Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

ترحيل النفايات… بالأرقام المادية والمعنوية

حتى النفايات لم تعد تجد لنفسها مكانا في هذا البلد المحاط بالسماسرة، والمحاصر بطباخي الصفقات، فبينما لا يزال لبنان غارقاً بالنفايات لليوم التاسع عشر على التوالي، ما زال خيار ترحيل النفايات الى الخارج هو أحد الطروحات الجدية المتداولة على طاولة المحادثات “القمامية”، ولوحظ مؤخراً ارتفاع منسوب التأييد السياسي لهذا الخيار، عبر مواقف وتصاريح تصب كما سابقاتها في حلولٍ “تأزيمية” لا تعكس الا صورة “طالعة ريحتا” عن فشل وعجز المعنيين في ايجاد حلحلة لأزمة طالت مأساتها على انفاس اللبنانيين. واضعين وكعادتهم لبنان واللبنانين ما بين “المرّ والأمرّ”، في الوقت الذي تسعى به الحركات البيئية جاهدة لايجاد مخارج اقل ضررا وأكثر قبولاً تجاه ما يقارب “55 الف طن من النفايات” المرمية في الشوارع، والتي قد تصل كلفة تصديرها الى “13 مليون دولار” كون نفايات لبنان غير مطابقة لمواصفات التصدير حسب المعاهدات الدولية، ما ينعكس ارتفاعاً على الكلفة.   لا إجابات شافية عن مصير النفايات لدى من يتمسّك بزمام الأمور، سوى حلولٍ ارتجالية يتقاذفها المسؤولون على طاولة النفايات “يا بتصيب يا بتخيب” بعيداً عن استراتيجية وطنية حقيقية لإدارة هذا الملف، وفي هذا الاطار تؤكّد مصادر وزارة البيئة لـ”البلد” بأن ترحيل النفايات هو أحد الحلول الموقتة المطروحة، الى جانب ما يحكى به في جلسات اللجان المعنية عن “خريطة للكسارات المؤهلة لاستقبال النفايات”، بينما اليوم وفي تمام الساعة الثانية عشرة ظهراً في مجلس الانماء والاعمار سيتم فض العروض لمدينة بيروت، على أن تفض العروض المالية لكل المناطق يوم الثلثاء القادم. ويؤكّد رئيس لجنة الأشغال النائب محمد قباني بدوره على جدّية طرح ترحيل النفايات كـ”حل موقت لا يتجاوز الستة اشهر الى ان تستعد الشركات التي ستلتزم بالنفايات في المناطق اللبنانية المختلفة”، معبّراً عن مخاوفه حول عدم نجاح هذا الخيار بقوله “نأمل ان ينجح هذا المشروع، فحتى اليوم يدنا على قلوبنا في انتظار الحلول التي ستبدأ بالظهور خلال الأيام القادمة”، رافضاً الإفصاح عن الحلول الأخرى المطروحة حالياً غير الترحيل.  خيار جدّيوبعد التأكّد من جدية خيار الترحيل والذي تشير المعلومات الأخيرة الى وصول خبراء من فرنسا لفحص نوعية النفايات المتراكمة بهدف ترحيلها، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه ما هي كلفة تصديرها الاقتصادية والمعنوية، وما رأي البيئيين بهذا الطرح، وما هي الدول المستعدة لاستقبال النفايات غير المطابقة، وهل فعلاً جفّت آبار الحلول الفعلية لأزمة نفايات لبنان وما عادت تجد لنفسها طريقا الا السير بتكاليف خيالية الى الخارج؟ الكلفة الاقتصاديةبالأرقام يتحدّث الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة لـ”البلد” عن الكلفة الاقتصادية التي قد يدفعها لبنان مقابل ترحيل نفاياته الى الخارج، مشيراً إلى وجود ما يقارب الـ 55 الف طن من نفايات في الطرقات اللبنانية، وأن ما يحكى عن كلفة تصدير الطن الواحد من النفايات قد تصل الى 240 دولارا، فعلى سعر الـ240 سيُدفع على ترحيل الأطنان المتراكمة كلفة تبلغ 13 مليون دولار، أما الدول المستوردة فهي، إما إيطاليا، او فرنسا، او المانيا، او السويد، ومؤخراً انضمت تركيا لقائمة الدول المحتملة.ويلفت عجاقة الى أن كلفة التصدير تتأثر بعاملين اثنين، عامل المسافة وعامل النوعية، فستختلف الكلفة تبعاً للبلد الذي ستُرحل اليه النفايات، وكلما زادت المسافة كلما زادت كلفة النقل الذي سيكون عبر البحر، وكذلك نوعية النفايات الموجودة حالياً في الشوارع ستؤثر على الكلفة، لأنه حسب الاتفاقيات الدولية يفترض ان تكون النفايات مفرزة ويجب ان تكون “طازجة” لكي يستفاد منها في انتاج الطاقة، إذ أن كل كيلو واحد من النفايات يولد اذا احترق 0,13 كيلو واط بالساعة، أما اذا كان ناشفاً ومعرّضاً للشمس سيولّد كهرباء أقل. ويؤكد عجاقة أن الدولة اللبنانية اليوم وصلت الى طريق مسدود وهي مضطرة للقبول بأي حل، مهما كانت كلفته، لازالة اطنان النفايات المتراكمة من الشوارع، لأن هناك خسائر اقتصادية وصحية وبيئية كبيرة تُدفع مقابل غرق لبنان بالنفايات.ولذلك يأخذ عجاقة موقفاً ايجابياً من الترحيل الا انه يرى بأن النفايات اليومية التي تقدر بـ”3800 طن بمكبات شرعية، يومياً، يقابلها 1500 طن جراء مخيمات النازحين” يجب ان تكون ضمن استراتيجية واضحة، تمنع الطمر الا بنسبة 10 لـ20 بالمئة من النفايات التي لا تضر الارض وهي ما يسمى بالنفايات “الخاملة”. أفضل الحلوللافتاً إلى أن افضل الحلول لأزمة النفايات يكون عبر استعمالها لإنتاج الطاقة فـ”مجموع نفايات لبنان بالمكبات الشرعية وغير الشرعية يُقدر بحدود 15 مليونا و14 الف طن، اذا تم استعمالها لإنتاج الطاقة، يصل انتاجها لـ 2310 ميغاواط بالساعة، وبنفس الوقت تنتج 4620 ميغاواط من الطاقة للتدفئة، ولبنان يحتاج الى 2600 ميغاواط من الطاقة”. الكلفة المعنويةأما اللبناني الذي افتقد الثقة بدولته، ومصداقيتها، فكانت لخيار ترحيل النفايات لديه كلفة معنوية انعكست خيبة أمل كبيرة سطّرها الى جانب سابقاتها، فيرفض نادر هذا الطرح ويقول بحسرة “آخر انجازات أحفاد الفينيقيين، بعدما كانوا أول مَن صدّر الحرف، يعدّون العدة بعد 6000 سنة لنشر نفاياتهم في أقطار العالم”، أما ميرنا فتعبّر عن امتعاضها من خيار تصدير النفايات للخارج، ولكنها ترى أنه شرّ لا بد منه، بعد أن خيّرتنا الدولة اللبنانية ما بين السيئ والأسوأ فـ”مهما ارتفعت كلفة الترحيل ستكون اقل من الكلفة الصحية التي يدفعها المواطنون، والاقتصادية التي يدفعها القطاع السياحي، والبيئية التي تدفعها طبيعة لبنان”. بينما شربل وقف مع ترحيل سبب النفايات (الطبقة السياسية) من لبنان وليس النفايات، وأجاب ممازحاً “اكيد لأن النفايات فينا نستخدمها بتوليد الطاقة الكهربائية، اما سبب النفايات فلا عازة لهم”.وللبيئيين رأيهم في طرح الترحيل أيضاً، ويرون أنه “من سنة ونصف لليوم برهن المعنيون عن فشل في ايجاد حل لأزمة النفايات”، وأشار بول أبي راشد، رئيس الحركة البيئية اللبنانية إلى ان الحركة البيئية ستعلن اليوم عن حل بيئي وسريع لأزمة النفايات، “لا طمر ولا حرق ولا ترحيل الى خارج لبنان ولا حتى الى خارج جبل لبنان، وهو حل يوفر من الآن حتى سنة أكثر من 100 مليون دولار على البلديات” ويعبّر أبي راشد أن المشروع سيُعرض اليوم على رئاسة الحكومة والمسؤولين عن ملف النفايات، متفائلاً بأنه سينال قبولاً رسمياً كونه “مفيدا للمواطنين وللبلديات وللدولة”. اذاً تشير المعطيات الى ان النفايات التي ضلّت طريقها الى المكبات العشوائية ستجد طريقها الى الخارج، وستُسيّر بأرقام خيالية للدول المستوردة، بينما تبقى حلول كثيرة مُغيبة بفعل فاعل عن أذهان الطبقة السياسية، وأكبر مثال على ذلك أن خيار انتاج الطاقة عبر النفايات مُغيّب كلياً عن جلسات المحاصصة، لانه يوفر على المواطن بطريقة ما ولا يعود بالاموال الى جيوب السياسيين.

Print Friendly, PDF & Email