Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

المصارف اللبنانية نحو آفاق جديدة

من البديهي القول أن المصارف اللبنانية تتعرض في هذه الفترة لعدد من الضغوطات على رأسها التراجع الإقتصادي الكبير ،العجز في الموازنة العامة، القانون الأميركي الذي صوّت عليه الكونغرس الأميركي حديثاً، وقرار مجلس جامعة الدول العربية في القمة الأخيرة. هذا الواقع يفرض إعادة نظر جديدة في إستراتيجيات المصارف تتجه أكثر نحو القطاع الخاص.

 

بدأت مفاصل الإقتصاد اللبناني بالتفكك مع هبوط مُعظم المؤشرات الإقتصادية بشكل ملحوظ. فقد تراجعت الصادرات بنسبة 1

 

ولا نقول بجديد أن سوق العمل شهد إزدياد في عدد العاطلين عن العمل نتيجة تراجع قطاع الخدمات الذي يتأثر بالدرجة الأولى مع تردّي الأوضاع الأمنية والسياسية. أضف إلى ذلك أزمة النازحين السوريين التي إستفحلت في سوق العمل حيث لا يوجد مكان في بيروت وجبل لبنان لا يستخدم سوريين. كما أن بعض القطاعات مثل البناء، محطات البنزين، الزراعة، محال الدولايب، محال الخضرة… تستخدم بشكل حصري سوريين وأجانب. وغاب اللبناني الذي يتميز بإدخال أجره في الماكينة الإقتصادية على عكس الأجانب الذين يُرسلون أموالهم إلى الخارج. وعلى هذا الصعيد، تفوق قيمة تحاويل الأجانب العاملين في لبنان إلى ذويهم الـ 5.5 مليار دولار أميركي أي أن العمالة الأجنبية تحرم الإقتصاد من هذه الأموال نتيجة خروجها بكل بساطة من لبنان.

 

28.

 

بالطبع تحوّل العجز إلى دين عام إرتفع بقيمة 3.74 مليار دولار أميركي (أي بنفس قيمة العجز) ليتخطى بذلك عتبة الـ 70 مليار دولار أميركي. وهذا يعني أن العلاقة بين العجز في الموازنة وبين الدين العام هي علاقة ميكانيكية وكل قرش عجز سيتحول إلى دين عام بحكم عدم وجود نمو إقتصادي يمتصّ النمو. في المقابل يستشري الفساد في مختلف القطاعات والمرافق العامة والوزارات. وهذا يخلق تراجعاً كبيراً في مداخيل الدولة يفوق الخمسة مليارات دولار سنوياً.

 

بالطبع تتجه الدولة اللبنانية التي تواجه أزمة تخمة في القطاع العام إلى الإستدانة لتغطية الأجور وخدمة الدين العام. ويكفي معرفة أن قيمة الأجور وخدمة الدين العام توازي مداخيل الخزينة لإستنتاج أن كل إنفاق إضافي سيتم إستدانته من قبل المصارف اللبنانية والتي أصبحت المُمول شبه الوحيد للدولة اللبنانية.

 

وبالنظر إلى هيكلية الدين الإجمالي للبنان أي دين القطاع العام إضافة إلى دين القطاع الخاص، نرى أن حجم هذا الدين يبلغ 124 مليار دولار أميركي منها 70مليار للدولة اللبنانية أي 15

 

وإذا ما قارنا هيكلية الدين الإجمالي في لبنان مع بعض الدولة الأجنبية نرى أن حجم الدين الإجمالي موازي تقريباً لمعظم الدول (لبنان: 25

 

في هذه الأثناء، كانت المصارف اللبنانية تستفيد من ثقة المودعين الذين زادوا من ودائعهم في هذه المصارف بمعدّل

 

ويبقى السؤال الأساسي في ظل هذا الواقع عن نموذج العمل المُمكن للمصارف اللبنانية في ظل كل هذه القيود أي تراجع إقتصادي، مالية عامة مذرية، قانون أميركي صارم، وعقوبات خليجية على لبنان؟ في الواقع لم تنجح تجربة المصارف اللبنانية في سوريا ولا في قبرص حيث، وفي كلا الحالتين، كانت هناك خسائر تكبدتها المصارف اللبنانية. وبالتالي فإن النظر إلى دول مجاورة أخرى مثل تركيا يبقى محفوفاً بالمخاطر نتيجة الوضع القائم، والحال ليس بأفضل في العراق والأردن ومصر. من هذا المُنطلق ونظراً إلى المظلة الدولية على لبنان والتي أثبتت الأيام أنها صامدة وتُرجمت بتسليح الجيش اللبناني من قبل الولايات المُتحدة الأميركية، نرى أن على المصارف اللبنانية التركيز على السوق اللبناني وبالتحديد القروض الإستثمارية لقطاعات واعدة يُمكن أن تُعيد النمو الإقتصادي. هذه القروض يجب أن تشمل البنى التحتية، الزراعة، الصناعات التحويلية، الصناعة الرقمية والتكنولوحيا، القطاع النفطي. وبما أن سياسة المصارف مبنية على التنويع، لذا نرى أن على المصارف اللبنانية أن تبدأ بتقديم خدمات لمساعدة الدول الأخرى في تأهيل قطاعاتها المصرفية نظراً لصلابة القطاع المصرفي اللبناني والذي إستطاع أن يبرهن أن العلاقة الميكانيكية بين الثبات الأمني والإقتصادي وبين صلابة القطاع المصرفي يُمكن كسرها. هذه الخبرة العريقة يُمكن للمصارف الإستفادة منها ووضع خدماتها في تصرف الدول الأخرى علّها تجعل من لبنان محور للخدمات المصرفية في منطقة الشرق الأوسط.

 

 

 

 

Print Friendly, PDF & Email