Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

ما هي الخسائر الإقتصادية الناتجة عن الإحتجاجات؟

بدأت حملة الاحتجاجات الشعبية في لبنان في 22 آب 2015 على خلفية أزمة النفايات التي اجتاحت الشوارع في المدن والريف، وعَجز الطبقة السياسية عن معالجة هذا الملف. فهل هناك من عواقب اقتصادية ناتجة عن هذه الاحتجاجات؟    لا يُخفى على أحد أنّ الفساد وتضارب المصالح من أهم الآفات التي تضرب المجتمع اللبناني، ويكاد هذا الأمر أن يَطال كل القطاعات في لبنان. وقامت منظمة Transparency International بتصنيف لبنان في المرتبة 127 من أصل 178 دولة تمّت دراسة آفة الفساد فيها. ومن عوامل ظهور الفساد، الوضع الاقتصادي الذي قد يدفع بعض الأشخاص المُصنّفين «حلقة ضعيفة» إلى تجاهل الحدود بين منطق المصلحة العامة ومنطق المصلحة الخاصة. وبحسب دراسة قمنا بها وتمّ نشرها في صحيفة «الجمهورية» بتاريخ 3 كانون الثاني 2015، يُكلّف الفساد الإقتصاد اللبناني ما يوازي الـ 10 مليار دولار سنوياً موزّعة بين خسائر مباشرة وتفويت فرَص على الاقتصاد اللبناني. وقطاع النفايات هو أحد ضحايا الفساد في لبنان على مرّ السنين حيث انّ إقفال مطمر الناعمة في 17 تموز 2015 شَكّل شرارة الحرب وأظهر إلى العلن مدى عمق الفساد في هذا الملف وتشعّبه. الإقتصاد مبنيّ على الثقة نودّ قبل الغوص في التداعيات الاقتصادية، التذكير أنّ التداعيات الناتجة عن التحرّك الشعبي لا يُمكن فصله عن الواقع السياسي. وبالتالي، هناك حلقة من الأحداث التي ستحصل، كل حدث كردّة فِعل على سابقه. وبالتالي، فإنّ الاحتجاج سيواجه تحركاً أمنياً وسياسياً، الذي سيواجَه بتحرّك شعبي جديد، وهكذا دواليك. الماكينة الاقتصادية شبيهة بسيارة تحتاج إلى محرك وقطع (الإستثمارات)، وتحتاج إلى من يقودها (اليد العاملة)، وإلى بنزين وزيوت (الإستهلاك). والأهمّ في الأمر هو عند شراء هذه السيارة، الميزات التي يختار الشخص على أساسها هذه الأخيرة. وهذا الأمر أيضاً له نظيره في الاقتصاد، وهو ما يُسمّى بالثقة. غياب الثقة في الاقتصاد يعني غياب الإستثمارات، وبالتالي هروب المُستثمرين، ما يؤدي إلى ضعف الماكينة الإنتاجية. كما أنّ الحركة التجارية تتأثر ومعها السياحة والخدمات. وغياب الثقة يأتي من عدة عوامل: غياب الأمن، عدم الثبات السياسي، عدم تداول السلطة، غياب الإصلاحات، عدم وجود قوانين تواكب التطور الاجتماعي والإقتصادي والتكنولوجي، الفساد، وغياب سياسات إقتصادية. وكما يُمكن أن يلحظ القارئ، فإنّ كل هذه العوامل موجودة في لبنان. التداعيات الاقتصادية للاحتجاجات يخاف المُستثمر بالدرجة الأولى من عدم استتاب الأمن، الذي يُعدّ العدو الأول بالنسبة له. وبالتالي، لا يُمكن لأيّ مُستثمر في العالم أن يستثمر في بلد فيه فلتان أمني إلّا إذا كانت الربحية المُتوقعة عالية جداً (حال اللبنانيين الذين يستثمرون في أفريقيا). لكنّ هذه الربحية غير موجودة في لبنان، وبالتالي فإنّ غياب الأمن يُشكّل العائق الأول والأساسي لأيّ استثمار في لبنان. من هنا نرى أنّ الاحتجاجات التي تعصف بلبنان، وخصوصاً في وسط بيروت، لها تأثير سلبي على ثقة المُستثمرين والسيّاح، لِما لهذه الاحتجاجات من طابع عنيف ينتهي في كل مظاهرة بأعمال مُخلّة بالأمن. وكدليل على ذلك، يكفي ذِكر دعوة الحكومتين الكويتية والبحرينية رعاياها إلى عدم التوجّه إلى لبنان، كما ودعوة المقيمين الذين لا ضرورة لوجودهم في لبنان إلى المغادرة. أضِف إلى ذلك أنّ أعمال التخريب التي يقوم بها بعض المُخلّين بالأمن، تؤدي إلى خسارة مالية مباشرة على الدولة وعلى المواطن. فهذا الأخير، إضافة إلى تكسير محلّه، يخسر من قدرته على القيام بأعماله إن من ناحية عدم قدرته على التواجد في مكان عمله أو من ناحية إتلاف المعدات. وإذا كانت هذه الخسائر حتى الساعة ضئيلة نسبياً نظراً إلى محدودية المنطقة التي شَملها التخريب وإلى العدد الضئيل من التظاهرات حتى الساعة، إلّا أنّ استمرار الوضع على حاله سيؤدي حتماً – ممزوجاً بتظاهرات سياسية وطابور خامس – إلى الكثير من الخسائر التي قد تصِل إلى حدّ وَقف النمو عند عتبة الـ

Print Friendly, PDF & Email