Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

لبنان المكتوي بالطائفية يتذوق نكهة عيد الميلاد والمولد

 

بيروت – يستعد اللبنانيون للاحتفال بعيد الميلاد المجيد وعيد المولد النبوي الشريف بإضاءة شجر الميلاد وزينة المولد في جميع المناطق في ظل التوترات الأمنية والاوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة.

 

 

وبعد مرور 557 عاما، على آخر تزامن لذكرى المولد النبوي وعيد ميلاد المسيح، يجري الاحتفال هذه السنة بالمناسبتين عند المسلمين والمسيحيين في نفس اليوم.

وكانت آخر مرة احتفل فيها المسلمون والمسيحيون سويا بعيد ميلاد الرسول والمسيح عيسى بن مريم سنة 1558 حيث توفرت مصادفة مماثلة، إذ كان ذلك في 12 ربيع الأول في سنة 966 هجرية، وهو التاريخ الذي صادف المولد النبوي مع 25 ديسمبر/كانون الاول.

وما أن يحل ديسمبر/كانون الأول من كل عام في لبنان الكتوي بنار الطائفية، حتى تكتسي الساحات العامة والشوارع في كل البلاد بمجسمات لشجرات الميلاد والزينة والأضواء، احتفالاً بميلاد المسيح في الخامس والعشرين من الشهر نفسه، والذي بات عيداً يحتفل به معظم اللبنانيين من مختلف الطوائف.

وترتدي معظم المدن والقرى اللبنانية حلة العيد، وتبدأ البلديات بالإعداد لتزيين الشوارع، كلّ منها بحسب امكاناتها المادية وموقعها الجغرافي والاقتصادي.

وتزين البلدات الصغيرة عواميدها بأجراس أو أشكال مختلفة مضيئة تخبّئها من سنة إلى أخرى، وتلف أشجارها بالشرائط الملونة وزينة الميلاد.

وتتنافس المدن الكبرى والأسواق التجارية لتقديم أجمل ما عندها، لتصبح حديث الشهر بجمال زينتها.

وتتسابق المراكز التجارية الكبيرة في لبنان لاحداث زينة عيدي الميلاد ورأس السنة.

وتصرف أموال طائلة كل عام لمصلحة شركات الهندسة الداخلية لتزيين المولات تتعدى النصف مليون دولار، إضافة إلى العروض المسرحية ونشاطات الأطفال، التي تعمل الإدارة على تفعيلها بالأخص في الفترة التي تتوافق مع العطلة المدرسية، لأن الوجهة المفضلة للعائلة اللبنانية للترفيه باتت المجمعات التجارية الكبيرة.

وكما تبدو اجواء العيد غائبة الى حد ما هذه السنة، فحركة الشراء في الاسواق باهتة، ما يعكس تشاؤما لدى اصحاب المحال الذين يعوّلون على الموسم لتأمين الربح.

وبالرغم من زحمة السير التي تشهدها الشوارع والحركة التي تعيشها فهي لا تنم بالضرورة عن بركة الموسم الذي يعوّل التجار عليه.

ورغم استعداد التجار لفتح محالهم ومؤسساتهم أمام المواطنين حتى منتصف الليل، من الآن وحتى حلول عيد رأس السنة الجديدة، وتخفيضهم الأسعار وإجراء الحسوم المقبولة، التي تتماشى مع أحوال المواطنين الاقتصادية والمعيشية الضيقة، فإنهم يتوقعون بقاء الحركة التجارية على رتابتها وجمودها، كما كانت عليه سابقاً.

وتأتي الأوضاع السياسية والأمنية الملبّدة التي تعاني منها المناطق اللبنانية على اختلافها، فضلاً عن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الضيقة التي يعاني منها معظم المواطنين، في طليعة الأسباب المؤدية الى تراجع الحركة التجارية كما يقول اصحاب محلات البسة.

ولم تحرك الأعياد المجيدة، اسواق المناطق بعد، والتي ترقد منذ فترة طويلة، في سبات عميق، بالرغم من عروض المحال التجارية، التي اعلنت عن تنزيلات ما بين 20 و40 في المئة، في محاولة للنهوض، اقله في عيدي الميلاد وراس السنة، كما يشير رواد اصاحب محلات البسة نسائية.

وقد رفعوا لافتات تشير الى تخفيضات وتنزيلات، منها مع كل قطعة قطعة اخرى مجاناً ومقابل شراء بقيمة 100 الف ليرة، هدية بـ 25 الفا وكل قطعة بدولار ولم تنفع كل هذه الاغراءات، كما يقول اصاحب محلات الالبسة لان الزبون عاجز ومفلس، همه تامين لقمة عيش عائلته.

وبات المواطنون يحرصون على عدم التفريط بأموالهم بطريقة فوضوية وعشوائية، ويفضلون الاحتفاظ بها للأيام الصعبة، مقدرين أن مشتريات الأعياد لن تفيدهم بأي شيء، جراء الأوضاع السيئة التي يعاني منها البلد وأبناؤه على مختلف الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية، حتى لو أتى ذلك على حساب فرحهم وسعادتهم ورفاهيتهم.

ويرى التجار أنه بالرغم من عروض التجار التي تكاد تصل في كثير من الأحيان إلى أدنى من الرأسمال، نزولاً عند أوضاع المواطنين، وفي محاولة لتشجيع المشترين، وتحريك العجلة الاقتصادية، فإن كل ذلك لم يؤدي إلى النتيجة المطلوبة، وإعادة الحركة إلى ما كانت عليه في السابق.

ولفت صاحب محل إلى أن حركة الأسواق خفيفة جدا وأن الأسواق مليئة بالرواد ولكن قدرتهم الشرائية منخفضة جدا وهم يتجولون في الأسواق ولا يشترون، مشددا على أنه يعول على الأيام المقبلة لأن غالبية الموظفين يقبضون معاشاتهم قبل الأعياد بيوم أو يومين، لكي تتحرك الأسواق.

وافاد الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة قائلاً انه “يجب تقسيم الحركة في الأسواق الى شقين: الأول يتعلق بشراء الأساسيات والثاني بالكماليات، وفيما يتعلق بالشق الأول الذي يتناول الطعام والشراب واللباس لن تتغيّر الحركة وستبقى كما هي وقد تزيد قليلاً، أما الشق الثاني المتعلق بالسهر وشراء حاجيات العيد من هدايا وغيرها فعلينا أن نميّز بين فئتين من الناس، المنتمون الى الطبقة الوسطى التي سوف تستهلك لا بل سيزيد استهلاكها الذي كان ضعيفاً لنحو سبعة اشهر والامر يتوقف على الاموال التي جمعتها، أما الطبقة الفقيرة فستقتصر العملية لديها على كماليات سعرها ضئيل، والمشكلة الاساسية هنا أن الطبقة الفقيرة تتخطى نسبة 40 في المئة من الشعب اللبناني”.

ولفت الى انه “في العادة كان يشارك السوريون في شراء الأساسيات، من طعام وشراب، واليوم نشهد انخفاضاً في اعدادهم حيث ترجح التقديرات ان تتراوح اعداد من غادروا لبنان الى اوروبا بين 300 و 400 الف، لذلك من المحتمل أن تسجل حركة السوق انخفاضاً مقارنة مع العام الماضي نتيجة انخفاض شراء الأساسيات التي كانوا يستهلكونها”.

ويرى عجاقة ان الأمور “تتوقف على الأسعار التي سيضعها التجار، فاذا اعتمدوا أسعاراً مخفضة سيشكل الامر حافزاً للاستهلاك في هذه الفترة، أما اذا اعتمدوا العكس فإن ذلك سيبقي الاستهلاك طبيعياً فهم من يستطيعون أن يعطوا زخماً لحركة البيع أو لا”.

ودعا أصحاب المحلات إلى التكاتف لتوحيد الأسعار وتقريبها لأن السلع المرتفعة الاسعار تؤثر على السوق ككل وتدفع المواطن إلى عدم الشراء، كما دعا الشركات الكبيرة التي تحتكر الأسعار والسلع إلى تخفيض الأسعار بطريقة تساعد اللبناني على التسوق وتحريك عجلة الأسواق في ظل غياب السياح الأجانب والعرب.

وكشف نقيب أصحاب مكاتب السفر والسياحة جان عبود في حديث صحفي أن “القطاع السياحي، خصوصا قطاع مكاتب السفر والسياحة لم يمرّ يوماً بالظروف السيئة التي يمرّ بها حالياً”، مشيراً الى أن “نسبة التراجع في فترة الاعياد التي تبدأ في 15 تشرين الثاني/نوفمبر، هي الأسوأ منذ 4 سنوات، بعد الاحداث التي أصابت باريس، والتي أدّت الى إلغاء 33 في المئة من الحجوزات، المتعلّقة إن بالأفراد، المجموعات، او رجال الاعمال”.

وأكد عبود ان “وكالات السياحة والسفر لم تشعر بتداعيات الاحداث الدائرة في المنطقة منذ 4 سنوات، إلا هذا الشهر حيث الجمود سيّد الموقف”، لافتاً الى انه “لم تتم اضافة رحلات هذا العام خلال فترة الأعياد، على غرار ما كان يحصل في الاعوام السابقة، وقد بقي عدد الرحلات الى لبنان نفسه عند 85 طائرة يوميّاً، في حين ان قدرة الاستيعاب لم تبلغ حدودها القصوى، وهناك مقاعد شاغرة على متن الرحلات”.

واعتبر ان “تراجع الطلب على السفر، جاء حتّى من قبل اللبنانيين المغتربين الذين أحجموا هذا العيد عن زيارة لبنان”، مؤكداً ان “السياحة الواردة ما زالت معدومة، من ناحية السياح الخليجيين، وتقتصر فقط على السياح الاردنيين، العراقيين، والمصريين”.

وبالرغم من الظروف التي تبدو محبطة للبعض، يقف اللبنانيون حائرين بين الاوضاع الأمنية والاقتصادية والفراغ الرئاسي الا انهم يتحدون الاوضاع في تاكيد العيش المشترك عبر أضاءة شجر الميلاد وزينة المولد النبوي في جميع المناطق.

وقال امام مسجد الصديق الشيخ احمد البستاني: “كون عيد المولد والميلاد يتزامنان في التوقيت. عقيدتنا ان نعيش معا في هذا البلد وعلينا أن نحافظ عليه وعلى الإنصهار الوطني. نتمنى لكم للمسلمين وللمسيحيين عيدا سعيدا وأوقاتا هنيئة”.

وبدوره قال المطران للروم الكاثوليك ادوار ضاهر: “الدولة هي حامية كل ابناء الوطن بفضل الجيش والقوى الامنية، والدولة ضمانتنا جميعا”. معتبرا في الوقت نفسه ان لهذه السنة “نكهة خاصة أن نحتفل مع إخواننا المسلمين بعيد المولد النبوي الشريف وهذا دلالة لنا لنستطيع معرفة أننا نعبد الله الواحد”، متمنيا “للجميع ميلادا مجيدا وعاما سعيدا مليئا بالفرح والخير والسلام والمحبة وكل عام وأنتم بخير”.

ويأمل اللبنانيون من جميع الطوائف أن تمر الاعياد بخير وسلام في لبنان والمنطقة، وان تعكس هذه الزينة البرّاقة جوهر ونقاوة القلوب.

Print Friendly, PDF & Email