Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

غياب الخطة الإقتصادية سيؤدّي إلى كوارث

الجمهورية | بروفسور جاسم عجاقة

كثرت في الفترة الأخيرة التحاليل والتصاريح عن تداعيات عقوبات إفتراضية لدول الخليج على لبنان. وتحدث البعض عن كوارث ستدك هياكل الإقتصاد اللبناني والمالية العامة. إلّا أنّ ما يجهله المُحللون أنّ غياب الخطط الإقتصادية ستكون له تداعيات أكبر ستظهر أولى مؤشراتها مع إنفجار الدين العام.

سجّل الإقتصاد اللبناني نسب نموّ تفوق الـ 9

وبالنظر إلى البيانات التاريخية، نرى أنّ القطاع العام إستحوذ على نسبة كبيرة من الأموال المُتوافرة في السوق وتخطى الـ 150

 وهذا يعني أنّ لبنان يُعاني إفراطاً في دينه العام من ناحية وجوده فوق مستوى الـ 9

يبقى السؤال ماذا لو إستمرّ الوضع السياسي والإقتصادي على ما هو عليه؟ بالطبع هذا الأمر سيؤدي إلى مشكلات مالية كبيرة سيتحمّل عواقبها القطاع المصرفي الذي يحمل النسبة الأكبر من القروض للقطاع الخاص والقطاع العام. الجدير بالذكر أنّ القطاع الخاص هو أوّل مَن سيُظهر عوارض الأزمة مع تخلّف قسم كبير من المُقترضين عن دفع الديون المُستحقة.

نعم إنّ الإقتصاد لا يُمكنه أن يخلق ثروات إذا لم يكن هناك من إستثمارات والتي من المفروض بحسب النظرية الإقتصادية أن يتمّ تمويلها من المصارف. هذه الأخيرة وخلال عقود إكتفت بتمويل القروض الإستهلاكية والقطاع العام مُتناسية بذلك أنّ عدم تمويل الإستثمار سيعود على المصارف بالكوارث.

لقد قام حاكم مصرف لبنان بخطوة جرئية تتخطى حدود السياسة النقدية المنوطة بمصرف لبنان، ألا وهي رصد قروض مدعومة للشركات في القطاع الخاص. وإذا كانت هذه الخطوة أساسية، إلّا أنها غير كافية من ناحية حاجة الإقتصاد إلى خطوات تتمثل بتعديل القوانين وإقرار قوانين أخرى وعدد من الإجراءات تدخل في نطاق ما يُسمّى بالسياسة المالية للحكومة. تنقسم السياسة الإقتصادية إلى شقيّن: السياسية المالية وهي على عاتق الحكومة والسياسة النقدية وهي من مهام مصرف لبنان. والمُتعارف عليه أنّ السياسة النقدية تلعب دوراً مُكمّلاً للسياسة المالية للحكومة وتدعمها خصوصاً في ما يخص تحفيز النموّ الإقتصادي وخلق فرص العمل.

وغياب الخطط الإقتصادية في لبنان مع غياب موازنات أدى إلى تعاظم الدين العام على حساب ديون الشركات الوحيدة التي تخلق الثروات. هذا الخلل ضرب هيكلية الإقتصاد وحوّله من إقتصاد إنتاجي إلى إقتصاد شبه-ريعي مع تراجع للقطاعين الأولي والثانوي الذين يحتاجان إلى رأس مال في حين أنّ قطاع الخدمات الذي لا يحتاج إلى القدر نفسه من رأس المال يتطوّر بشكل أسرع وخصوصاً التجارة.

السياسة المالية أساسية في الإقتصادات ومن دونها لا يُمكن الحصول على نموٍّ مُستدام لا بل على العكس هناك تردٍّ في الهيكلية الإقتصادية وزيادة في الدين العام. وبالفعل هذا ما شهده لبنان الذي وبغياب الموازنات شهد مضاعفة دينه العام في ظرف عشر سنوات مع تآكل مُخيف لسوق العمل الذي تبلغ فيه البطالة 3

ويبقى القول إنّ القطاعات الواعدة في لبنان تتمثل بقطاع التكنولوجيا وإقتصاد المعرفة، النفط والغاز، القطاع المصرفي، الزراعة والصناعات التحويلية. هذه الأخيرة تلعب دوراً أساساً في نقل التكنولوجيا من إطارها الإستخدامي إلى إطار إستغلالها في الإنتاج وبالتالي فإنها كفيلة بإستيعاب العديد من الأشخاص الذين يدقون أبواب السفارات للحصول على تأشيرات سفر طلباً للعمل.

أضف إلى ذلك الأبحاث والتي تبقى أساساً في التطوّر الإقتصادي وذلك طبقاً لمعادلة كوب-دوغلاس والتي تنصّ على أنّ الناتج لبلد مُعين يتعلق برأس المال، اليد العاملة والتكنولوجيا. وإذا ما أراد لبنان تدعيم إقتصاده بما فيه خير للمواطن اللبناني، يتوجب عليه دعم القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة قبل الغوص في مُستنقع منظمة التجارة العالمية والتي لن تُفيد لبنان إقتصادياً من ناحية عدم أهلية ماكينته الإنتاجية لمنافسة الدول الصناعية والزراعية المُتقدمة.

Print Friendly, PDF & Email
Source الجمهورية