Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

اللعبة الجيو-إقتصادية الجديدة في الشرق الأوسط

مما لا شك فيه أن قواعد اللعبة في المنطقة قد تغيَّرت، وذلك منذ التصريح الشهير لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس عن الشرق الأوسط الجديد. وإذا كان الشق الظاهر من هذه اللعبة سياسياً وعسكرياً بإمتياز، إلا أن الإستراتيجية الجيو-إقتصادية الجديدة أصبحت واقعاً غيّر معالم الإقتصاد الإقليمي.  في حديث لها مع صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية في نيسان (إبريل) 2005، قالت رايس أن الولايات المتحدة تنوي نشر الديموقراطية في العالم العربي والبدء بتشكيل ما يُعرف بـ”الشرق الأوسط الجديد”. ولكن لماذا شرق أوسط جديد؟ بالطبع الجواب عن هذا السؤال، سيتم معالجته من وجهة نظر جيو-إقتصادية. تكتسب أميركا لقبها كأول دولة في العالم بسبب قدرتها العسكرية الهائلة التي لا تعتمد فقط على السلاح النووي – الذي لا إستخدام له فعلياً – بل على التكنولوجيا والنانو تكنولوجيا التي يمتلكها جيشها. هذه القدرة العسكرية تستخدمها الولايات المتحدة في الدرجة الأولى للدفاع عن إقتصادها الذي يُشكّل ثلث الإقتصاد العالمي. وهذه الإستراتيجية، المتمثلة بالسلاح في خدمة الإقتصاد، شكّلت رافعة البلاد بحيث أن إقتصادها القوي يدعم الماكينة العسكرية، والعكس بالعكس. ولتعظيم مفعول هذا الثنائي الهائل، قامت واشنطن بتطوير الطرق المُستخدمة في ديبلوماسيتها التي أصبحت من أكثر الديبلوماسيات فعّالية في العالم. وأكبر دليل على ذلك الإتفاق النووي الأخير الذي أثبت النفس الطويل للإدارة الأميركية في تطبيق إستراتيجياتها. في كل مرة يتعرّض الإقتصاد الأميركي أو المصالح الاقتصادية الأميركية للتهديد، تستخدم أميركا الديبلوماسية للدفاع عن هذه المصالح. وفي غياب نتيجة للديبلوماسية، تستخدم الفوضى الخلاقة التي تُنتج مواقف مُعيّنة يُمكن إستخدامها في الديبلوماسية. والسياسة الأميركية بمجملها لا تهوى الحروب نظراً إلى كلفتها العالية وخصوصاً أنها تجري بمعظمها خارج الأراضي الأميركية ما يفرض عاملاً لوجستياً مُكلفاً جداً. بَقِي الشرق الأوسط خلال الخمسين عاماً الماضية، المورّد الأساسي للطاقة لإقتصاد أميركا. وهذا الأمر جعل هذه المنطقة تعيش تحت المظلّة الأميركية كل هذا الوقت. وما المعاهدة الشهيرة بين واشنطن والرياض التي تمّت على ظهر إحدى البواخر الأميركية في ستينات القرن الماضي، إلا الدليل على هذا الواقع الذي ذكرناه. لكن الثورة الإسلامية في إيران وطموحاتها في إحتلال زعامة العالم الإسلامي العربي، أدّى إلى إعادة تصويب إلإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط الجديد. هذه الإستراتيجية تمركزت حول شقين: حماية المصالح الإقتصادية عبر حماية الأنظمة العربية المتواجدة، وحماية أمن الدولة العبرية. وهذا لم يكن مُمكناً إلا بوسيلتين: الأولى تقضي بالقضاء على النظام الحاكم في إيران وهذا الخيار مُستحيل إذا لم تُستخدَم القوة العسكرية، والثانية إشراك إيران بالحلول السلمية وهذا ما تمّ إختياره عبر العقوبات الإقتصادية على إيران. في الفترة التي سبقت الإتفاق النووي الإيراني، كان الإقتصاد التركي يُعتبر الاقتصاد الأول إقليمياً وذلك كنتيجة للإصلاحات التي قامت بها الحكومة التركية في العام 2001، وإستقطاب بلاد أتاتورك لإستثمارات أجنبية هائلة. وأخذ النمو والإزدهار يعمّ في الدول الخليجية كنتيجة لإرتفاع أسعار النفط والتي جعلت من هذه الدول دولاً غنية ولها كلمتها على الخارطة الإستراتيجية. وفي الوقت عينه كان الإقتصاد الإيراني يعيش تحت عبء العقوبات الإقتصادية التي شلّت الإقتصاد الإيراني إلى درجة أصبح هذا الاقتصاد معدوماً من الإستثمارات. أما إسرائيل، فقد سجّلت خلال الأعوام الماضية تحوّلاً تاريخياً بإستخراجها للغاز الطبيعي من البحر وهذا ما عبّر عنه رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، بقوله أن إسرائيل تعيش لحظة إستقلال حراري. أما في ما يخص الدول العربية الأخرى، فقد كانت إقتصاداتها تعيش حالة تشرذم كنتيجة للأوضاع السياسية والأمنية التي عصفت بها. اليوم وبُعيد الإتفاق على النووي الإيراني، يظهر إلى العلن أن الإستراتيجية الجيو-إقتصادية للمنطقة تغيرت من نقطتي ثقل تمثلت بتركيا ودول الخليح، لتضمّ إسرائيل وإيران. وهذا التغيير، غيّر في قواعد اللعبة في الشرق الأوسط لدرجة أن بعض الدول الخليجية أصبح يخشى على مصير إقتصاداته مع تراجعها بفعل تراجع أسعار النفط والغاز في العالم.وبهذا، تغيّرت الحسابات الإستراتيجية بحيث أن الولايات المُتحدة الأميركية قلّلت من تعلق الإقتصادات الحديثة، وخصوصاً إقتصادها، بنفط الخليج، وإستطاعت إعفاء الاقتصاد الإسرائيلي من خطر الحروب على حدوده، وبالتالي يُمكن للدولة العبرية أن تُركّز أكثر على تطوير ماكينتها الإقتصادية. ويبقى السؤال عن إمكانية دمج هذه الإقتصادات – أي الاقتصاد العربي، اولفارسي، والإسرائيلي، والتركي – أفقياً في الاقتصاد العالمي. هذا الأمر مُعقد جداً ويتطلب تعاوناً إقتصادياً بين هذه الدول ليتم تكامل الماكينات الإقتصادية في ما بينها. فالخطر الحالي – في حال إفترضنا أن إمكانية التعاون موجودة بفعل قرار سياسي – يكمن في أن هذه الدول تمتلك النفط والغاز وبالتالي هناك نوع من المنافسة الإقتصادية التي قد تُسبب خسائر في ما بينها إذا لم يتمّ تنويع الإنتاج.سياسياً تبقى الأمور معلّقة بغياب معرفة تفاصيل الإتفاق النووي الإيراني (هنا نقصد الإتفاقات التي طالت الأزمات السورية، العراقية، اليمنية، واللبنانية) والذي من المُرجّح أن تظهر معالمه في الأشهر المقبلة خصوصاً مع التطورات التي تطال الأزمة اللبنانية (الحراك الشعبي)، السورية (التدخل العسكري الروسي) واليمنية (زيادة وتيرة عمليات التحالف الدولي الذي تقوده المملكة العربية السعودية). في جميع الأحوال، يجب التشديد على أن التعاون الاقتصادي البيّني بين دول الخليج العربي أصبح إلزامياً لكي تُشكّل هذه الدول قوّة إقتصادية فعّالة في وجه النهوض الاقتصادي الثلاثي الإسرائيلي، والإيراني، والتركي.

 www.asswak-alarab.com/archives/9797

Print Friendly, PDF & Email