Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

سلسلة الرتب والرواتب من منظار يوناني

أربعة أعوام مرّت على بدء الأزمة اليونانية. أربعة أعوام عاشت خلالها اليونان أكثر مراحل حياتها تقشفاً، والنتيجة بدء الخروج من الأزمة. والمقارنة بين هذه الأزمة والأزمة الحالية في لبنان تُظهر تشابهاً مذهلاً. فهل يمشي لبنان على خطى اليونان؟

Print Friendly, PDF & Email

الجمهورية / بروفسور جاسم عجاقة

 أتت الأزمة اليونانية كنتيجة لعدم قدرة اليونان على سدّ ديونها، ولا حتى دفع خدمة دينها العام، مع عجز عام كبير وركود إقتصادي حاد مُرفق بضرب القطاع المصرفي المتعرّض بشكل كبير للدين العام اليوناني كما ومستوى عال من التضخم.

وساعدت الأزمة العالمية التي ضربت الاقتصاد العالمي منذ 2008 وحتى الأن نظراً لتشابك الاقتصاد اليوناني مع نظرائه الأوروبيين، في ضرب النموّ في الاقتصاد اليوناني ما قلّل من قدرة الدولة على دفع خدمة الدين العام.

أيضاً دفعت الثقافة الاقتصادية لدول البحر المتوسط، اليونان إلى إخفاء العجز المالي الذي كانت ترزح تحته والذي لطالما أخفت حقيقته عن العالم وعن الإتحاد الأوروبي عند إنضمامها إليه.

حيث إنّ حكومة جورج ببان دريو عمدت في العام 2008 إلى طمس عجز جارٍ بنسبة 1

والأصعب في الموضوع أنه وفي ظل عامين (2007 إلى 2009)، أخذ التضخم أحجاماً خطيرة نسبة إلى إقتصاد كإقتصاد اليونان (46.

وما يجعل من الأزمة اليونانية أزمة فريدة من نوعها في أوروبا، هو بالتحديد مدى عمق المشاكل الهيكلية خصوصاً أسلوب الحكم والإدارة الأفلاطونية، وغيرها من الأمور التي ساعدت على زيادة الهدر والفساد.

ومشاكل اليونان كلّها بدأت مع قرار إستقبال الألعاب الأولمبية في أثينا في العام 2004. حيث عمدت الحكومة إلى الإستدانة لتمويل المشاريع في البنية التحتية، والتي كلفت رسمياً الدولة اليونانية 11 مليار دولار أميركي، لكنّ الحسابات التي قامت بها الترويكا أعطت رقماً أكبر من هذا: 20 مليار دولار أميركي.

وعندما وجد اليونانيون أنّ لا مفرّ أمامهم إلّا الإستسلام للإرادة الأوروبية إذا ما أرادو العيش في كنف الإتحاد الأوروبي، فرضت الترويكا (الإتحاد الأوروبي، البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي) إجراءاتٍ تقشفية من أصعب ما واجهه الشعب اليوناني منذ سبعينات القرن الماضي.

وأوجه التشابه مع لبنان ووضعه، ولدة قراءتنا لما سبق نراها كثيرة:

– في اليونان وفي لبنان، سبقت الأزمة فترة نموّ كبيرة تخطت الـ

– أيضاً نرى أنّ مستوى الدين العام من أعلى المستويات عند بدء الأزمة (أعلى من 10

– التضخم ميزة الاقتصادين في فترة ما قبل الأزمة وخلالها مع ركود في الاقتصاد؛

– العجز العام في الميزانية مزمن وسبق الأزمة بسنوات ليأخذ أبعاداً كبيرة عند بدء الأزمة؛

– السبب في إندلاع الأزمة، قروض لتمويل مشروع: في اليونان الألعاب الأولمبية وفي لبنان سلسلة الرتب والرواتب؛

– فهل يسير لبنان على طريق اليونان نفسها؟ إنه لمن الصعب التأكيد على هذا الأمر رغم أوجه التشابه الكثيرة. لكنّ الأكيد هو أنّ الاقتصاد اللبناني يسير في الإتجاه الخطأ مع إقرار سلسلة الرتب والرواتب وسيكون لها تداعيات سلبية على الاقتصاد.

ونسمع أحياناً بعض «المنجّمين» الإقتصاديين يقولون إنّ دفع السلسلة سيحفّز العجلة الاقتصادية وسيدفع بالنموّ إلى مراتب عالية. لكنّ المشكلة التي غابت عن بال هؤلاء هي أنّ ضخ 3000 مليار ليرة سيزيد من حجم التضخم بمقدار زيادة الكتلة النقدية ذاتها، والسبب يعود إلى أنّ الطلب سيزيد بسرعة أكبر بكثير، ما يعني أنّ الأسعار سترتفع وبالتالي التضخم.

وهذا التضخم (أنظر إلى الرسم) سيكون أكبر بكثير من النموّ المتوقع في لبنان في العام 2014 (

السيناريوهات…

مما تقدّم، لا يسعنا إلّا أن نتوقع عدداً من السيناريوهات التي يُمكن أن تحصل في حال إقرار السلسلة في حالتها (اليوم). وأهم هذه السيناريوهات السيناريو الذي يبدأ برفع الطلب على الدولار الأميركي والذي سيكون نتيجة تخوّف الناس. وردّ مصرف لبنان بالطبع سيكون المدافعة عن الليرة ما يعني البدء بحرق الإحتياط من العملات الأجنبية.

وبما أنّ عدداً كبيراً من الأشخاص لا يعلمون ماذا سيحصل، فإنهم سيعمدون إلى أخذ إجراءات تُبعدهم عن الليرة والإستثمار وتهريب رؤوس الأموال إلى الخارج الذي يشير الى بدء العد التنازلي للودائع وزيادة كبيرة على إستهلاك بعض السلع الأساسية (خبز…) والمحروقات التي قد تصبح أسعارها عشرة أضعاف السعر الحالي.

وقد يظنّ البعض أنّ في هذا الكلام نوعاً من التشاؤم، إلّا أننا لا نرى إقتصادياً إلّا هذه السيناريوهات التشاؤمية والتي لن نعمد إلى ذكرها للأسباب نفسها التي تمنع القيّمين على مصرف لبنان من ذكرها.

التروّي مفتاح النجاح

مما تقدم نرى أنّ التسرّع في إقرار السلسلة على أساس المشروع المطروح حالياً ليس بجيد وسيقود البلاد إلى حافة الهاوية على الطريقة اليونانية. ونعتقد أنّ النقطة الأساسية التي لم تدرسها كفاية اللجان النيابية المشتركة هي تداعيات إقرار السلسلة على الاقتصاد اللبناني.

محاربة الهدر والفساد، الإصلاحات، مراقبة الأسعار، الزيادة السنوية التلقائية… نقاطٌ يجب العمل عليها لإنجاح السلسلة. وللذين لا يعلمون فإنّ مشروع السلسلة مشروط بوقف التوظيف في الدولة ما يعني أنّ هذا الجيل سيكون الجيل الأخير الذي يدخل الملاك، وهذا يعني أنّ الرأسمالية التي يحاربها العمال هي التي ربحت. فهنيئاً لكم السلسلة.

Print Friendly, PDF & Email
Source الجمهورية