Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

أكثر من 5 سنوات مرّت… اللبنانيون لا يعلمون الحقيقة

مجد بو مجاهد

طوى عهد الشموع نفسه بعدما كان قد فرضه واقع قطاع الكهرباء القاسي في لبنان، لكن الحلّ لم يتصف بالمثاليّة. لم يكن أمام اللبنانيين من خياراتٍ سوى التسليم بدفع فاتورتي كهرباء بدلاً من واحدة بعدما تعذّر إمكان إيجاد حلٍّ جذريّ لهذا القطاع الذي يعاني ما يعانيه من أزمات متلاحقة ومتاعقبة عايشناها منذ صغرنا، حتّى باتت تشكّل جزءًا من واقعٍ اعتياديّ وطبيعيّ. ولعلّ موضة انتشار المولّدات الخاصّة في كل المناطق اللبنانيّة منذ أكثر من 5 سنوات، أنست كثيرين تلك الرهبة اللئيمة التي كان يشكّلها وقع حلول الساعة السادسة مساءً وما يعنيه ذلك التوقيت من موعدٍ ليليٍّ منتظر لقضاء الأمسية على ضوء الشمعة.

 

 

اليوم تغيّرت الأوضاع، وبات لا أحد يأبه لساعات تغذية الدولة سوى في حال أراد ترشيد استهلاكه للطاقة بين المصدرين، أو ربّما عندما يختار أن يستقل المصعد، الذي غالبًا ما أضحى يحضّر المكائد لمستقلّيه فيأسرهم فيه من دون سابق إنذار، نظرًا لعدم وجود مواقيت محدّدة أو معروفة لساعات التقنين. الّا أنه وعلى رغم الحلّ الجذريّ لأزمة الكهرباء الذي أسهمت في توفيره المولّدات الخاصّة، بيد أن السلبيات التي تعتري تنظيم قطاعها كثيرة، ويأتي في طليعتها التعرفة الشهريّة للإشتراك التي باتت تشكّل حولها علامات استفهام واسعة من المواطنين تزامنًا مع انخفاض أسعار النفط من جهة، وعوامل أخرى تقنيّة تحكمها نوعيّة الإشتراك الشهري وهي تختلف بين منطقة وأخرى.

تتعدّد أوجه الاعتراضات التي يسجّلها المواطنون يوميًّا حيال واقع المولّدات الخاصّة، وهي تتفرّع بين لجوء بعض أصحاب هذه المصالح الى التقنين العشوائيّ نظرًا إلى عدم قدرتهم على تغذية المنازل بالكهرباء لساعاتٍ طويلة في حال زادت الدولة ساعات التقنين من جهتها. آخرون يشتكون ارتفاع تعرفة الإشتراك الشهري التي لا تزال مرتفعة على رغم انخفاض أسعار المحروقات، المازوت خصوصاً. وفي هذا الإطار، تعتبر المسؤولة الإعلاميّة في #وزارة_الطاقة والمياه ريتا شاهين في حديثٍ لـ”النهار” أن “تحديد تسعيرة المولّدات الخاصّة الشهريّة التي تتولّاها وزارة الطاقة والمياه تقوم وفق دراسة مبنيّة على أساس احترام حقّ المواطن اللبناني وحمايته بما يضمن تحقيق هامش ربح مقبول لأصحاب المولّدات”. وتشير الى أن “هامش الربح الذي يتلقّاه أصحاب المولّدات لا يتجاوز 2

وفي السياق نفسه، كان وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم قد وجّه كتاباً الى وزير الطاقة والمياه أرتيور نظريان قبل أيّام دعاه فيه الى “إعادة النظر في تعرفة المولدات الكهربائية في ضوء انخفاض اسعار المحروقات ولا سيما منها مادّة المازوت” . وجاء في الكتاب: “عطفاً على انخفاض أسعار النفط عالمياً أظهرت الدراسة التي قمنا بها في هذا الموضوع أن أسعار المحروقات يجب أن تنخفض خصوصاً أن الكلفة على أصحاب المولدات هي بمعظمها كلفة مازوت وتالياً الانعكاس هو أمر محتوم. إضافة إلى ذلك، نود أن نعلمكم أن مكتب الشكاوى في مديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد والتجارة يتلقى كما هائلاً من الشكاوى التي تتعلق بعدم انخفاض أسعار وتعرفة المولدات في حين أن أسعار النفط تنخفض”. وأضاف: “لذا ومما تقدم نتمنى على معاليكم إعادة النظر في تعرفة المولدات الكهربائية بما فيه خير للمواطن وللاقتصاد اللبناني. من ناحيتها، ستتابع وزارة الاقتصاد والتجارة المراقبة الحثيثة للالتزام بتسعيرة وزارة الطاقة لخدمة الاشتراك في مولدات الكهرباء”. وعطفًا على الكتاب المذكور، تؤكّد شاهين أن وزارة الطاقة والمياه ستبقى على تنسيق دائم مع وزارتي الداخلية والبلديات والإقتصاد والتجارة في هذا الإطار بهدف حماية حقوق المواطن اللبنانيّ والحفاظ عليها”.

الأولويّة لبناء معامل انتاج جديدة لا يمكن اعتبار المولّدات الخاصّة حلًّا نهائيًّا لأزمة الكهرباء في لبنان، لأنها أصلًا لا تتمتّع بأي صفة وجوديّة في القانون. وفي هذا الإطار، يلفت الخبير الإقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة في حديثٍ لـ”النهار” الى أن المشاكل الأساسيّة التي تعتري قطاع المولّدات الخاصّة تتّسم “بنوعيّة التسعيرة التي يتبنّاها أصحاب المولّدات والمعروفة تحت اسم “المقطوعة” التي يعتمد خلالها صاحب المولّد على سياسة تحديد مبلغ شهري ثابت يتوجّب على المواطن دفعه وهو بالتالي قد يحمّله عبء دفع مبلغ يفوق نسبة استهلاكه للكهرباء. من هنا تعتبر استراتيحيّة استخدام العدّاد الكهربائي، أي تدفع بقدر ما تستهلك، هي الأمثل”. ويدحض “النظرية التي تسلّم أن هامش ربح أصحاب المولّدات اليوم لا يتجاوز الـ2

ويشير الى أن المعوقات التي تعتري امكانيّة تنظيم أكبر لهذا القطاع تترجم في عدم وجود نصوص قانونيّة في لبنان تكرّس وجود هذه المولّدات الخاصّة أساسًا، فهي لا شرعيّة لها قانونًا. ويشدّد على أن “الرقابة على هذا القطاع من وزارة الإقتصاد والتجارة موجودة، لكن الحلّ الأمثل لحماية جيب المواطن يجب اتخاذه من مجلس الوزراء مجتمعًا، حيث عليه أن يتبنّى سياسة معيّنة يوعز خلالها للوزارات المعنيّة، وعلى رأسها وزارة الطاقة والمياه، بالتنسيق مع وزارتي الداخلية والبلديات ووزارة الإقتصاد والتجارة، بضرورة تخفيض تسعيرة المولّدات الخاصّة انسجامًا مع انخفاض أسعار المازوت”. وحول الحلول النهائيّة التي يجب اتخاذها لحلّ ملفّ الكهرباء العالق في لبنان منذ سنوات طويلة، يشير الى أن “وضع المولّدات الخاصّة غير طبيعي في لبنان، بل من الضروري الاستفادة من التوفير الهائل للطاقة التي تستفيد منه كهرباء لبنان لبناء معامل انتاج كهرباء جديدة لأن المعامل اللبنانيّة الحاليّة مهترئة نظرًا لعمرها الذي تخطّى 30 سنة”.

التسعيرة لا ترتبط بالمازوت وحسب؟ وردت في الآونة الأخيرة شكاوى كثيرة على لسان كثير من المشتركين في أغلبيّة المناطق اللبنانيّة سجّلوا فيها اعتراضاتهم على ما اعتبروه ارتفاع كلفة اشتراك المولّدات شهريًّا على رغم تراجع سعر صفيحة المازوت بوتيرة كبيرة، الامر الذي دفع وزارة الإقتصاد الى التحرّك. وفي مقاربةٍ للأعباء التي يتحمّلها أصحاب المولّدات من وجهة نظرهم، يعتبر وسيم أحد أصحاب المولّدات الخاصّة في أحد مناطق جبل لبنان الجنوبي أن “وتيرة الاعتراضات والتساؤلات ارتفعت في الآونة الأخيرة من المشتركين نظرًا إلى اعتقادهم أن انخفاض سعر صفيحة المازوت هو العامل الوحيد الذي يتحكّم بالتسعيرة الشهريّة وينسون التكاليف اللاحقة التي تتمثّل بأعمال الصيانة والتصليح بدءًا من صيانة الكابلات وصولًا الى الأعطال التي تطرأ على المولّد والتي تعتبر باهظة الكلفة، فضلًا عن تكاليف العمّال الذين يتولّون أعمال متفرّقة”. ويؤكّد أن “التسعيرة التي يلتزم بها شهريًّا هي نفسها التي تحدّدها وزارة الطاقة والمياه، لكنّ المشتركين لا يلبثون أن يسجلوا اعتراضاتهم في شتّى الظروف، رغم علمهم أن التسعيرة صادرة عن مصادر وزاريّة وليست محدّدة بشكلٍ شخصيّ”.

تبقى المولّدات الخاصّة خلاصًا وحيدًا أمام اللبنانيين، لا يملكون سواها من خيارات لحلّ معضلة الكهرباء، على رغم علامات الاستفهام الكبيرة التي تشوب هذا القطاع. المهمّ، أن لا أحد سيحرم من متابعة مسلسله المفضّل، أو يضطر لمشاهدته “حلقة ايه… حلقة لأ”، كما كان يحصل في عهد السهر على الشمعة. لكن الواقع المضحك المبكي يكمن في أن سنواتٍ لا تحصى مضت، عرفت خلالها شاشة التلفاز الآلاف والألاف من المسلسلات التي انتهى عهدها وطوي، الّا أن مسلسل الكهرباء مستمرٌّ بقوّة، ولم تأبَ إحدى فصوله أن تلقى نهايةً سعيدة واحدة حتّى اليوم.

Print Friendly, PDF & Email