Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

الشركات اللبنانية تصرف عمّالها اللبنانيين؟

يكاد الإعلام اللبناني لا يأتي على ذكر عدد اللبنانيين الذين يُصرفون كل يوم من عملهم. وأخر هذه حلقات الصرف الجماعي قيام شركة في ضواحي بيروت بصرف ما لا يقل عن 30 موظف لبناني مُعظمهم من عمر مُتقدم. فما هي أسباب صرف الشركات لموظفيها اللبنانيين؟ وهل هناك ما يُمكن عمله من قبل الحكومة اللبنانية؟ قام البنك الدولي في العام 2013 بنشر دراسة حول تداعيات النزوح السوري على لبنان من الناحيتين الإقتصادية والإجتماعية. وجاء في التقرير أن العام 2014 شهد صرف 324 ألف موظف لبناني وزاد عدد العائلات الفقيرة بـ 170 ألف عائلة. وإذا كان هذا التصريح لم يأخذ حيزاً واقعياً في الصحف وفي كواليس السياسة، إلا أن حقيقته المرّة وخطورته تُرجمت وتُترجم كل يوم من قبل الشركات اللبنانية بعمليات صرف مُمنهجة بحق الموظفين اللبنانيين . وعمليات الصرف هذه بدأت مع بدء الأزمة السورية وزادت مع تزايد  تدفق النازحين السوريين. وإذا كانت بعض الشركات تستفيد من الوضع الإقتصادي المُتردّي لصرف الموظفين اللبنانيين، إلا أن بعض الشركات تواجه أزمة منافسة حقيقية من قبل البضائع الأجنبية. وهذا الواقع يطال الشركات الصناعية والزراعية حيث أن عمليات الغش التي تطال إدخال البضائع إلى لبنان تجعل من هذه البضائع منافساً قوياً للبضائع في لبنان. وإحدى الروايات تنص على أن البضائع الصينية يتمّ إدخالها إلى البلدان الخليجية ومن ثم يتمّ تأهيلها على أنها بضائع صُنعت في الخليج. وبما أن هذه البضائع خاضعة للمعاهدة بين لبنان والدول العربية، تدخل إلى لبنان بدون رسوم جمركية حيث من الصعب بعدها على البضائع اللبنانية منافستها. كل هذا يتمّ بتواطئ من قبل تجار لبنانيين وخليجيين! أيضاً تعمد الشركات التي تواجه المنافسة إلى تخفيف الكلفة عليها عبر تبديل العامل اللبناني بعمّال سوريين حيث أن لا تصريح عن هؤلاء للضمان الإجتماعي وبالتالي لا حقوق لهم. كل هذا ينسحب على الإقتصاد اللبناني عبر خفض الإستهلاك وهذا ما شهدناه في العام 2015 حيث أن الإستهلاك إنخفض بنسبة ملحوظة كنتيجة لصرف الموظفين اللبنانيين بشكل أساسي. وهنا المُشكلة التي لا يعيها أرباب العمل اللبنانيين الذين يتصرفون وفق مبدأ “شو وقفت عليّ”. فالعامل السوري لا يُنفق في الإقتصاد اللبناني إلا شق زهيد ويقوم بإدخار الباقي أو إرساله إلى ذويه في سوريا وبالتالي لا تستفيد الماكينة الإقتصادية اللبنانية من الأجور التي يتقاضيها العمّال السوريين. أما شركات الخدمات كالفنادق والمطاعم وغيرها فهي عرضة لتراجع نشاطها الإقتصادي نتيجة الأوضاع السياسية والأمنية. وبالتالي يأتي صرف العمّال اللبنانيين كنتيجة لهذا الأمر وأخذ تشغيل السوريين كوسيلة لتخفيض الكلفة. وللتأكد من هذا الأمر يكفي النظر إلى عمّال المطاعم في بيروت أو موظفي محطات الوقود لنرى أن معظمهم من الجالية السورية والمصرية والأسيوية. ولا يُمكن لوزارة العمل على الرغم من الصلاحيات التيي يعطيها لها القانون، أن تمنع هذا الصرف لأن عامل الـ Force Majeure يُسهّل هذه العملية خصوصاً في ظل الظروف الإقتصادية والتلاعب ببعض الحسابات المالية التي تُظهر الشركة في حال خسارة. لكن يُمكن لوزارة العمل ملاحقة الشركات الذين يُشغّلون عمّال أجانب دون ترخيص من قبلها وهذا الأمر يتطلب زيادة عدد مراقبي وزارة العمل الذين لا يتخطى عددهم العشرة أشخاص كما وتفعيل دورهم الرقابي. وهنا يُطّرح السؤال عن سبب تقاعس الحكومة عن مراقبة العمالة الأجنبية التي تقضي على مفاصل سوق العمل اللبناني حيث أن التقاعس يُسبّب صرف العديد من العمّال اللبنانيين الذين تخطّوا عمراً معيناً وبالتالي من الصعب إيجاد عمل جديد لهم خصوصاً مع إعتماد العديد من الشركات المنهجية نفسها. لماذا لا تقوم الحكومة اللبنانية بالسيطرة على العمالة الأجنبية؟ لماذا لا تُعطي الأوامر إلى قوى الأمن الداخلي لملاحقة الشركات التي تُخالف القانون؟ من الواضح أن الشق السياسي هو السبب الرئيسي وعدم قدرة الطبقة السياسية على التوصل إلى قرار في شأن هذا الموضوع هو المانع الأساسي. بالتالي، تُعتبر الحكومة المسؤولة الأولى عن تزايد عدد العاطلين عن العمل في السوق اللبناني. أما إقتصادياً فغياب التشريعات التي تُساعد في تحفيز توظيف اللبنانيين هو السبب وراء صرف اللبنانيين وتوظيف سوريين مكانهم. أضف إلى ذلك غياب الدعم المالي للشركات والسياسات الضريبية التي تسمح للشركات المُتضرّرة بالإستمرار في نشاطها الإقتصادي. كما أن الضلوع في مشروع إنضمام لبنان إلى منظمة التجارة الدولية دون حماية قطاعي الصناعة والزراعة الذين يعانيين من ضعف في الإستثمارات، سيُشكّل ضربة قاسية لهذين القطاعين حيث سيتمّ صرف العديد من اللبنانيين كنتيجة حتمية لتزايد المنافسة في السوق اللبناني. في الختام لا يسعنا القول إلا أن ما يعانيه العمال اللبنانيين من صرف تعسفي تتحمل مسؤوليته الحكومة لأنها الوحيدة المولجة حماية سوق العمل. وللتذكير، خلال حملة أوباما الإنتخابية لولايته الثانية، كان وعده الأول هو خلق مليون وظيفة عمل جديدة. فأين لبنان والحكومة اللبنانية من هكذا وعود؟

Print Friendly, PDF & Email