن 6

رابط الجمهورية

Print Friendly, PDF & Email