Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

هل أصبحت إيران تخشى داعش؟

أبعد من الخطاب السياسي، يُمكن القول أن الجمهورية الإسلامية في إيران إلتزمت بشكل كبير إلى جانب النظام السوري في حرب أصبحت أهلية بإمتياز مع تدخل هائل من قبل العديد من الدول الإقليمية والدولية.

Print Friendly, PDF & Email

وهذا الإلتزام أخذ عدة أبعاد وعلى رأسها: الدعم السياسي والديبلوماسي المُطلق، دعم عسكري وأمني حيوي، ودعم إقتصادي ومالي هائل. وهذا الدعم أتى كنتيجة للتحالف الإستراتيجي بين البلدين وللنجاح الذي حققته الديبلوماسية الإيرانية في جعل سوريا أداة إستراتيجية في سياستها الإقليمية إن من ناحية الصراع مع إسرائيل، حيث بقيت سوريا الدولة العربية الوحيدة التي تُشكل خطر على العدو الإسرائيلي، أو من ناحية البعد الإستراتيجي لسوريا والذي أمّن لطهران إمتداداً من غرب أفغانستان (منذ العام 2001 بعد سقوط طالبان) مروراً بالعراق (بُعيد سقوط صدام حسين) وسوريا وصولاً إلى جنوب لبنان وغزة.

وهذا البعد الإستراتيجي جعل من طهران معادلة صعبة في المواجهات الإقليمية وأعطاها وزن كبير في التأثير على مجرى الأمور. وقد تم تسمية التحالف الإيراني السوري بـ “محور الممناعة” من قبل طهران ودمشق و”محور الشر” من قبل الولايات المتحدة الأميركية.

والإستراتيجية الإيرانية واضحة على هذا الصعيد وهي خلق “طريق مقاومة” يصل أفغانستان بغزة. وهذه الطريق هدفها فرض الزعامة الإيرانية على العالم الإسلامي والتي تُنافسها عليها كل من السعودية وتركيا. من هنا يُمكن فهم ردة فعل إيران لدعم النظام السوري والتي كانت على أعلى المستويات حيث لم تتهاون إيران في دعم دمشق في مقاومة المعارضة السورية والوقوف جانب سوريا حين كانت تحت خطر الضربات الغربية لنزع أسلحتها الكيميائية.

أربع دول تستفيد من وجود داعش…

إن تمدد داعش في العراق وسوريا فاجأ دول كثيرة في المنطقة وعلى رأسها العراق، سوريا وإيران. وهذا الأمر يظهر على الأقل من خسارة الكثير من الأراضي في العراق وسوريا لصالح داعش، ولو لم يكن هذا الأمر صحيحاً لكان النظام السوري والحكومة العراقية أخذوا الإجراءات الوقائية لمنع داعش من التمدد. وبالنظر إلى الخارطة العسكرية على الأرض، نرى أن داعش تُسيطر على قسم كبير من العراق وسوريا ويمتد نفوذها على مساحات تصل إلى 5

وبالنظر إلى معطيات الأزمة السورية والعراقية، نرى أن هناك أربع قوى تستفيد من وجود داعش وليست بوضع الإستغناء عنها:

أولاً النظام السوري حيث أن وجود داعش قَسَمَ المعارضة السورية ومنعها من السيطرة على كامل الأراضي السورية. وهنا يقول بعض الخبراء أن العديد من الداعشيين كانوا سجناء في السجون السورية حيث عمد النظام السوري إلى العفو عنهم عندما ظهرت أولى بوادر ضعف الجيش السوري بالسيطرة على الثورة في درعا وريف دمشق.

ثانياً النظام التركي الذي يقف وقفة المُتفرج على داعش تقضي على الأكراد في عين العرب. وعلى الرغم من السماح لمئات المقاتلين من البشمركة بعبور تركيا للقتال في عين العرب، إلا أن هذه الخطوة تدخل في نطاق “100 مقاتل بالناقص”. وتُفيد بعض وسائل الإعلام الغربية أن الطيران التركي يقوم بالإغارة على بعض مواقع المقاتلين الكرديين (PKK) في شمال العراق بشكل لا يسمح لهم بإزعاج تركيا. كما تتهم هذه الوسائل تركيا بأنها تتصرف على الأرض كأنها حليف لداعش.

ثالثاً الولايات المتحدة الأميركية فوجود داعش يُساعد الولايات المُتحدة الأميركية بالضغط على إيران وذلك بهدف تقليص نفوذها في المنطقة وبهدف الضغط عليها في الملف النووي. ومن الدلائل على ذلك قبول إيران بتنحي نور المالكي الذي غذّى بسياسته التمييزية التعصب السني حيث قام بالتعامل مع سنة العراق كأنهم داعشيون. كما أن هناك نظرية تقول بأن هناك مساندة إستخباراتية لداعش لإفتعال مشاكل على الحدود الإيرانية. وللتذكير لا تبعد داعش إلا مسافة عشرات الكيلوميترات عن الحدود الإيرانية وهذا ما دفع إيران إلى التهديد بضرب داعش في العراق إذا ما إقتربت من الحدود الإيرانية.

رابعاً السعودية التي تطمح إلى تبوء زعامة العالم الإسلامي والتي وعلى الرغم من قدرتها المالية لم تنجح بلعب دور إستراتيجي في المنطقة والسبب يعود إلى ضعف قدرتها العسكرية أمام الماكينة العسكرية العراقية – على عهد صدام حسين – وأمام الماكينة العسكرية الإيرانية حالياً. ووجود داعش يخدم التوجه السعودي من ناحية أنه يحد من تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة وخصوصاً الطريق التي نجحت إيران بفتحها بين غرب أفغانستان وغزة.

داعش أكبر خطر على إيران…

الفكر الداعشي – الذي لا يعكس بالضرورة الفكر السنّي – هو فكر ضد الفكر الشيعي قبل كل شيء. من هذا المُنطلق يُمكن تفهم الإنخراط الإيراني والشيعي عامة في العراق وفي لبنان (حزب الله) في مقاومة التمدد الداعشي.

لكن هذا الأمر أخذ أبعاداً أكبر مع إقتراب داعش من الحدود الإيرانية والتي ما هي إلا نتيجة الضربات الأميركية على داعش في الموصل لتغيير مسارها.مما لا شك فيه أنه وفي سيناريو مواجهة مباشرة بين داعش والجيش الإيراني، يميل الميزان إلى الكفة الإيرانية. لكن داعش قادرة على تنفيذ ثلاثة سيناريوهات قد تضع إيران في وضع صعب جداً يُطيح بثلاثين عاماً من التخطيط الإستراتيجي والتنفيذ الإيراني:

أولاً: قطع الطريق على الهلال الشيعي وإلحاق الضرر بالشيعة على طول هذا الهلال خصوصاً مع فكر يحمل الكره للعقيدة الفارسية.

ثانياً: خلق مواجهات على الحدود الإيرانية والتي ستجعل من إيران بلد في حالة حرب دائمة قد تدوم عشرات السنين على مثال ما حصل في ثمانينات القرن الماضي.

ثالثاً: خلق إضطرابات داخل إيران عبر تأجيج الأقليات وعبر تفجيرات قد تطال العمق الإيراني.وقد يتسائل المرء عن مصداقية هذه السيناريوهات وله الحق في ذلك، لكن العودة إلى المعطيات الأساسية والتي تتثمل بكيفية حصول تنظيم عمره عشر سنوات على كل هذه القدرات المالية والعسكرية يكفي للقول أن وراء داعش دول تُغذيه وتستقيد من وجوده.

من هذا المُنطلق يُمكن الجزم أن داعش أصبحت كابوساً لإيران وسنشهد في الأشهر والسنين القادمة تدخل إيراني قوي في سوريا ولبنان لكسر ظاهرة داعش ومنعها من تنفيذ مخططها.

Print Friendly, PDF & Email
Source ليبانون فايلز