Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

تمديد السن القانونية إلى 68 ضربة إقتصادية وإجتماعية

يأتي تمديد السن القانونية للتقاعد في إقتصادات الدول المُتطورة كنتيجة للتراجع الديموغرافي للمجتمعات الأجنبية. هذه المُشكلة لا توجد في لبنان الذي إن تمّ تمديد السن القانونية فيه، سيواجه أزمة إقتصادية وإجتماعية كبيرة كما سيُظهره هذا المقال.

Print Friendly, PDF & Email

ليبانون فايلز / بروفسور جاسم عجاقة

يُعتبر الشخص رسمياً متقاعداً في اللحظة التي يتوقف فيها نهائياً عن العمل. وفي هذه الحالة، يأتي مدخوله من نظام تمويل مبني على ثلاثة أعمدة: المُساعدة الاجتماعية، التضامن بين الأجيال، والتوفير (Saving).

وهذا يعني أن المدخول هو مدخول ريعي يأتي على شكل معاش تقاعدي أو فوائد على رأس المال الذي حصده هذا الشخص خلال فترة عمله. أما المُساعدات الاجتماعية، فهي عادة تتجه إلى الأشخاص العجزة الذين لا يمتلكون مدخول عال.

يختلف نظام التمويل بين الدول بحسب طبيعة إقتصادها. ففي الدول ذات الاقتصاد الرأسمالي، يكون تمويل التقاعد فردياً ومبنياً على عائدات رأس المال والممتلكات التي جمّعها الشخص خلال عمله. أما في الدول ذات الاقتصاد الإشتراكي، فالإتجاه يكون نحو التضامن بين الأجيال أي أن العاملين الحاليين يدفعون معاشات التقاعد للمتقاعدين الحاليين. أيضاً تؤمن الدولة الإستشفاء والطبابة لهؤلاء الأشخاص من خلال نظام الضمان الاجتماعي الذي يسمح للمتقاعد بالإستفادة من خدمات هذا النظام.

وأدّى التراجع الديموغرافي في مُعظم الدول المُتطورة إقتصادياً إلى فرض مشكلة توافر اليد العاملة لمواكبة التطور الاقتصادي. هذا الأمر دفع الحكومات في هذه الدول إلى تمديد السن القانونية مُتسلّحة بعاملين:

الأول إن تمديد السن القانونية يسمح بتغطية النقص في اليد العاملة والناتجة عن تراجع عدد الولادات في هذه المُجتمعات؛

والثاني متعلق بالإقتصادات التي تعتمد نظام التضامن بين الأجيال بحكم أن عدد الذين يعملون قلّ لدرجة لم يعد من المُمكن تغطية معاشات التقاعد. وبذلك يُمكن قلب هذه المعادلة إذا ما تمّ تمديد السن القانونية.

وقامت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بالتوصية بتمديد سن التقاعد في معظم البلدان المُنتمية للمنظمة لحلّ مشكلة التراجع الديموغرافي في هذه الدول. وبذلك أصبح سن التقاعد القانوني 68 عاماً في بريطانيا و67 عاماً في الولايات المُتحدة الأميركية، إيطاليا، ألمانيا، النروج… و65 عاماً في فرنسا، النمسا، إسبانيا، السويد…

لكن المهم معرفة أن ما يسمح بهذا التمديد في هذه الدول هو الاقتصاد المُتطور الذي يستوعب اليد العاملة المُتوفرة. إذ أن العكس يؤدي وبدون أدنى شك إلى حرمان الشباب الداخلين إلى سوق العمل من فرص عمل كانت لتتوفر لو لم يتم زيادة سن التقاعد.

مشكلة إقتصادية

أما في لبنان، فإن أياً من شروط تمديد السن القانونية لا تتوفر. فالإقتصاد اللبناني ضعيف البنية وبالتالي فإنه غير قادر على إستيعاب اليد العاملة الداخلة إلى السوق المحلي ما يدفع هذه الأخيرة إلى الهجرة. وما حجم تحاويل المُغتربين اللبنانيين إلى ذويهم إلا أكبر برهان على فشل الاقتصاد في إستيعاب اليد العاملة والتي بمعظمها كفوءة. كما أن أرقام البطالة التي تؤكد أن 5

أضف إلى ذلك، فإن عدد سكان لبنان (اللبنانيين) هو بإزدياد مُستمر وبالتالي لا توجد مشكلة ديموغرافية في المجتمع اللبناني. كما أن النزوح السوري ضرب العمالة ذات المهارات القليلة بنسبة كبيرة أصبح معها إيجاد فرصة عمل درب جلجلة لمن يُحاول سلوك هذه الطريق.

مُشكلة إجتماعية…

إن تحديد السن القانونية للتقاعد نابع من عوامل إقتصادية (سوق العمل، النمو الاقتصادي…) وإجتماعية (نسبة الولادات، الأمراض، الشق النفسي…) وتقنية (مهارات نادرة). وإذا ما نظرنا إلى العوامل الاجتماعية، نرى أنه وبحكم أن متوسط العمر المأمول هو بحدود 79 عاماً، يُمكن القول أن من تَعِبَ كل عمره يحق له أن ينعم بحياته خلال 10 إلى 14 عاماً مستفيداً مما حصده خلال حياته المهنية. كما أن الأمراض التي تطال الإنسان المُسنّ تمنعه من مزاولة بعض المهن الدقيقة كالطب والتعليم… وفي حال أصيب الشخص (قبل بلوغ السن القانونية) بمرض يحول دون مزاوله عمله، فمن سيمنعه من مواصلة العمل؟ أهي النقابة؟ فبعض القطاعات لا تمتلك نقابات.

من هنا نرى أن زيادة السن التقاعدية مُضرّة إجتماعياً وتتحول إلى ضرر إقتصادي. فمثلاً الشخص المُسنّ الذي تخطى الـ 64 عاماً والذي يبقى في إطار عمل منتظم، يُعطي مجهوداً لا يتناسب وصحته وبالتالي سيؤدي هذا المجهود إلى إضعافه صحياً ما يستوجب صرف أموال أكثر من قبل الضمان الاجتماعي.

الإستشارات والأبحاث تبقى إحدى الحلول

في الإدارات العامة، يأتي رفع السن القانونية كضربة للشباب الذي يود الإنخراط في الوظيفة العامة بحكم أن الإدارات العامة فيها الكثير من اليد العاملة وبالتالي لا مجال لإستيعاب داخلين جدد وأي تطوير في الإدارات العامة، يعني تخفيض عدد العاملين فيها وليس الزيادة من ناحية أن هذا التطوير سيُدخل التكنولوجيا إلى العمل وبالتالي هناك سرعة وكفاءة أكبر في تنفيذ العمل.

ومثال رفع السن القانونية في الجامعات يبقى مُعبّراً عن الضربة القوية للمتخرجين لأن قطاع التعليم الجامعي أصبح مُشبعاً (140 ألف طالب أي

ويبقى القول أن الأشخاص الذين بلغوا السن القانونية وما زالوا يتمتعون بقدرات فكرية يُمكنهم الإستمرار تعاقدياً في الأبحاث أو الإستشارات بهدف دعم القطاعات الاقتصادية والبحث العلمي بهدف الإرتقاء بالأنظمة اللبنانية إلى مستوى عالٍ.

Print Friendly, PDF & Email
Source ليبانون فايلز