Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

الكهرباء عصب الاقتصاد: إلزامية الحلول

لا يختلف اثنان على حقيقة أن لبنان يحتاج إلى إنشاء معامل إنتاج طاقة كهربائية جديدة. هذه المعامل التي من المفروض أن تُنتج ما يزيد عن 3800 ميغاواط، تواجه عدة مشاكل على رأسها التمويل، التشريع، المواقع… فكيف يُمكن للشراكة مع القطاع الخاص أن تحلّ هذه المشاكل؟  منذ أكثر من 30 عاماً وقطاع الكهرباء في لبنان يُعاني من نقص كبير في الإنتاج. هذا النقص كان سببه في البداية الأعطال الناتجة عن الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، لكن الأسباب تغيّرت لاحقاً وأصبحت بسبب نقص الإستثمارات في تجديد الوحدات الإنتاجية. فعمر المعمل الحراري الطبيعي يتراوح بين 20 إلى 30 عاماً، وبالتالي تخطت كل المعامل في لبنان تقريباً هذا المعدل لتُصبح بذلك رهينة وقف فجائي نتيجة تسليمها الروح.

أهمية الكهرباء في الناتج المحلّي الإجمالي الكهرباء هي عصب الإقتصاد إن في لبنان أو في العالم. إذ من المعروف أن النفط يُساهم في تصنيع أو إستهلاك ما يزيد عن 9

خيار الشراكة مع القطاع الخاص إن الإقتصادات المُتطورة لم تعد تعتمد على القطاع العام لتمويل وإدارة قطاع الكهرباء. ويعود السبب إلى تقاعس الحكومات إلى لعب دور فعّال في هذه المجال على مثال بريطانيا التي قامت على عهد المرأة الحديدية بخصخصة كل المرافق العامة بما فيها الكهرباء وبالتالي أصبح إنتاج، توزيع وبيع الكهرباء من صلب إختصاص القطاع الخاص. حتى إن الدول ذات الإتجاه الإشتراكي، كفرنسا، قامت بخصخصة قسم من قطاع الكهرباء بواسطة الأسواق المالية. كل هذا للقول أن القطاع الخاص يبقى أكثر فعّالية وأكثر واقعية في تلبية حاجات الإستهلاك في قطاع الكهرباء. بالطبع الخصخصة بالمطلق هي شيء يُمكن القيام به لأسباب قاهرة وبحجم محدود جداً، لأن في الخصخصة بالمطلق تحوي تضارب بين منطق المصلحة الذاتية العقلانية ومبدأ المصلحة العامة التي قد تواجه الشركات. وإذا كانت بريطانيا قد إستطاعت مجارة الأمور فهذا بسبب قوة أنظمتها التشريعية والرقابية التي لا تسمح بمثل هذه الثغرات. خيار الشراكة مع القطاع الخاص في لبنان نابع من مبدأ أن الدولة عاجزة عن تمويل الإستثمارات في قطاع الكهرباء كما والفساد المُستشري في هذا القطاع إن من ناحية القطاعات الأخرى المُستفيدة أو من ناحية المافيات المتواجدة والتي تؤثر على أصحاب القرار. لكن الشراكة مع القطاع الخاص قد تأخذ منحى دراماتيكيا مع وجود الفساد حيث أن عقد موقع مع شركة معينة قد يكون كارثيا في حال لم تُطبق الشركة البنود المُتعلقة بها بسبب التركيبة الطائفية والحزبية في لبنان وضعف القضاء الذي يرزح تحت ثقل السياسة في غياب إستقلاليته. لذا يتوجب على هذه الشراكة مع القطاع الخاص أن تكون على النحو التالي:

  • أولاً: تقسيم قطاع الكهرباء إلى ثلاثة قطاعات مُختلفة: الإنتاج، التوزيع، والتسويق؛
  • ثانياً: تحرير كل قطاع من هذه القطاعات بشكل تتواجد فيه المُنافسة بشكل مفتوح داخلياً وعالمياً؛
  • ثالثاً: منع الشركات من التواجد في أكثر من قطاع وذلك إحتراماً لمبدأ المنافسة الحرّة ومبدأ الإختصاص إذ من غير المعقول أن تكون الشركة مُختصة في كل السلسلة الإنتاجية؛
  • رابعاً: منع شركة واحدة من السيطرة على قطاع من هذه القطاعات حتى ولو كانت أسعارها أفضل من غيرها وذلك إحتراماً لمبدأ عدم التعلق بمورّد واحد مبرراً بمبدأ المحافظة على المصلحة العامة. ماذا يحصل إذا ما أفلست الشركة المعنية؟
  • خامساً: يتوجب على الحكومة أن تعي أنها هي الطرف الأساسي في هذه الشراكة ومحاربة الفساد على صعيد أجهزة الرقابة يجب أن تكون جدّية وفعلية.

هذه الشروط أساسية وغيابها يعني فشل الشراكة بين القطاع الخاص والعام وستكون التجربة كما سابقاتها فاشلة وستؤدي إلى كوارث ككارثة النفايات وغيرها.

خيار الطاقة الأولية ونوع المعامل الإنتاجية هناك عدة أنواع من المعامل لإنتاج الطاقة الكهربائية حيث أن الخيار بين أحد هذه الأنواع يعتمد على عدة عوامل: بيئية، مالية، تشغيلية… ويبقى من بعيد الشق المالي هو الأهم بين هذه العوامل وهو ما يُحدّد نوع المعمل الذي يجب إنشاؤه. وتنقسم كلفة إنشاء وتشغيل معمل إنتاج كهرباء إلى شقين:

  • الكلفة الثابتة: وتتضمن (1) رأس المال والتمويل – التكلفة الإجمالية، (2) تكلفة التأمين على محطة الطاقة، (3) الضرائب العقارية، (4)كلفة الصيانة والتشغيل الثابتة بما فيها التوظيف وغيرها من التكاليف التي لا تتعلق بساعات التشغيل؛
  • الكلفة المُتغيرة: وتتضمّن (1) تكلفة الوقود المستخدم، و(2) كلفة الصيانة والتشغيل المُتعلقة بساعات التشغيل.

وتُظهر الإحصاءات أن معمل طاقة كهربائية يعمل على الغاز من نوع Advanced Combined Cycle هو الأقل كلفة وبالتالي فإن خيار لبنان يجب أن يكون معامل من هذا النوع خصوصاً أن لبنان يمتلك ثروة غازية هائلة لا تزال قابعة في قعر البحر في المنطقة الاقتصادية الخالصة ما يعني أنه وفي المُتسقبل سيتمكن لبنان من تمويل هذه المعامل بالغاز اللبناني.  القرار وتحليل المخاطر: مفهوم الـ Downside Risk إن القرار الواجب إتخاذه للخوض في تجربة الشراكة مع القطاع الخاص في مجال إنتاج الطاقة الكهربائية يعتمد بشكل أساسي على دراسة تقوم بها الحكومة (أو شركة تُمثلها – الإستشاري). هذه الدراسة تأخذ في الإعتبار عدّة سيناريوهات مع المخاطر التي تواكبها وتعمد إلى إدخالها كما والتداعيات المالية في شجرة تُسمّى (Decision Tree). هذه الشجرة تسمح بأخذ كل الإحتمالات في الإعتبار وتُحول المخاطر إلى أرقام مالية يتمّ من خلالها تقييم الوضع في حال تمّ الذهاب في سيناريو من بين السيناريوهات المُقترحة. هذا النوع من القرارات تعتمده معظم الشركات في قراراتها الإستثمارية وبالتالي فإن نجاح هذه الطريقة تمّ إثباته من خلال نجاح القطاع الخاص. في الختام لا يسعنا القول إلا أن وضع الكهرباء في لبنان أصبح معيباً للبنان حكومة وشعباً كما وأن هذا القطاع، بإعتقادنا، مسؤول عما يزيد عن نصف الدين العام اللبناني. لذا يتوجب على الحكومة الإسراع في بتّ هذا الموضوع على أساس الشروط المنصوص عليها في هذا المقال لأن عدم الإلتزام بها سيؤدي إلى إستمرار نزف الخزينة ومعها جيبة المواطن اللبناني رابط البلد   

Print Friendly, PDF & Email