Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

موضوع «السلسلة» يطرح إعادة هَيكلة الدين العام

الجمهورية | بروفسور جاسم عجاقة

يحقّ للمواطن أن يسأل عن أسباب التردّد في إقرار السلسلة مع العلم أن كلفة السلسلة، حتى ولو تمّ تمويلها بواسطة الإقتراض، لا تُشكّل إلّا نسبة قليلة من الدين العام. الجواب يكمن في مستوى الدين العام الذي إذا ما أُقرّت السلسلة ستفرض إعادة هَيكلته.

لا يُعقل أن تستمر الحكومة بالإنفاق على هذا النحو، فالأرقام المتوافرة في وزارة المال تُظهر تآكلاً واضحاً للمالية العامة. والعجز المسجّل كلّ عام، والذي بدأت تُشرّعه الموازنات المطروحة منذ عشرات الأعوام، يتحوّل بشكل تلقائي إلى دين عام. ففي العام 2013، بلغ إجمالي الإيرادات 7,9 مليار د.أ. في حين بلغ إجمالي النفقات 11,4 مليار د.أ. أي أنّ العجز بلغ 3,5 مليار د.أ.

وإذا ما أضفنا إلى ذلك 2,3 مليار دولار أميركي كاستحقاقات مالية (خدمة دين عام + إستحقاق رأسمال)، نرى أن الدولة مضطرة إلى إصدار سندات خزينة بـ 6 مليار دولار، وكلّ هذا من دون كلفة السلسلة. وإذا ما اعتبرنا أنّ كلفة السلسلة يُقارب الـ 2 مليار، فإنّ الحكومة مُلزمة بتأمين 8 مليار دولار قبل الحديث عن أيّ نفقات أخرى في العام 2014.

منهجية خاطئة في وضع مشاريع الموازنة

المنهجية التي تتّبعها الحكومات لا تحلّ المشكلة بل تزيدها تعقيداً وتُفوّت فرَص وَقف النزف الواحدة تلو الأخرى. وهذه المنهجية تنصّ على بناء مشروع الموازنة على أساس آخر موازنة صوّت عليها مجلس النواب وزيادة المبالغ التي صرفت في العام السابق على الخانة المناسبة في الموازنة إضافة إلى بعض المشاريع، وبهذا أصبح عندنا موازنة.

وللتأكّد من صحة هذا القول يكفي للقارئ أن ينظر إلى مشاريع الموازنات 2013، 2012… ويرى مدى التشابه بينها، ليس من حيث الشكل فحسب بل من حيث المضمون أيضاً.

نحن من أكثر المؤمنين بمبدأ الإستمرارية مع الوقت، لكن لا يُمكن القول إن مبدأ الإستمرارية صالح في ظل ظروف كالظروف الحالية. لذا، من الواجب اعتماد منهجية جديدة في وضع الموازنات تترافق مع إصلاحات على الصعيد الاقتصادي والإداري.

إشكالية الدين العام مطروحة

مهما كانت المنهجية التي ستعتمدها الحكومة في وضعها لمشروع الموازنة العامة، فإنّ هامش التحرّك في سياستها المالية محدود، وذلك بسبب الدين العام الذي ستتسارع وتيرة ارتفاعه. فكيف للحكومة أن تقوم بمشاريع إستثمارية وهناك عجز ودين عام كبيران؟ والقطاع الخاص لن يعمد إلى الاستثمار في غياب الأمن وغياب الشراكة بين القطاع العام والخاص. من هنا، نرى أن إشكالية الدين العام ستبرز إلى العلن بعد التصويت على سلسلة الرتب والرواتب إذا ما أحيلت إلى الهيئة العامة في مجلس النواب.

صرختان محقّتان

عندما نتحدث إلى أستاذ مدرسة ونسأله عن أهمية السلسلة بالنسبة له، لا يمكن لنا إلّا أن نغضب لعدم إقرار السلسلة من قبل مجلس النواب. وفي الوقت نفسه، فإنّ صرخة الهيئات الاقتصادية، والتي عبّر عنها رئيسها البارحة، تلفت الأنظار إلى التأثيرات السلبية التي ستلحق بالإقتصاد اللبناني من جرّاء إقرار السلسلة. وهاتان الصرختان محقتان.

وتبقى كلمة الدولة اللبنانية التي من المفروض أن تؤدي دور الحكم والراعي والمحافظ على مصالح الشعب. لكنّ أداء الدولة في ما يخصّ السلسلة لم يكن على المستوى المطلوب، خصوصاً من ناحية تأمين مصادر التمويل.

فكلّ البنود المطروحة كمصدر تمويل لهذه السلسلة ليست سوى حبر على ورق، لأنه من المعروف أنّ الضرائب يكون لها مفعول عندما يكون هناك نمو إقتصادي والشركات تربح. لذا، فإنّ هذه البنود، والمرتبطة بالنشاط الاقتصادي، كانت لتكون مُفيدة في الأعوام 2005 إلى 2010. إلّا أنّ الواقع الحالي مغاير، ولن يكون هناك مداخيل من هذه البنود.

ما هي التداعيات السلبية لهذه السلسلة؟

من دون الولوج في نظريات إقتصادية، المشكلة تكمن في نقطتين أساسيتين:

أولاً، زيادة العجز العام: وهذا الأمر هو نتيجة للعجز المزمن الذي شرّعته موازنات (أو مشاريع موازنات) الأعوام الماضية. وتمويل السلسلة، في حال أقرّت، سيكون عبر الاستدانة، أي إصدار سندات خزينة. والعواقب على الدين العام وخيمة لأنّ خدمة الدين العام أصبحت كبيرة وسيكون هناك انتقال نوعي في مستوى الدين (Changement Structurel du Niveau de la Dette) سيكون من الصعب معه لجم خدمة الدين العام من دون إعادة هيكلته.

ثانياً، زيادة التضخم: إنّ التضخم هو حالة طبيعية في اقتصاد ينمو. لكنّ التضخم يُصبح كارثة في اقتصاد لا ينمو، ففي ذلك فقدان لثروة البلد وسكانه. والتضخم الذي سينجم عن دفع السلسلة سيكون كارثياً، وبحسب رأينا لن يكون هناك أيّ وسيلة من أيّ نوع (باستثناء هبة!) يُمكنها لجم التضخم. وهذا سيكون له أثر في الدين العام في الأمد الطويل. وهنا نُحذّر أن يلجأ بعض السياسيين، تحت تأثير نصائح معينة، الى اعتماد التضخم وسيلة لخفض الدين العام، لأنّ ذلك مجزرة للأجيال المُستقبلية.

وسائل التمويل

يجب البحث عن مصادر لا علاقة لها بالنشاط الاقتصادي. ومن هذه المصادر: الأملاك البحرية، ضرائب على الشقق الشاغرة (45000 شقة شاغرة في بيروت وحدها)، بسط سلطة الدولة المالية على المرافئ العامة (مليارات الدولارات من العائدات المهدورة)، التشدد في جباية الضرائب والفواتير (3 مليار دولار مستحقات الدولة من فواتير وضرائب غير مقبوضة)، لجم الهدر والفساد…

إذاً، وكما يرى القارئ الكريم، فإنّ الحلول موجودة لكن تنقصها الإرادة. ضرائب على الكافيار! هذا ما نقرأه في بنود التمويل كما تطرحها اللجنة المنبثقة عن اللجان المُشتركة. مَن يأكل الكافيار في لبنان غير المُقتدرين؟ وهل عددهم كبير؟ إذا كان كذلك لماذا لا يكون هناك ضريبة على الثروة مثل باقي الدوَل؟

باعتقادنا إنّ التمويل المطروح لن يؤمن كلفة السلسلة التي لا نعرف قيمتها بالتحديد، والسبب يعود إلى عدم معرفة عدد المستفيدين منها بسبب عدم وجودهم على النظام المالي التابع لوزارة المال. من هذا المنطلق، نعتقد أن على الحكومة تأمين المداخيل عبر الحلول المطروحة أعلاه والعمل مع النقابات العمّالية والهيئات الاقتصادية لتفادي إدخال تضخّم هائل إلى الاقتصاد.

في الختام، لا يُمكن تفادي وضع خطة لإدارة الدين العام عبر إنشاء هيئة أو مجلس من القطاع العام ومن القطاع الخاص يسمح لنا باستعادة السيطرة على خدمة الدين العام. وهذا يجب أن يتمّ من خلال القيام بعمليات Swaps مع المُقرضين، ولَجم العجز في الموازنة العامة.

Print Friendly, PDF & Email
Source الجمهورية