Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

ما مستقبل استراتيجية “داعش” للتمدد في المنطقة ولبنان؟

نُشرت مؤخراً معلومات عن تجمعات لتنظيم الدولة الإسلامية في منطقة عرسال على الحدود اللبنانية –السورية، وذلك بهدف السيطرة على البقاع. هذا الأمر يدخل في الاستراتيجية التمددية للدولة الإسلامية التي باعتراف الخبراء العسكريين، تحتاج إلى تدخل بَرّي لِلَجمها. فما هي الاستراتيجية التمددية للدولة الإسلامية؟ وما هي إمكانيات نجاحها؟

Print Friendly, PDF & Email

النهار | بروفسور جاسم عجاقة

لم تكن منطقة الشرق الأوسط بخطر مماثل لما هي عليه اليوم. هذا الواقع يُمكن استنتاجه من ثلاثة معطيات: اتساع رقعة المواجهات العسكرية؛ نوعية الأسلحة المُستخدمة؛ والانقسام السنّي – الشيعي. فعلى صعيد رقعة المواجهات العسكرية، فاجأت داعش العديد من الدول بسرعة تمددها واتساع المناطق التي سيطرت عليها في وقت قليل جداً.

هذا الأمر يُمكن التأكد منه عبر ملاحظة غياب أي عمل وقائي من قبل النظام السوري والحكومة العراقية (حكومة المالكي) لردع هذا التوسع. ويكفي النظر إلى الخارطة العسكرية على الأرض ليلحظ المرء المساحة الهائلة التي أصبحت تُسيطر عليها الدولة الإسلامية.

أما سرعة التمدّد فتُفسّر بثلاثة عوامل منها كثرة مناصري الدولة الإسلامية في المناطق التي سيطر عليها تنظيم داعش؛ نوعية السلاح المُستخدم من قبل التنظيم؛ وعنصر المفاجأة الذي استخدمه والذي يدل على عدد السنين التي عمل فيها التنظيم لكي يُوحّد المناصرين في كل هذه المناطق.

ويبقى الانقسام السنّي- الشيعي الوقود لهذه الظاهرة شئنا أم أبينا. فالأبعاد الإقليمية ومن خلفها الدولية موجودة وتتمثل في الدعم المالي واللوجستي الذي تُقدمه الدول الإقليمية لهذا التنظيم وللنظام السوري ومن ورائه حزب الله.

وبغض النظر عن الأبعاد الدينية للانقسام السنّي – الشيعي والذي تعود جذوره إلى ما بعد وفاة الرسول، هناك البعد الإستراتيجي للتمدد الفارسي في المنطقة والذي يواجهه امتعاض الدول السنّية وعلى رأسها دول الخليج من تزايد هذا النفوذ.

وهذا الامتعاض بدأت ترجمته الفعلية بمواجهات مُسلحة بين العراق (على أيام الرئيس صدام حسين) وبين إيران من خلال حرب استنزافية خرج منها العراق منتصراً (أقله معنوياً) مما أعطى دفعاً قوياً للسنّة في العالم العربي، وحضوراً فعالاً ما لبث أن اضمحلّ مع مغامرة احتلال الكويت من قبل جيش صدام حسين. وسقوط هذا الأخير وغياب قوة عسكرية خليجية فعالة، سمحت للنفوذ الإيراني بالعودة واتسعت رقعته ليضمّ الهلال الشيعي من جنوب أفغانستان مروراً بالعراق ولبنان وصولاً إلى قطاع غزة.

وإذا كانت شرارة انطلاق الدولة الإسلامية هو البطش الذي قام به نور المالكي ضدّ سنّة العراق، إلا أن الباطن يبقى قبل كل شيء الصراع السنّي – الشيعي، الذي أنتج حكومة المالكي المدعومة من إيران.

الاستراتيجية التمددية للدولة الإسلامية…

بُعيد سيطرة الدولة الإسلامية على قسم كبير من العراق وسوريا، والتي لم تواجه فيها الكثير من المقاومة بحكم وجود مناصرين لها، وضع التنظيم استراتيجية توسعية مبنية على ستة محاور:

– المحور الشمالي- الغربي الذي يتضمن احتلال شمال غرب محافظة حلب وشمال إدلب ليصل إلى محافظة هتاي في تركيا وبعدها النزول جنوباً إلى محافظة اللاذقية؛

– المحور الغربي والذي يتضمن السيطرة على شمال لبنان عبر بوابته الشرقية مما يسمح للتنظيم بفتح ممر له عبر البحر؛

– المحور الجنوبي – الغربي والذي يتضمن دخول الأردن من محافظة المفرق باتجاه محافظتي الزرقاء وعمان وصولاً إلى الضفة الغربية؛

– المحور الجنوبي والذي يتضمن احتلال محافظة الأنبار وصولاً إلى الحدود السعودية؛

– المحور الجنوبي – الشرقي والذي ينصّ على احتلال بغداد والنزول إلى البصرة مروراً بالمنطقة الشيعية وبالتالي الحصول على نافذة على البحر تسمح بدون أدنى شك للتنظيم بتصدير النفط؛

– المحور الشرقي – الشمالي والذي يهدف إلى احتلال المناطق الكردية وصولاً إلى الحدود مع تركيا (محافظة حكاري) وإيران (محاظفة أذربيجان الغربية).

وإذا كان الموقف الإيراني وموقف النظام السوري من الدولة الإسلامية واضحين، إلا أن السؤال يبقى عن موقف الدول السنّية التي تُحيط بالعراق وسوريا. ألا تخشى هذه الدول الدولة الإسلامية؟

هنا يجب الفصل بين تنظيم داعش وجبهة النصرة، فإذا كان الشارع السنّي في العالم العربي يتعاطف مع جبهة النصرة باعتبارها (بحسب السنّة) صرخة في وجه الطغيان الذي يتعرض له أهل السنّة في العراق وسوريا، فإنه يُجاهر بعدائه لتنظيم داعش الذي يعتبره تنظيماً إرهابياً. فالسعودية المعنية الأولى بهذا الملف، جرّمت هذا التنظيم وأخذت كل الإجراءات الداخلية اللازمة لمحاربة تمويل هذا التنظيم (ملاحقة المعاملات المصرفية…).

أما تركيا وحتى الآن، فليس لها أي موقف رسمي واضح من تنظيم داعش وهي المُتهمة من قبل النظام السوري ومن قبل إيران بدعمها اللوجستي للتنظيم. وماذا عن قطر التي تدعم بدون تحفظ الثورات العربية أينما وُجدت؟

الاستراتيجية التمددية للدولة الإسلامية في لبنان…

لا يخفى على أحد أن العدو الأول لتنظيم داعش هو الفكر الشيعي، ويعتبر تنظيم داعش أن هذا الفكر يُجسِّده حزب الله الذي هو بنظر التنظيم الأداة الأولى التي سمحت لنظام الأسد بالصمود خصوصاً في ريف دمشق وفي القلمون.

كما أن الانخراط الإيراني والشيعي عامة في العراق وفي لبنان (حزب الله) في مقاومة التمدد الداعشي أخذ أبعاداً أكبر مع اقتراب داعش من المناطق الشيعية في لبنان وفي العراق كما من الحدود الإيرانية. من هنا فكرة محاربة النفوذ الشيعي في لبنان والحصول على منفذ بحري.

أخذ تنظيم داعش على عاتقه تنفيذ المحور اللبناني في إستراتيجيته وذلك بحكم وجوده في القلمون داخل سوريا. لكن هذا التنظيم اصطدم على الأرض بأرضية مغايرة لما شهده في العراق وسوريا والسبب يعود إلى عاملين:

– الأول هو أن سنّة لبنان يعتبرون أن الفكر الداعشي لا يعكس فكرهم وبالتالي لم تنجح المغامرة الأولى التي قام بها التنظيم على عرسال. من هنا اعتمد التنظيم استراتيجية أخرى عبر دفع عدوه الشقيق جبهة النصرة إلى الواجهة في عرسال وهي التي تحظى بتعاطف في الشارع السنّي؛ وهذا ما لاحظناه في الفترات الأخيرة حيث كَثُرَ الحديث عن جبهة النصرة وقلّ عن داعش.

– الثاني هو النجاح الذي حقّقه الجيش اللبناني في تصديه لهجوم التنظيم، والذي على الرغم من ضعف القرار السياسي استطاع ردع داعش إلى الجرود المُطلّة على عرسال.

ما هو مُستقبل هذه الاستراتيجية في لبنان…

من الأكيد أنه ومع وجود الجيش اللبناني، وخصوصاً إذا تمّ دعمه بالأسلحة الضرورية (هليكوبتر، نواظير ليلية…)، لن يفلح داعش في اختراق لبنان لا من بوابته الشرقية ولا من الداخل.

هذا الأمر شبه محسوم مع الإستراتيجيات الفعالة التي وضعها الجيش اللبناني، والتي تظهر من آداءه في الماضي القريب ويعرفه تنظيم داعش جيداً. من هنا جاءت فكرة خطف العسكريين بغية الضغط السياسي، علّ التنظيم يحصل بالسياسة على ما لم يستطع الحصول عليه عسكرياً.

وإذا كان حزب الله قد نأى بنفسه عن المواجهات في عرسال، فالسبب الرئيسي يعود إلى عدم رغبة الحزب بتحويل الصراع السنّي – الشيعي إلى صراع مفتوح قد يُؤدّي إلى إضعاف الحزب على الجبهة الداخلية باعتبار أن التدخل في عرسال سيُفسر كهجوم على السنّة، وهو الذي يُدرج تدخله في الأزمة السورية تحت راية حماية الشيعة وحماية ظهر المُقاومة.

ويأتي الحوار بين تيار المُستقبل وحزب الله كترجمة للانتصار المعنوي الذي حققته إيران في جولة المفواضات الأخيرة حول برنامجها النووي. هذا الأمر دفع بالسعودية وإيران إلى محاولة تنفيس الاحتقان المذهبي في الشارع اللبناني عبر حضّ الأفرقاء اللبنانيين على الحوار لإيجاد صيغة تعفي لبنان من حرب مذهبية داخلية وتُحافظ على الستاتوكو في سوريا والعراق. لكن هذا الحوار الذي لا يحمل في طياته أمالاً كثيرة من ناحية تطبيق إعلان بعبدا، الوحيد القادر على تنفيس هذا الاحتقان، سيصطدم بزيادة التدخل اللبناني في الشأن السوري وذلك من كلا الجانبين.

ويبقى الرهان أخيرًا على الجيش اللبناني الذي يظهر كخشبة الخلاص الوحيدة من أتون سوري – داعشي قد يُطيح بلبنان والكيان اللبناني.

Print Friendly, PDF & Email
Source النهار