Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

الخارطة النفطية الجديدة في العالم

أقرّ مجلس النواب الأميركي مشروع الموازنة الفديرالية للعام 2016 حيث أن الحدث المُلفت هو  السماح بتصدير النفط (crude oil) وذلك بعد منع تصديره لمدة 40 عاماً. هذا الأمر تزامن مع إرتفاع عدد منصات الحفر النفطية في أميركا طارحاً بذلك مُشكلة العرض في سوق النفط وبالتالي هيكلية هذا السوق.

 

كشفت الولايات المُتحدة الأميركية عن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الديموقراطيين والجمهوريين حول موازنة العام 2016 والتي بينت إنفاق بقيمة 1149 مليار دولار أميركي على السنة المالية التي تنتهي في 30 أيلول 2016. واللافت في هذه الموازنة إلغاء القانون الذي يمنع تصدير النفط الأميركي إلى الخارج. هذا الأمر سيُغير بالطبع هيكلية السوق العالمي للنفط إذا ما بدأت الولايات المُتحدة بالتصدير. فالماكينة الإنتاجية البترولية في الولايات المُتحدة الأميركية لها ميزات كثيرة لا تتواجد في البلدان الأخرى في نفس الوقت: أولاً الإستثمارات والتي بحكم النظام الرأسمالي السوقي تغمر القطاع النفطي؛ ثانياً التكنولوجيا التي تأتي في المرتبة الأولى عالمياً والتي تدهف منذ عقود إلى تخفيف كلفة إستخراج النفط الأحفوري والصخري. كما أن هذه التكنولوجيا المُتطورة تسمح للشركات بالتنقيب عن النفط في أماكن كان من المُستحيل الوصول إليها في الماضي؛ ثالثاً المخزون العالي من النفط خصوصاً الصخري منه والذي سمح للولايات المُتحدة الأميركية بالتصدير؛ رابعاً السوق الداخلي الضخم والذي لوحده كفيل بإستيعاب الإنتاج الأميركي.

وقد يتسأل المرء لماذا تصدير النفط ما دامت الولايات المُتحدة الأميركية تستورد النفط؟ والجواب يكمن في إستراتيجية الولايات المُتحدة الأميركية بالتدخل في سوق البترول من ناحية العرض والطلب ما يسمح لها بالسيطرة، ولو جزئياً، على هذا السوق.

وكنتيجة لقرار الولايات المُتحدة الأميركية بالسماح لشركات النفط بالتصدير، قامت العديد من الشركات الأميركية بزيادة عدد منصات الحفر النفطية بـ 17 منصة نفطية جديدة وذلك في فترة 35 يوماً متاجهلة بذلك تهاوي أسعار النفط العالمية إلى ما دون الـ 40 دولار أميركي.

والجدير بالذكر أن كلفة إستخراج برميل النفط تختلف بحسب البلدان. ففي الولايات المُتحدة الأميركية، تبلغ هذه الكلفة 38 د.أ، في حين أنها تبلغ 10 د.أ في المملكة العربية السعودية، 18 في روسيا، 12 في الإمارات، 13 في إيران، 11 في العراق، و8 في الكويت.

وهذا الأمر يطرح السؤال عن الإستراتيجية الأميركية للقطاع النفطي والأهداف التي تكمن في زيادة العرض في السوق ما يعني إنخفاض إضافي في أسعار النفط. لكن المُرجح في هذه الحالة أن الأميركيين يُعولون على التكنولوجيا وخصوصاً إستخراج النفط الصخري، فبعد أن كانت كلفة إستخراج برميل النفط الصخري تُقارب الـ 70 دولار أميركي إستطاع التطور التكنولوجي تخفيضها بنسبة 4

وعلى الرغم من الكلفة المُنخفضة لإستخراج النفط في روسيا، المملكة العربية السعودية وإيران ودول الخليج عامة، إلا أن تراجع الربحية لهذه الدول مع تراجع أسعار النفط تضعها في وضع حرج من ناحية أن الإستثمارات التي تتم في هذه الدول تأتي بالدرجة الأولى من عائدات النفط. أما الولايات المُتحدة الأميركية، فإمكانياتها الإستثمارية تأتي من الماكينة الاقتصادية ومن الإستثمارات الخارجية في الولايات المُتحدة وقد يكون قرار الإحتياطي الفديرالي برفع الفائدة يهدف إلى جذب رؤوس الأموال الأجنبية وبالتالي تصويبها إلى القطاع النفطي. من هذا المُنطلق، نرى أن ضرر سعر برميل نفط منخفض على الولايات المُتحدة الأميركية هو أقل بكثير من الدول الأخرى من ناحية أن إقتصادها يستفيد من إنخفاض الكلفة ومن ناحية أن لها القدرة على التحمل على عكس الدول الأخرى كروسيا والسعودية التي أصبحت موازناتها في الأحمر منذ مطلع العام. والضرر الأكبر يبقى على المملكة العربية السعودية التي وبسبب ربط عملتها بالدولار الأميركي (ولو بشكل غير رسمي) تخسر الكثير من الأموال مع تدهور برميل النفط.

ماذا عن الخارطة النفطية الجديدة؟

تاريخياً يتمحور الثقل النفطي في الشرق (دول الخليج + روسيا)، لكن المعادلة اليوم بدأت بالتغير مع التموضع الأميركي الجديد والذي قد يُبدّل الخارطة الإسترارتيجة النفطية إذا ما بدأت الولايات المتحدة الأميركية بتصدير النفط بكميات كبيرة. فدول الأوبك تُساهم بنسبة 4

تداعيات خطيرة على الدول المُنتجة للنفط والدول النامية

إن إنخفاض سعر برميل النفط إلى 30 دولار أميركي في العام 2016 هو أمر وارد جداً خصوصاً أن الروس قاموا بوضع موازنة على أساس هذا السعر. هذا الأمر سيحرم إقتصادات الدول المُنتجة للنفط من الإستثمارات التي كانت تأتي لهذه الدول من مردود النفط. وبالتالي فإن وضع هذه الدول قد يشهد تراجعاً إقتصادياً كبيراً في السنين القادمة (2016 إلى 2019) مع التوقعات بإستمرار أسعار النفط على ما هي عليه خلال هذه الفترة نتيجة حرب الحصص التي تخوضها الدول المُنتجة ومع عودة إيران إلى الساحة.

أما فيما يخص الدول النامية، فإنها ستعاني من قلة الإستثمارات الأجنبية التي ستعود حتماً إلى الإقتصادات الغربية نظراً للنمو الواعد لهذه الإقتصادات وبالتالي فإن النمو في الدول النفطية والنامية سيتراجع بنسب كبيرة.

Print Friendly, PDF & Email