Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

هل الكون هو وليدة الصدفة؟

منذ طرح نظرية الإنفجار العظيم (Big Bang) في العام 1927، والكنيسة الكاثوليكية تُواجها بقوة لأنها تنفي وجود الله وتعزو خلق الكون إلى الصدفة. لكن مع تصرّيح البابا فرنسيس أن نظرية الإنفجار العظيم هي حقيقة وأن وجودها لا يُعارض وجود الخالق لا بل يفرضه، يُطرح السؤال عن قدرة العلم على تأكيد أن الكون هو وليدة الصدفة.  من المعروف أن الإنسان إستطاع أن يضع معادلات حسابية لكل ظاهرة تُحيط به مع إستثناء وحيد الا وهو عقل الإنسان. هذه المعادلات فرضت نفسها من العلوم الأساسية مروراً بالعلوم التطبيقية ووصولاً إلى العلوم الاجتماعية وحتى الفلسفية. وفي قديم الزمان كان الفلاسفة اليونانيون والعرب يقومون بوضع نظريات في الرياضيات والفيزياء والطب حيث كان يُطلق عليهم إسم الحكماء. هذا الأمر دفع بعلماء الفيزياء في أوائل القرن الماضي إلى البحث في نمذجة الكون (أي وضعه ضمن معادلات حسابية) وكانت النتيجة أن نظرية الإنفجار العظيم أبصرت النور في العام 1927 على يد جورج لوميتر (Georges Lemaître).بإختصار وبتعابير سهلة، نظرية الإنفجار العظيم تنص على أن الكون يتمدد بحكم أن حجمه كان، منذ 13.7 مليار سنة، صغيراً وكثيف وحرارته عالية دون أن يكون هناك وصف دقيق للحظة التي ظهر فيها الكون. وتنص هذه النظرية على أن هذا الكون يُمكن أن يكون ظهر من أي نقطة وبالتالي لا تُحدد المكان ولا كيفة حصول الأمر. لكن مفهوم الإنفجار العظيم كما يوحيه الإسم عائد إلى إذاعة الـ BBC التي وبسخرية أعلنته للمرة الأولى على موجاتها.إستطاع العلماء وضع معادلات حسابية لتبرير تطور الكون وتمدده كما والإثباتات على ذلك. وهذه المعادلات مُعقدة جداً لدرجة أن هناك هامش كبير في تحديد قيمة مكونات هذه المعادلات وتفسير نوعيتها وما تعنيه بمفهوم الإنسان. وهنا بيت القصيد حيث أن “الطريقة التي ترى فيها الحياة تصنع الحياة التي تراها”. فالعالم “تغمارك” ذهب إلى حد القول أن العالم بما فيه الإنسان هو قسم من منظومة حسابية تتفاعل فيما بينها وتتطور بحسب المعادلات العلمية.في علم الفيزياء كل جُسيّم (Particle) له جُسيّم مضاد (Antiparticle) مساوي في الوزن والدوران المغزلي والعمر لكنه معاكس بالشحنة الكهربائية. وعند إلتقاء جُسيّم مع الجُسيّم المضاد تختفي المادة وينتج عنها العدم ما يعني أن العدم يوجد عندما يكون عدد الجُسيّمات موازي لعدد الجُسيّمات المُضادة.ويقترح العلماء أن خلق الكون أو المادة جاء نتيجة خلل في عدد الجُسيّمات المُضادة وهذا ما يُعبر عنه العلماء بالـ symmetry breaking. هذا العدم هو عبارة عن نوع من الطاقة (Energy) ناتج عن ذوبان المادة مع المادة المُضادة وبالتالي لا يُمكن أن نجد في عالمنا مادة مضادة لأنها تتفاعل مباشرة مع المادة وتختفي.وبالتالي ذهب بعض العلماء إلى القول أن الكون كان عبارة عن عدم تخلله خلل بعدد الجُسيّمات المُضادة ناتج عن الصدفة ما أدّى إلى خلق الكون وبدأ التوازن في هذا العالم يظهر كنتيجة للمعادلات الحسابية.لذا نرى أن هناك مُشكلتين أساسيتن يواجهان العلم: المشكلة الأولى تتمثل بالصدفة التي خلقت الكون والثانية في التوازن الذي يعيش فيه هذا الكون. وهذين الأمرين لم يتسطع العلم حتى الأن الإجابة عنهما:- هل الصدفة فعلاً خلقت الكون؟ وإذا كان الأمر كذلك ألا يُمكن وضع هذه الصدفة ضمن معادلة حسابية؟- ما الذي جعل العالم مُتوازناً كما هو اليوم؟ ألا نخشى أن تعمد الصدفة إلى تدميره كما خلقته؟هنا نقول أن الكون يحتوي على الكثير من التوازن لكي يكون نتيجة الصدفة وبالتالي لا يُمكن أن تكون الصدفة هي من خلقت هذا الكون. ذكر الكتاب المُقدس في سفر التكوين: “… وقال الله ليكن نور فكان نور… وفصل الله بين النور والظلمة…”. هذا القول وحده كافٍ للتأكد من أن العالم لم يولد نتيجة الصدفة بل كان نتيجة إرادة الإلهية والدليل أن هذا النص كُتب ما بين القرن الثامن والقرن الثاني قبل المسيح.نعم إن نظرية الإنفجار العظيم هي نظرية حقيقية وهي واقع لكنها لا تُفسر خلق الكون. ويظهر مما تقدم أيضاً أن الصدفة لم تخلق الكون لأن الشروط التي كانت قبل خلق الكون كانت لتكون متوازية في الإحتمال لخلق الكون في أي لحظة من التاريخ وفي أي مكان وبالتالي كان لا بد من تدخل خارجي (الهي) يكسر توازن العدم (جُسيّمات وجُسيّمات مُضادة) وبالتالي يُرجح المادة على المادة المُضادة. كما أن التوازن الموجود في الكون والمعادلات الحسابية التي تُفسّر تطوره لا يُمكن أن تكون وليدة الصدفة لأنه كما وسبق الذكر، الكون يحتوي على الكثير من التوازن لكي يكون نتيجة الصدفة.لذا صدق البابا فرنسيس حين قال أن نظرية الإنفجار العظيم هي حقيقة وأن وجودها لا يُعارض وجود الخالق لا بل يفرضه. www.lebanonfiles.com/news/908272 

Print Friendly, PDF & Email