Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

“المذهبية العقارية” تحكم أيضا!

60 الف دولار سعر المتر الواحد لاحدى الشقق في وسط العاصمة بيروت!… 80 الف دولار سعر شقة في منطقة النبعة بمساحة 120 مترا مربعا. بمعادلة بسيطة اذا اراد مواطن شراء مساحة مترين من الشقة فقط في وسط بيروت، براتب مليون ليرة، فهو اذا ما اعتبرنا انه سيدفع راتبه كاملاً، سيكون بحاجة بالتالي الى 180 شهراً لسداد قيمة المترين من الشقة، اي ما يقارب 15 سنة، فما بالك اذا اراد شراء الشقة بكامل مساحتها.   قد تكون هذه المعادلة الظالمة خير دليل على الواقع الحالي للتفاوت في اسعار الشقق والركود المستمر، وحاجة متزايدة نظراً لارتفاع عدد السكان وارتفاع نسبة النازحين في مقابل تقلص الطلب لأسباب عديدة اهمها الازمات الاقتصادية والسياسية والضغوطات المعيشية.

لا يزال القطاع العقاري في لبنان يرزح تحت عبء التباطؤ الاقتصادي والشلل السياسي وما له من تداعيات على الواقع الاقتصادي والأمني. فمنذ 5 سنوات والقطاع العقاري يعيش حالة ركود مع تراجع ملحوظ في أرقامه هذا العام، فقد تراجع تسليم الإسمنت بنسبة 16.

وإذا كان المُلفت من الأرقام الصادرة زيادة عدد عمليات الشراء من قبل الأجانب (+37.

مذهبية عقارية!

ويبقى السؤال عن أسباب عدم تراجع الأسعار على الرغم من هذا الواقع الكارثي على القطاع العقاري؟ حسب الخبير الاقتصادي والإستراتيجي البروفسور جاسم عجاقة، إن عدم إنخفاض الأسعار عائد بالدرجة الأولى إلى إقتناع المواطن اللبناني بأن الأسعار هي إلى صعود خصوصاً أن الأراضي الصالحة للبيع تقلّ مع الوقت وعدد السكان يزداد. ويُضيف عجاقة أن لبنان لديه مشكلة المذهبية العقارية التي تحد من الطلب بين المناطق ما يعني أنه في بعض المناطق المطلوبة كجبل لبنان، يبقى الطلب مرتفعاً نسبة إلى العرض في حين أنه في بعض المناطق، يكاد يكون الطلب معدوماً.

وحسب عجاقة، تبقى ردة فعل العرض على الطلب في بعض المناطق أكثر دينامية كمنطقة الشمال. لكن في المُجمل إنخفضت المساحة المرخصة على الأراضي اللبنانية بنسبة 29.

وعن التمويل يقول عجاقة: إن المصارف التجارية اللبنانية فرضت تشدداً في شروط إعطاء القروض السكنية وذلك كنتيجة لتردّي الأوضاع الاقتصادية وبالتالي لا تريد هذه المصارف التعرض أكثر للقطاع الخاص الذي يُهدّد صلابتها المالية مع أكثر من 48 مليار دولار أميركي دينا لهذا القطاع. ويُضيف عجاقة أن مع التوقعات السيئة للعام 2016 وإزدياد المخاطر الأمنية إقليمياً نتيجة التدخل العسكري الروسي في سورية، من المُتوقع أن تعمد هذه المصارف إلى التشدّد أكثر خصوصاً مع التهديدات بتخفيض التصنيف الائتماني للبنان ما يعني رفع الفائدة.

أما فيما يخص أسعار الإيجارات فيقول عجاقة إن النزوح السوري الإضافي المُتوقع كنتيجة للتدّخل العسكري الروسي في سورية سيزيد من أسعار الإيجارات.

مهما كانت الأوضاع في العام 2016، من المتوقع أن يواجه القطاع العقاري أزمة حادة قد توصله إلى الإنهيار. وهذا الأمر يستبعده عجاقة بسبب عدم ثقة اللبناني بالليرة اللبنانية وتفضيله الحجر على الليرة.

اختلاف في الأسعار لا يختلف اثنان على أن الأرض في لبنان مغرية جداً، وهي بمثابة الثروة التي تدر ذهبا على أصحابها. ولأن أسعار الأراضي إلى ارتفاع رغم الانكماش والاوضاع الاقتصادية والامنية خصوصاً ان اللبناني يفضل الحجر دائماً ويتماشى مع فكرة “الأرض تنبض خيرات ولم نسمع أن احداً اشترى قطعة أرض وخسر فيها”، ما يعني ببساطة ان لا تراجع في اسعار الشقق ليبقى صاحب الملك يفضل الابقاء على شقته ويقوم بتأجيرها على بيعها بسعر منخفض لاقتناعه بأنه لن يخسر.

سعر المتر الواحد والذي يبدأ بـ3500 دولار في العاصمة ما يجبر الشباب على البحث عن شقق خارجها تكون مقبولة نوعاً ما في ظل ارتفاع هامش الربح عند التاجر او المتعهد والذي يبحث عن زيادة نسبة الأرباح دون الإعتراف بتقلبات أسعار المواد الاولية ومنها مواد البناء، حيث يجمع اصحاب المشاريع على عدم التخفيض والبقاء على السعر القديم في ظل غياب اي رقابة من الدولة على تلك الاسعار وترك السوق “لعبة” بيد التجار وأصحاب المشاريع. فالتاجر يبحث عن تحقيق مكاسب شخصية بمعزل عن مصلحة المواطن والاقتصاد، ومن جهة اخرى يتغيب المواطن عن المحاسبة والمساءلة ولا يحرك ساكنا تجاه هذا الواقع المرير.

وحسب بعض الشركات العقارية فإن الطلب شبه متوقف نتيجة الأسعار المرتفعة للشقق والأراضي على حد سواء بخاصة الأسعار في بيروت الكبرى، حيث تخطى سعر متر الشقة الـ5000 دولار أميركي وسعر متر الأرض الـ30 ألف دولار أميركي، ما يعني ان الطلب متركز على خارج العاصمة بخاصة لذوي الدخل المحدود، فأي انخفاض للمواد البناء او اسعار النفط او اي انخفاض آخر لن يؤثر على اسعار الشقق فأصحاب تلك المشاريع لا يعترفون بالحركة الاقتصادية وتقلباتها ويفضلون بقاء الشقة خالية على بيعها بسعر اقل في ظل غياب اي رقابة او اي احتجاج من قبل المواطنين او حتى مساءلة، وفي حال وجد اي مشروع منخفض السعر نوعاً ما فهذا حسب الخبراء ان صاحب المشروع يمرّ بضائقة مالية ويريد تسوية اوضاعه الاقتصادية فيفضل الربح القليل والانتهاء من المشروع بأسرع وقت ممكن لتسديد ديون ما. ومن العوامل التي تؤثر على عملية البيع العقاري حسب بعض اصحاب المشاريع الصغيرة نذكر العامل المذهبي ، فالمناطق موزعة حسب المذاهب. فالاحتكار المناطقي لا يساعد على عمليات البيع لأن بعض المناطق المقسمة مذهبياً تمنع بيع اي شقة لغير ابناء طائفتها، ففي منطقة الشياح-عين الرمانة، بائع النرجيلة يمتنع من دخول الشياح والتي تبعد عن محله 20 متراً فقط، فكيف اذاً بشراء شقة في اي من المنطقتين حيث اجمع الناس ان الطلب في الوقت الحالي يقتصر على ايجار الشقق بخاصة للنازحين منهم خصوصاً مع استمرار الأزمة السورية والتدخلات العسكرية.

اذاً في الخلاصة لا انخفاض في اسعار الشقق في ظل تشدد المصارف والتمسك الشديد من قبل اصحاب العقارات والرفض في تخفيض الاسعار مع غياب اي رقابة من قبل الدولة مع الارتفاع الملحوظ في شراء الاجانب للعقارات ما ينذر بأزمة اذا ما استمر الوضع على ما هو عليه في الفترة القادمة، بالاضافة الى ندرة الاراضي والارتفاع المستمر لعدد سكان العاصمة ما يمنع اي انخفاض محتمل حتى ولو لشقة واحدة. رابط البلد

Print Friendly, PDF & Email