Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

الثورات العربيّة وموقع لبنان منها

 

“لا توجد سلطة، إنما إفراط بالسلطة”، هذا القول الشهير لنابوليون بونابارت يعكس ما يجول في فكر كلّ شخص يعيش في العالم العربي.   

 

بعد مرور أربعة أعوام على بدء الثورات العربية، يحق لنا أن نسأل عن نتائج هذه الثورات وما آلت اليه مقارنةً مع رغبة شعوب المنطقة. والملاحظة الأولى التي تخطر ببالنا أنّ هذه الثورات لم تحقّق المرجو منها والسبب يعود إلى ثغرة في مفهوم الشرعيّة الدستوريّة كما سيظهرها هذا المقال. 

 

الربيع العربي…سُميّت الثورات العربية بالربيع العربي تيمناً بربيع الشعوب في العام 1848 الذي شهد ثورات في أوروبا ضد الحكم القائم والذي فضّل توسيع مساحة الإمبراطوريّات القائمة بدلاً من النظر إلى تطلعات الشعوب الأوروبيّة. وفي التفاصيل أنّ الدول التي ربحت على نابليون بونابارت في معركة واترلو (Waterloo) طمعت بتوسيع سيطرتها على أنقاض إمبراطورية نابوليون وتناست مطالب الشعوب بالحرية بوجه المترنيخية (Metternich) والتي هي عبارة عن سياسة الحفاظ على الحكم القائم. 

 

الشرعيات بمنظار تاريخي…هناك شرعيّات عدة في أنظمة الحكم: الشرعيّة الآتية من الشعب، الشرعيّة الآتية من السلاح، الشرعيّة الآتية من الدستور، والشرعيّة الآتية من الكتب السماوية. ويُمكن السؤال عن أولوية هذه الشرعيات إذا ما تضاربت في ما بينها. ففي قديم الزمان كانت الشرعيّة الآتية من الكتب السماوية هي الأساسيّة وكلّ ما يجب فعله يكون مبرّراً من هذه الشرعيّة. ومع الوقت، أخذت شرعيّة السلاح طريقها وتفوّقت على الشرعيّات كلّها. لكنّ الطغيان الذي ضرب معظم الأنظمة السلطويّة أدّى إلى ثورات رفعت معها شرعية الشعب الى المرتبة الأولى وتتمّ ترجمتها في ما يُسمّى بالدستور. ومختلف الأنظمة التي تتغنّى بالديموقراطيّة تحترم أولويّة الشرعيّة الشعبيّة على مختلف الشرعيّات الأخرى. لكنّ الثورات العربيّة اتّبعت الطريق الآتية: تبدأ بثورة شعبيّة احتجاجيّة على الأوضاع الاقتصاديّة والحريّة السياسيّة القائمة وتدعمها شرعيّة السلاح. وعند الوصول إلى السلطة يعمد النظام الحاكم، معتمداً على شرعيّة السلاح، الى تغيير الدستور وفق المعايير التي تناسبه وليس وفقاً لمصالح الشعب. ويبدأ التضارب بين الشرعيّة الشعبيّة والشرعيّة الدستوريّة ويتمّ اتهام المعارضين (من الشعب) بالخيانة. وتبدأ الثورة من جديد وهكذا دواليك. 

 

الشرعيّة والديموقراطيّة…من هنا نرى أنّ الديموقراطية الحقيقيّة هي التي تكون فيها شرعيّة الدستور صورة عن شرعيّة الشعب وتخدمها شرعيّة السلاح. أي بمعنى آخر يجب على الدستور أن يعكس رغبة الشعب وما يريده. ونرى أنّ التطبيق الواقعي للديموقراطيّة يتمّ عبر نظام الاستفتاء. لكن قد يقول البعض: كيف يُمكن إجراء استفتاء إذا كانت هناك غالبيّة (دينيّة، عرقيّة…)؟ في غياب اللامركزية الإدارية هذا مستحيل، لأنّ الغالبيّة ستعمد إلى فرض إرادتها وهنا أهميّة اللامركزيّة الإداريّة التي تأخذ الحيثيّات بعين الاعتبار وبالوقت نفسه تسمح بتطبيق الديموقراطيّة. وإذا ما أردنا معرفة عدد البلدان العربية التي يعكس فيها الدستور تطلعات شعبها، نرى أنّ العدد قليل جداً للأسف. وبنظرة إلى الحكم في سويسرا، نرى أنّ هذا البلد، وعلى الرغم من الاختلاف الديني والثقافي واللغوي لمكوّناته، يعيش الديموقراطيّة على أكمل وجه. فرغبات السكان مأخوذ بها في الدستور ولا يعرف هذا البلد لا الحروب ولا الانقسامات التي تُعاني منها حتى الدول المتطورة.لذا، وبغياب وجود آليّة واضحة تأخذ بعين الاعتبار تطلعات الشعوب وكيفية ترجمتها في الدستور، لا يُمكن تحقيق ثبات سياسي في الدول إلا إذا كانت هناك شرعيّة أخرى حاكمة كشرعيّة السلاح (كوريا الشمالية) أو الشرعية الآتية من الكتب السماوية. 

 

أين لبنان من هذا كلّه؟المشكلة الأساسية في لبنان أنّ الشرعيّات السابقة الذكر كلّها متساوية وتتضارب في ما بينها. فكلّ فريق يتمسّك بالشرعيّة التي تناسبه ويُشدّد على تطبيقها. وعلى هذا النمط لا يُمكن أن يكون هناك ثبات سياسي ولا إمكانيّة لوضع مشاريع إنمائيّة واقتصاديّة في لبنان. لذا، نعتقد أنّ الحل يكمن بإقرار اللامركزيّة الإداريّة في المرحلة الأولى كمدخل للتعايش المتنوع الذي قد يؤدي مع الوقت إلى وضع شرعيّة الشعب في المرتبة الأولى وتحويلها إلى شرعيّة دستوريّة.  www.lebanonfiles.com/news/699437 

Print Friendly, PDF & Email