Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

سعر البنزين: ثلاثية الدولة والشركات والمواطن

يُشكل كل نهار أربعاء محطة أسبوعية ينتظرها المواطن اللبناني لمعرفة سعر صفيحة البنزين في لبنان، ويبقى المواطن في حالة شك دائم في ما يخص تركيب الجدول الأسبوعي للأسعار والذي يصدر عن وزارة الطاقة والمياه.  ومع بدء أسعار النفط العالمية بالإرتفاع وبالتالي أسعار المشتقات النفطية في أذار  الماضي، يُطرح السؤال عن آلية تحديد الأسعار والشفافية التي تواكبها. فهل هناك تجانس بين أسعار النفط العالمي وأسعار المشتقات النفطية في لبنان؟ وهل تتمتع عملية تحديد الأسعار  بالشفافية الكافية؟ من المعروف أن سوق المشتقات النفطية يتعلّق بشكل مباشر بسوق النفط الخام، إلا أن هذا التعلّق لا يعني أن أسعار المُشتقات النفطية تتبع بشكل متوازي أسعار النفط العالمية. فمصافي البترول تتبع نموذجاً إقتصادياً مبني على تعظيم أرباحها (Profit Maximization) وبالتالي فإنها تزيد من إنتاج المُشتقات النفطية التي تؤمن ربحية عالية وتُقلل من إنتاج  المُشتقات النفطية التي تؤمن ربحية أقلّ. هذا الأمر يجعل تغيرات أسعار المُشتقات النفطية مُختلفة عن تغيرات أسعار النفط الخام وبالتالي عرضة للعرض والطلب على أسواق هذه المُشتقات (Light Ends، Gasoline، Jet Fuel & Kerosene، Diesel & Heating Oil، Residual Fuel Oil). ما يعني إن أسعار البنزين مثلاً تتبع أسعار النفط العالمية وتتأثر بحد ذاتها بالعرض والطلب على البنزين. وظهرت إلى العلن عدة مؤشرات لأسعار هذه المُشتقات بحسب منطقة الإنتاج ونوع المُشتقات النفطية مثل مؤشر البلاتس (Platts) الذي يسمح بإعطاء فكرة لأصحاب المصافي النفطية بتقييم الكمية الواجب إنتاجها أخذين بعين الإعتبار الطلب على هذه المُشتقات. كما أن مستوردي المُشتقات النفطية يعمدون إلى إستخدام هذه المؤشرات لإدارة عملية الإستيراد وبالتالي تحديد شروط العمليات. وفي لبنان يتمّ إعتماد مؤشرات البلاتس لتحديد سعر صفيحة البنزين 95 و98 أوكتان حيث تقوم وزارة الطاقة بإصدار التسعيرة بالتعاون مع الشركات النفطية المُستوردة على أساس المُعدّل على فترة أربعة أسابيع لمؤشرات البلاتس. وهنا يتوجب معرفة أن الدولة تأخذ نوعين من الضرائب على الصفيحة: ضريبية ثابتة وضريبة نسبية على سعر الصفيحة. وبالتالي فإن أرباحها – كما هي حال أرباح شركات النفط المُستوردة – تزداد مع إرتفاع سعر صفيحة البنزبن وتنخفض مع إنخفاض سعر الصفيحة.من هنا نستنتج أن مبدأ المصلحة الذاتية العقلانية المنصوص عليه في النظرية الإقتصادية، ينصّ على أن الشركات كما الدولة لها مصلحة في رفع سعر صفيحة البنزين. لكن هذا لا يعني أنها تستطيع تغيير حقيقة أسعار السوق أي لا يُمكنها الإبتعاد كثيراً عن السعر الحقيقي بحكم وجود الرأي العام. هذا الأخير أصبح يعاني من حالة كسل في المطالبة في حقوقه، لكنه يستمر في تشكيل حاجز رادع للشركات كما للدولة اللبنانية (بالتحديد وزارة الطاقة والمياه) في وضع التسعيرة. وإذا كانت الشركات تضع السعر الذي يُنسابها إلا أنه قانونياً لا يحق لوزارة الإقتصاد رفض التوقيع على جدول الأسعار لأن القانون لم يعطي حق للوزير في رفض الإمضاء وبالتالي فإن الشركات المُستوردة للنفط يواجها رادع واحد فقط هو الرأي العام الذي تُعبّر عنه الصحافة. لكن السؤال المطروح هو : هل تقوم الشركات النفطية بالتسعير عشوائياً؟ للجواب على هذا السؤال، قمنا بعمليات حسابية سمحت لها بإحتساب معدّل سعر النفط الخام على فترة أربعة أسابيع وحساب تغيرات هذا لمعدل مع تغيرات سعر صفيحة البنزين 95 أوكتان وذلك على فترة عام إلى الوراء. بالطبع الهدف من هذه الحسابات هو معرفة إذا كان الإرتفاع والإنخفاض في سعر النفط العالمي يوازيه إرتفاع وإنخفاض مُتجانس في سعر صفيحة البنزين 95 أوكتان في لبنان. وتُظهر النتيجة أنه في ثلاثة حقبات خلال هذا العام، إنخفض سعر النفط العالمي بشكل ممتد على فترة طويلة من الوقت وفي المقابل إنخفض سعر صفيحة البنزين ولكن بشكر غير مُتجانس أي أن إنعكاس إنخفاض سعر النفط الخام على سعر صفيحة البنزين تأخر قبل أن يتمّ العمل به. ويعود السبب إلى أحد العاملين: أولاً هناك مخزون بسعر عالي يتمّ المحافظة على سعره حتى إنتهاء هذا المخزون، وثانياً هناك تقاعس من قبل شركات النفط بعكس إنخفاض سعر النفط الخام على سعر صفيحة البنزين وذلك بهدف الإستفادة من الأسعار العالية بحكم أن أرباحها تزيد مع إرتفاع الأسعار. وتُظهر الحسابات أن إرتفاع أسعار النفط الخام واكبه بشكل أسرع إرتفاع في سعر صفيحة البنزين 95 أوكتان. بالطبع لا يجب الإستنتاج أن هذا يعني إتهام لشركات النفط، لكن الشفافية في الحسابات مطلوبة والجدول المتواجد على صفحة وزارة الطاقة والمياه غير كافٍ للقول أن هناك شفافية في وضع التسعيرة. النظرية الإقتصادية لا تقبل بأن تكون شركة في حال خسارة مالية، لأن النظام الإقتصادي يقوم بمحوها من السوق. لكن المنافسة بين الشركات النفطية هي ضمانة لأن تكون الأرباح مقبولة خصوصاً أن لبنان يستورد سنوياً ما يوازي 5 مليار دولار أميركي مشتقات نفطية (أرقام 2014) أي ما يزيد عن 2

  • الأولى هي وضع جهة ثالثة من المُجتمع المدني لمراقبة وضع جدول الأسعار. وهذا الأمر لا يعني بالضرورة قلّة ثقة بالدولة و/أو الشركات النفطية بل هو عامل إطمئنان للمُستهلك وصورة جيدة للشركات النفطية التي تقول في كل تصريحاتها أن الأمور شفافة وبالتالي لا يوجد مانع أن يكون هناك جهة رقابية على عملية وضع الأسعار خصوصاً أن الدولة لا يحق لها رفض التسعيرة.
  • الثانية هي إستكمال عمل اللجنة التي وضعها وزير الطاقة والمياه الذي عبّر في ما مضىى عن عدم رضاه عن عملية وضع جدول التسعيرة. هذه اللجنة الفنية يجب إشراك أشخاص تقنيين من المُجتمع المدني ومن الشركات النفطية فيها لكي تُحفظ حقوق الطرفين.
  • الثالثة تحرير قطاع النفط عبر إقرار مشروع المنافسة الذي هو الضمانة الأساسية للمُستهلك في أن الأسعار تقترب من سعر الكلفة وبالتالي فإن أرباح الشركات هي أرباح عادلة لأنه وكما قلنا سابقاً النظام الإقتصادي لا يقبل شركات تخسر.

 وفي الإنتظار إرتفعت أسعار النفط العالمية هي نهاية الأسبوع المُنصرم إلى 39.5 دولار أميركي تحت تأثير تراجع المخزون الأميركي. فهل سينعكس هذا الإرتفاع في سعر صفيحة البنزين لهذا الأسبوع؟ الجواب نهار الأربعاء القادم.   

Print Friendly, PDF & Email