Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

استبشروا خيراً أيها اللبنانيون… الضرائب آتية

دين عام يفوق 70 مليار دولار أميركي، عجز في الموازنة يفوق 10%، عجز في الحساب الجاري يفوق 25% من الناتج المحلّي الإجمالي… كلها مؤشرات على أن المالية العامة تواجه أصعب الظروف. وإذا ما أضفنا غياب الإتفاق السياسي على ملف النفط والغاز، يبقى السؤال عن الإجراءات التي ستقوم بها الحكومة للسيطرة على الوضع المالي؟  

Print Friendly, PDF & Email

موقع المدن | بروفسور جاسم عجاقة

لم تتمكن الحكومات اللبنانية المُتعاقبة من لجم العجز في الموازنة العامة. حتى في سنوات المجد بين 2007 إلى 2010، بقيت الموازنة العامة تُسجّل عجزاً ناتجاً بالدرجة الأولى عن غياب الموازنة وإعتماد الصرف على أساس القاعدة الإثني عشرية (على قياس أصحاب السلطة)، مما سمح للهدر والفساد بزيادة العجز إلى حدّ الإستفحال. أيضاً يتوجب ذكر أن كل مصالحة بين الأفرقاء اللبنانيين كانت وما زالت تتمّ على حساب الخزينة العامة والأمثلة عديدة.

وإذا كانت المصارف التجارية اللبنانية تلعب دوراً أساسياً ومحورياً في تمويل هذا العجز، إلا أن دور مصرف لبنان يبقى منظماً لهذه العملية من ناحية ضغطه على المصارف اللبنانية للإستمرار في تمويل العجز. وهذا الأمر لا يحظى برضى صندوق النقد الدولي الذي عمد إلى الطلب رسمياً من مصرف لبنان تقليص دور الوساطة الذي يلعبه بين الدولة والمصارف التجارية.

مؤشرات مُقلقة

بالنظر إلى أرقام وزارة المال، نرى أن النفقات المُحققة ارتفعت في الأعوام الماضية حتى بلغت 14.02 مليار دولار في العام 2014 لتنخفض بعدها في العام 2015 إلى 13.6 مليار دولار بفضل تراجع أسعار النفط التي حققت وفراً في تحويلات الخزينة إلى مؤسسة كهرباء لبنان بقيمة مليار دولار. ويبقى ملف الكهرباء النقطة السوداء في المالية العامة، إضافة إلى بند خدمة الدين العام والأجور للقطاع العام. وبلغت قيمة هذه الأخيرة 4.75 مليار دولار في العام 2015.

أما خدمة الدين العام فبلغت 4.7 مليار دولار في العام نفسه، وأصبح بذلك بندا خدمة الدين العام والأجور موازيين لمداخيل الموازنة، ما خلق عجزاً تلقائياً مع وجود بنود إنفاقية أخرى كتحاويل مؤسسة كهرباء لبنان (1.14 مليار دولار)، النفقات التشغيلية (1.33 مليار دولار)، النفقات الإستثمارية (600 مليون دولار)، ونفقات الخزينة والنفقات الأخرى (1.07 مليار دولار).

وترافق هذا الأمر مع تراجع الإيرادات في العام 2015 بقيمة 1.303 مليار دولار من 10.88 مليار دولار في العام 2014 إلى 9.58 مليار دولار في العام 2015.

ويعود التراجع بالدرجة الأولى إلى تراجع بند “حاصلات إدارات ومؤسسات عامة/ أملاك الدولة”، كما وتراجع بند “إيرادات خزينة مختلفة”.

خيارات محدودة

من البديهي القول أنه في ظل ظروف سياسية وأمنية غير ثابتة، وفي ظل الشغور الرئاسي وما ينتج عنه من تعطيل في السلطتين التنفيذية والتشريعية، لن يكون هناك من تحسّن إقتصادي وبالتالي فإن المداخيل التي تعتمد على النشاط الإقتصادي (الضريبة على القيمة المضافة، ضريبة الدخل…) ستقل مع الوقت ومعها سيزداد العجز لأن وتيرة الإنفاق هي للارتفاع أكثر منها للتراجع.

وإذا كان كثيرون من المسؤولين يعقدون آمالاً على ملف النفط والغاز البحري والبرّي لتغطية العجز والسيطرة على خدمة الدين العام، إلا أن الإنقسام السياسي الحاد في لبنان سيمنع إقراره في المدى المنظور. وحتى لو تمّ إقراره فإن الفترة المطلوبة لبدء تسجيل مداخيل، تفوق 8 سنوات، ما يعني أنه على الوتيرة الحالية، سنشهد زيادة في الدين العام- أقلّه- بقيمة 30 مليار دولار.

مما تقدّم، نرى أن الخيارات أمام الحكومة ضئيلة، وبالتالي ستعمد إلى إختيار الأكثر شيوعاً ألا وهي خيارات صندوق النقد الدولي. هذه الخيارات تبقى الأقل شعبية من ناحية أنها تطال المواطن بالدرجة الأولى:

أولاً، رفع الضربية على القيمة المُضافة: هذه الضريبة أدخلت إلى الخزينة العامة 2.10 مليار دولار في العام 2015، في حين أن الحسابات التي قمنا بها تدلّ على أن الرقم يجب أن يكون 4.56 مليار دولار. ويعود الفرق في اعتقادنا إلى عدم فعّالية الجباية وعدم التصريح عن أسعار البضائع الحقيقة.

وبالتالي، فإن الحكومة ستعمد إلى رفع نسبة الضريبة على القيمة المُضافة ما يسمح لها بزيادة مداخيل هذه الضريبة بقيمة 456 مليون دولار إذا ما تمّ رفع نسبة الضريبة على القيمة المضافة

ثانياً، زيادة الضريبة على سعر صفيحة البنزين: مع 91 مليون صفيحة بنزين مُستهلكة سنوياً في لبنان، نرى أن زيادة مبلغ 2000 ليرة على صفيحة البنزين سيسمح بزيادة المداخيل بقيمة 121 مليون دولار، 3000 ليرة 182 مليون دولار، 4000 ليرة 243 مليون دولار، و5000 ليرة 303 مليون دولار.

وقد تستفيد الحكومة من إنخفاض أسعار النفط العالمية للتخلّي الكلّي عن دعم المازوت الأحمر، ما يسمح لها بتوفير مبالغ إضافية؛

ثالثاً، إقرار ضريبة على أرباح العمليات العقارية: وهذا الأمر سيواجه إعتراضاً كبيراً من جانب المواطنين وأصحاب رأس المال. وبحسب عدد سنين المفعول الرجعي حيث ارتفعت أسعار الشقق بنسبة 50

رابعاً، سلسلة الرتب والرواتب: هذه السلسلة التي لن ترى النور في المدى القريب، ستنحصر على زيادة الأجر (غلاء المعيشة أقرّ ويُدفع) منذ اللحظة التي يتمّ فيها إقرار السلسلة وذلك من دون أي مفعول رجعي. والأمر لن يقتصر على هذا الإجراء بل سيواكبه وقف التوظيف في الدولة؛

خامساً، تجميد معاشات التقاعد: إن كل متقاعد في الدولة سيتم تجميد معاشه التقاعدي، وحتى ولو كان هناك غلاء معيشة فلن يكون هناك من زيادة للمتقاعدين؛ بالطبع، هذه اللائحة غير مُكتملة، فهناك فاتورة الكهرباء التي ستزيد، وكذلك الرسوم على المعاملات الإدارية… وغيرها من الرسوم والضرائب.

وستترافق هذه الزيادات مع تراجع دعم الخدمات الصحية من إستشفاء وطبابة وتراجع دعم الخدمات الاجتماعية؛ كل هذه الإجراءات ما هي إلا حصيلة عشرة أعوام من الصرف على أساس القاعدة الإثني عشرية، التي في اعتقادنا يجب حذفها من الدستور اللبناني لأنها السبب الأساسي الذي سمح للهدر والفساد بإيصال لبنان إلى ما هو عليه اليوم. فهل هناك من حلّ آخر؟

Print Friendly, PDF & Email
Source موقع المدن