Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

روسيا تُحارب بسلاح النفط؟

في حدث مفاجئ، عمدت روسيا إلى زيادة إنتاجها من النفط على رغم تدنّي الأسعار، ما يُعتبر انتحاراً مالياً. هذا الأمر يطرح السؤال حول الإستراتيجية التي تعتمدها روسيا وهي التي تخسر يومياً المليارات. فهل أصبحت موسكو تُحارب بسلاح النفط؟  من المعروف أنّ السعر العالمي للنفط تُحدّده دول الأوبك عبر التحكّم بالكمية المُنتجة للحفاظ على سعر نفط يُناسب دول الأوبك. ويُقدّر إنتاج هذه الدول بـ 4

وتُعدّ المملكة العربية السعودية العمود الفقري لدول الأوبك، وهذا الأمر يأتي من الإنتاج اليومي الهائل للمملكة إضافة إلى القدرة الإنتاجية غير المُستخدمة والتي تُقدّر بمليوني برميل يومياً.

هذا الوضع يسمح للمملكة بسدّ أي ثغرة في الإنتاج إن من قبل دول الأوبك أو من قبل الدول النفطية التي لا تنتمي إلى المُنظمة. أضف إلى ذلك كلفة استخراج النفط السعودي، والتي لا تزيد عن 10 دولارات أميركية للبرميل الواحد.

عقب الحوادث التي عصفت بأوكرانيا والاجتياج العسكري الروسي لشِبه جزيرة القرم، قامت الولايات المُتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية بوضع خطة للَجم الشهية العسكرية الروسية عبر المُحافظة على إنتاج عالٍ من النفط بما أدّى إلى تهاوي الأسعار، وبالتالي تآكل الإحتياطي الروسي من العملات الأجنبية بما يمنع روسيا من القيام بالحروب.

كما ساعد انخفاض أسعار النفط في دفع الاتفاق على النووي الإيراني إلى الأمام، لكنّ الهدف الأساسي للمملكة العربية السعودية في ذلك الوقت كان يدور حول لجم النفوذ الإيراني في المنطقة عبر خفض مردود إيران من نفطها. وما ساعدها في ذلك حجم القطاع النفطي في الاقتصاد الإيراني.

بدأت تداعيات انخفاض أسعار النفط بالظهور بشكل واضح في أوائل العام الحالي، حيث أنّ الإحتياطي من العملات الأجنبية لروسيا والمملكة العربية السعودية أخذ بالانخفاض بشكل حاد (أكثر من 100 مليار دولار أميركي في عام واحد).

والمعروف أنّ احتياطي العملات الأجنبية للدولة هو الذي يُحدّد قدرتها على شن الحروب. لكنّ روسيا التي انخفض احتياطها من 510 مليار دولار إلى 368 مليار دولار في أقل من عام ونصف، كانت لها استراتيجية أخرى وهذه الاستراتيجية دفعتها إلى التدخل العسكري في سوريا: تثبيت حق روسيا في النفط السوري (6

فالبيانات تُظهر أنّ روسيا ومنذ آب العام 2014، زادت إنتاجها بشكل مُستمرّ لترفعه بشكل ملحوظ في أيلول وتشرين الأول من العام الحالي. هذا الأمر يُشكّل للوهلة الأولى انتحاراً مالياً من قبل روسيا وهي التي تخسر إحتياطها بشكل كبير. فما هي إذاً الإستراتيجية الروسية التي دفعتها إلى رفع إنتاجها؟   هناك في المبدأ هدفان أساسيان للروس يدفعهم إلى رفع الإنتاج:

الأوّل يدور حول الإستفادة القصوى من انخفاض الإنتاج العالمي وذلك بتعويض هذا الانخفاض بإنتاج روسي خصوصاً مع الانخفاض في الإنتاج الأميركي والذي انخفض بحوالى

هذا الواقع منع الشركات الروسية من دخول حلقة الركود خصوصاً أنّ العقوبات المفروضة على روسيا ليست دولية بل هي آتية بالدرجة الأولى من الولايات المُتحدة الأميركية ومن الدول الأوروبية.

لكنّ الصين والهند وغيرها من البلدان التي تستهلك النفط لا تفرض حصاراً على روسيا، وبالتالي فإنّ هذه البلدان أمّنت تبادلاً تجارياً مقبولاً لروسيا في ظل الظروف الحالية لا بل على العكس زادت هذا التبادل مُستفيدة بذلك من انخفاض الكلفة بحكم ضعف الروبل.

الثاني هو جيوسياسي، فالمملكة العربية السعودية خسرت الكثير من احتياطها، وبحسب التقديرات من المتوقع أن يزيد عجز الموازنة في المملكة هذا العام عن المئة مليار دولار أميركي. كما أنّ احتياطها انخفض من 728,6 مليار دولار أميركي في كانون الثاني 2015 إلى 660 مليار دولار أميركي في آب 2015 أي بانخفاض 70 مليار دولار أميركي في ثمانية أشهر.

أضف إلى ذلك التوقعات بتآكل الاحتياطي السعودي في فترة أربع إلى خمس سنوات وذلك بسبب قلّة الدخل وزيادة الإنفاق على التسلّح العسكري الذي بلغ 1

هذا الأمر دفع روسيا، بحسب التحليلات، إلى المراهنة على عدم قدرة الاقتصاد السعودي على تحمّل أسعار نفط مُنخفضة بسبب تعلّق هذا الإقتصاد بالنفط. وبالتالي، يراهن الروس انهم قد ينجحون في لجم قدرة المملكة على التسلّح ودعم المعارضة السورية وإعادة التوازن في النفوذ بين دول المنطقة.

يبقى السؤال عن قدرة روسيا والمملكة العربية السعودية على تحمّل حرب الأسعار هذه. الأخبار الواردة من منظمة الأوبك، تُشير إلى استعداد المُنظمة للنظر في حجم إنتاجها إذا ما عمدت بعض البلدان العالية الإنتاج إلى مراجعة حجم إنتاجها، وبالتحديد روسيا.

وصرّحت المملكة العربية السعودية أنها ستعمد إلى خفض صادراتها النفطية إلى آسيا والولايات المُتحدة الأميركية إبتداءً من شهر تشرين الثاني وذلك بهدف المُحافظة على التنافسية مع البلدان المُنتجة للنفط. هذا يعني اننا قد نشهد في الأشهر المُقبلة ارتفاعاً مُحتملاً في أسعار النفط (الأمر رهينة القدرة الإنتاجية للروس).

في هذا الوقت، تستمرّ معاناة الشركات النفطية العالمية، فشركة BP وشركة Shell بدأتا في صرف عمّالهما بشكل كبير حيث من المُتوقع أن يفوق عدد المصروفين العشرة آلاف في نهاية هذا العام.

يبقى أنّ استخدام الاقتصاد في المصالح السياسية والعسكرية والعكس بالعكس، هو عمل روتيني للدول أصبحت تُتقنه وتُبدع فيه كلعبة الشطرنج. فمتى ينتهي الشوط الذي نشهده اليوم؟

 رابط الجمهورية

Print Friendly, PDF & Email