Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

أزمة النفايات لخواتيمها التعيسة…. وفاتورة الترحيل من جيب المواطن

إفرح ايها اللبناني فقد وصلت أزمة النفايات الى خواتيمها التي على ما يبدو أبعد ما تكون عن السعيدة، صفّق، كعادتك، لمن سيخلّصك من النفايات التي خاوت يومياتك على مدى خمسة أشهر، اضحك من شدة البلاء… فـ”شرّ البلية ما يضحك”، ولطالما تُرجمت تفاؤلات السياسيين اللبنانيين الى واحدةً من اثنتين، إما فشلاً يتقاذفه المعنيون وإما كارثة تأتي على رأس المواطن اللبناني من حيث لا يعلم.  فبعدما أصبح خيار ترحيل النفايات امراً واقعاً “سيتم الاتفاق عليه بالإجماع” في جلسة مجلس الوزراء الاثنين المقبل، بُعيد أن ذلل الرئيس تمام سلام آخر عقباتها مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في اجتماع مفاجئ يوم أمس، وضعت ازمة النفايات على سكة الترحيل التي تقدّر كلفتها اليومية بـ”مليون ونصف المليون دولار”. أما المفاجئ أن من دفع وما زال يدفع فاتورة اوساخها، انبعاثاتها السامة، وامراضها… هو ايضا سيدفع كلفة ترحيلها من جيبه. ومَن غيره ذلك المواطن الذي يحصد اليوم في مستوعبات النفايات ما زرعه في صناديق الاقتراع، اذ سيضاف 3000 ليرة لبنانية الى سعر صفيحة البنزين في لبنان كضريبة اضافية لسد عجز يصل الى 4 مليار دولار آخر العام الحالي بغض النظر عن النصف مليار دولار كلفة تصدير النفايات.

يبدو ان للمرة الاولى سيصدق حدس وزير الزراعة أكرم شهيب، في ما يخص التفاؤل بإيجاد حل لأزمة النفايات التي خلّفت حتى اليوم ما يقارب الـ500 الف طن من النفايات في شوارع بيروت وجبل لبنان، واننا “مع مطلع هذا الأسبوع سنكون عند أولى خطوات الترحيل”. كما ويبدو أن شعور الرئيس سلام الايجابي سيتحول الى حقيقة يوم الاثنين المقبل في الجلسة التي “ستكون مخصصة لأزمة النفايات” نعم ولمَ لا، فقد وجدت الدولة اللبنانية، باقتراح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، حلاً لزيادة ايراداتها، عبر سرقة 3000 ليرة إضافية من جيب المواطن اللبناني، وبالتالي… تمويلاً مناسباً لترحيل النفايات.

الحل “قد نضج” تؤكد مصادر وزارة الزراعة لـ”البلد” بأن الترحيل لم يكن ليطرح لو ما طاولة الحوار تكلمت عنه في جلستين على الاقل ودفعت باتجاهه كحل مؤقت لـ18 شهرا، لأن الخطة بشقها التمهيدي الاول تعطلت، و”سلام لم يكن ليدعو لجلسة مجلس الوزراء لو ما ان الحل قد نضج”. وتشير إلى أن الاجواء ايجابية وتفاؤل الوزير شهيب والرئيس سلام بمحله، وأن “الاموال قد تأمّنت لادارة الملف لـ18 شهرا”. أما ما يحكى عن اتفاقية “بازل” فتؤكد المصادر نفسها ان “اتفاقية بازل هي التي أخرت عملية بت الموضوع مع الشركات التي ستقوم بترحيل النفايات” وهي اتفاقية لا تمنع لبنان من ترحيل نفاياته بل هي معنية بنقل النفايات الخطرة ومعالجتها، وكان “هناك تأكيد من الوزير شهيّب ومن لجنته الجديدة (التقنية) التي درست الملفات مع التقيد التام ببنود اتفاقية بازل التي ترعى شروط نقل النفايات الخطرة التي تحتاج الى معالجة وتوضيب خاص، وبالتالي دفاتر الشروط لاحظت كل التزامات لبنان بهذه الاتفاقية التي اخرت قليلا انضاج الطبخة، وما يُشاع عن ان الاتفاقية تمنع لبنان من ترحيل نفاياته وبالتالي سيلجأ للتهريب كما في أيام الحرب الاهلية “هي مواويل إعلام لبنانية لا اكثر”.

“بالون مدفوع حقه” بينما يرى بعض البيئيين ان “خبرية” الترحيل هي مثل خدعة لتظهير وبلورة حل ثان غير حل الترحيل، فيتم وضع كل الاطراف امام واقع ان هناك قيمة مالية كبيرة سيتم دفعها على الطن الواحد للنفايات مقابل مبلغ بسيط ممكن أن يكون عبر اعادة فتح مطمر الناعمة او ايجاد مطامر محلية وهي”نوع من الاستدراج السلبي للذهاب الى حل ثان على مبدأ السيئ والاسوأ ، اذ يتم عرض الخيار الأسوأ لاقناع الطرف الآخر بالخيار السيئ الذي هو اقل ضررا او اقل كلفة” كما يشير المحامي عماد القاضي عضو الحركة البيئية اللبنانية والناشط بحملة اقفال مطمر الناعمة، الذي رأى بمسرحية الترحيل “بالون مدفوع حقه” للوصول الى مكان ما.

ضريبة “أمر واقع” وعن ضريبة الـ3000 ليرة لبنانية المتوقع اضافتها على صفيحة البنزين يؤكد الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة لـ”البلد” بأن فرض ضريبة اضافية على صفيحة البنزين امر متوقع وسبق ان قامت الدولة اللبنانية بمثل هذه الخطوة لتزيد اموال خزينتها. فـ”اليوم اذا قامت الدولة برفع ضريبتها 3000 ليرة على ضريبتها الاساسية التي هي 9000 ليرة، يصبح ربح الدولة من كل صفيحة بنزين 12000 ليرة”. ويتمنى عجاقة ألا تبدأ الدولة بفرض الضريبة قبل انتهاء موسم الأعياد الذي من شأنه ان ينعش الاقتصاد قليلا. ويرى بأن اقتراح رفع الضريبة له تداعيات ايجابية مالياً على خزينة الدولة، ولكنه له نتائج سلبية كارثية على الاقتصاد اللبناني الذي هو بأمس الحاجة لانعاش الاستهلاك، فهذه الضريبة ستقلل من القدرة الشرائية للمواطن “فعوضا من ان يدفع المواطن 18 ألف ليرة سعر صفيحة البنزين سيدفع 21 الفا مثلاً، وبالتالي الــ3000 التي كان سيصرفها، سيضطر لدفعها كضريبة وهذا من شأنه أن يضرب الدورة الاقتصادية”.

أرقام مخيفة ويسرد عجاقة بعض الأرقام التي من شأنها أن تفسّر واقع لبنان الاقتصادي الهشّ بالأرقام: فـفي الفترة الممتدة من كانون الثاني الى ايلول الـ2014 حصّلت الدولة 7910 مليون دولار، أما في الفترة نفسها من العام الحالي فحصّلت الدولة 7229 مليون دولار، وتقول المقارنة في الفترة الزمنية نفسها ما بين العامين بان إيرادات الدولة قلّت بنسبة 8,6 بالمئة عن السنة الماضية. أما العجز في الموازنة المالية العامة على الفترة الزمنية نفسها من الـ2014 كان 2608 مليون دولار، وزاد العجز في العام 2015 بنسبة 17,4 بالمئة في الفترة الزمنية نفسها، بمعنى أن لدينا عجزا لغاية أيلول الـ2015 بحدود الـ2,6 مليار دولار ويتوقع أن يصبح العجز آخر السنة 4 مليار دولار فيما عدا النصف مليار دولار كلفة الترحيل.

صفقة “لن تمر” واستنفر المجتمع المدني بدوره على ما تم تسريبه حول فرض ضريبة اضافية على المواطن الذي عانى ما عاناه من ازمة النفايات على مدى سنوات طويلة وها هي “جمهورية العار”، كما يفضل الحراك المدني تسميتها، تحتّم عليه ان يدفع من جيبه أثماناً خيالية مقابل حل مؤقت، يُفرض بعد خمسة اشهر بكلفة 240 دولارا على طن النفايات الواحد اي ما يقدر بـ”مليون ونصف المليون دولار يوميا” في الوقت الذي كانت قد تقدمت شركات لمعالجة النفايات وفرزها خلال هذه الفترة بكلفة 50 و60 دولارا للطن الواحد. وهذا ما ترى فيه الناشطة في حملة بدنا نحاسب نعمت بدر الدين “صفقة عرّابها شهيب” عرّت الطبقة السياسية. واوضحت أن ازمة النفايات “ازمة مفتعلة”. وترى بدر الدين بأن الترحيل بهذه الكلفة الخيالية مترافقاً مع سرقة 3000 ليرة من جيب المواطن هي ضرب للاقتصاد اللبناني، اولا من خلال الكلفة العالية، وثانيا من خلال حرمان الاقتصاد اللبناني من المواد الاولية التي كانت تأتي من اعادة التدوير، وثالثاً عبر إضعاف القدرة الشرائية للفرد التي هي بالأساس تعيش موتاً سريرياً منذ سنوات”. وتؤكد بدر الدين باسمها وباسم حملة “بدنا نحاسب” بأن هذه الصفقة لن تمرّ من دون محاسبة و”سنشارك اليوم بالتظاهرة التي دعت لها حملة “طلعت ريحتكم” ومجرد أن تنعقد جلسة الوزراء سنكون لها بالمرصاد”. رابط البلد   

Print Friendly, PDF & Email