Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

كل عام وأنتم عمّال

إنه الأول من أيار عيد العمّال، عيد الطبقة الكادحة التي تُطبق الشريعة الإلهية. نعم إنها تُطبق الشريعة الألهية التي وبحسب الكتب السماوية، تنص على أن العمل هو أساس الوجود. لكن أين لبنان من حقوق عُمّاله؟  أروع ما يُمكن قراءته في الكتب السماوية هو نشأة الكون حيث أن الله عزّ وجلّ خلق كل شيء من العدم، بدون عنف، ودون كسر كل ذلك في ستة أيام وإستراح في اليوم السابع. هذا الأمر يُشكّل التبّرير الإجتماعي والفلسفي للعمل ويؤكد أن لا شيء يُمكن خلقه دون عمل بما في ذلك المال والسلع والخدمات. في أبحاثه عن طبيعة وأسباب ثروات الأمم في العام 1776 يقول “أدام سميث”، الباحث الإقتصادي والإجتماعي، أن مصدر الثروات يكمن في عمل الإنسان وليس في ثروات الأرض كما يقول علماء فلسفة الطبيعة. هذا القول أتى في صلب الثورة الصناعية في ذلك الوقت وأسّس لتقسيم العمل في أطر تشغيلية وإختصاصية. ينصّ التعريف العام للعمل على أنه النشاط الذي يقوم به الإنسان لخلق سلع وخدمات. أما التعريف الضيّق فينص على أنه يُعتبر “عمل” كل نشاط يؤدي إلى خلق سلع وخدمات ذات قيمة بالنسبة للأخرين على مثال “هنري والن” الذي عرّف العمل بالنشاط الذي يُساهم بخلق خدمات للأخرين بهدف تأمين خدماته الشخصية. “ستيغليتز” ومن بعده الإقتصاديون عمدوا إلى إستخدام كلمة عمل الأعمال الوظيفية، التطوعية، والأعمال المنزلية كما قام “جاك فريسينت” بالتفريق بين العمل مقابل أجر والعمل تحت القوة (الإستعباد، الأشغال الشاقة…) في إطار الأعمال التجارية وغير التجارية. لكن العمل أعطى بعداً إجتماعياً جديداً للإنسان ألا وهو الإنتماء الإجتماعي حيث نرى أنه داخل المُجتمع الواحد، يتكتّل الأشخاص بحسب طبيعة عملهم وحتى أن بعض العادات الإجتماعية تأتي كنتيجة لهذا الإنتماء الإجتماعي. لماذا يعمل الإنسان؟يقول “دومينيك ميدا” أن مفهوم العمل هو نتيجة لتراكم ثلاثة مفاهيم: عوامل الإنتاج (القرن الثامن عشر)، عمل الإنسان (القرن التاسع عشر)، وتوزيع الثروات (أواخر القرن التاسع عشر). هذه الأبعاد الثلاث هي السبب في التفسيرات المُتناقضة للعمل والنتائج التي بعّدت وجهات النظر بين الأنظمة الإقتصادية العالمية (الرأسمالية، الإشتراكية، الشيوعية…). فكارل ماركس يرى أن العمل هو إستمرار لكيان الإنسان ووجوده إذ أنه بالعمل يتلقى الإنسان الإعتراف بوجوده ويخلق نوع من التضامن بين الأشخاص. هذه العبارة الأخيرة – أي التضامن بين الأشخاص – هو أساس في السياسات الإجتماعية ويُفسّر السياسات الشيوعية والإشتراكية التي تدعم العاطلين عن العمل بمساعدات مالية، من السياسات الرأسمالية التي تقول أن دعم العاطلين عن العمل يُسبب وقف البحث عن العمل وبالتالي يُصبح العاطل عن العمل، عاطل دائم عن العمل. العمل في ظل السياسات الإجتماعيةترى النظرة الشيوعية العمل على أنه أساس وضرورة للإنسان وبالتالي هناك إلزامية للعمل تفرض خلق عمل لكل إنسان. وتنص على وجوب توزيع عادل للثروات بين العمال. وترى أن الإنسان هو إنسان بما يعمله وليس بما يمتلكه لذا نرى أن الكيانات الشيوعية تُصادر كل الأملاك وتضعها بإسم الدولة. أما النظرة الرأسمالية فترى أن وجود الإنسان في المجتمع هو خياره وبالتالي مفروض عليه إيجاد عمل وتقول أن التوزيع العادل للفرص كفيلة بخلق الثروات وتوزيعها بحسب الجهد الفردي للشخص. في ما النظرة الليبرالية الإجتماعية فترى في العمل حق إجتماعي يتوجب على السلطات خلقه للمواطن. هذه السياسة لا تؤيد نظرية الـ assistanat للأفراد بل تعمل على الأنظمة والقوانين لخلق إطار يسمح بإستيعاب كل الأفراد عبر التحفيزات والردع. العمل والحد الأدنى للأجورتحوّل العمل في عصرنا الحالي إلى معادلة بسيطة فرضها التعلق الكبير بالإستهلاك المُنتج من قبل الإنسان. هذه المعادلة عبارة هي “للعيش يجب العمل”. لذا نرى أن ضرورة العمل أصبحت مُلاصقة للحاجات الفيزيولوجية للإنسان (أبراهام ماسلو) وبالتالي يُطرح السؤال عن الحد الأدنى للأجور وقدرة العامل على تلبية هذه الحاجات من عمله. يرى الشيوعيون في الحد الأدنى للأجور وسيلة للجم طمع أرباب العمل الذين يستغلون العامل، أما الرأسمالية فترى أن الحد الأدنى للأجور هو العمل في حده الأدنى الذي يتوجب على الفرد ليُصبح مفيداً في العملية الإقتصادية. لكن أجمل نظرة للحد الأدنى للأجور تبقى بدون شك النظرة الليبيرالية الإجتماعية التي ترى في الحد الأدنى للأجور عتبة إنسانية تسمح للفرد بالعيش بكرامة في ظل نظام سوق قد يأخذ أبعاداً شرسة في بعض الأحيان (إحتكار…). عمّال لبنان وسلسلة الرتب والرواتبلا يختلف إثنان على أن سلسلة الرتب والرواتب هي حق للعامل اللبناني وإقراراها هو ضرورة للحفاظ على كرامة هذا العامل وعمله المُقدس. لكن مجرى الأحداث يُظهر أن المسؤولين من سياسيين ونقابين لا يريدون هذه السلسلة وإلا لكانوا وجدوا الحلّ. المُشكلة تبدأ بالهدر والفساد المُستشريين في كنف نظامنا الإقتصادي–الإجتماعي والذي يجعل من خزينة الدولة صندوق شبه فارغ بشكل دائم. ويدعم هذا الوضع غياب خطط إقتصادية تُحصّن الماكينة الإقتصادية وبالتالي النمو لإمتصاص العجز المُزمن الذي تُسجّله الخزينة. إن حصول العمّال على حقوقهم لا يمرّ بالضرورة عبر زيادة حساباتهم في المصارف كما تظن الأغلبية. لنأخذ مثال موظف قام بقبض 30 مليون ليرة نتيجة حقوقه (مفعول رجعي). من البديهي القول أن هذا الموظف سيقوم بسدّ ديونه (أو قسم منها)، شراء ألبسة لعائلته ولما لا سيارة. لكن هناك قسماً من هذه الأموال تُقدّر بين 40 إلى 50 في المئة مما يقبضه ستذهب حتماً إلى الحساب المصرفي للموظف ليقوم بتجميدها. هذا يعني أن الدولة اللبنانية ستقترض على سعر فائدة 7 في المئة من المصارف لتدفع للموظفين حقوقهم، هؤلاء سيعمدون إلى وضع نصف المبلغ في المصرف الذي أقرض الدولة بفائدة لا تزيد عن 3 في المئة! هذا الأمر غير مقبول ولا يوجد حلّ آخر إلا عبر دفع قسم من حقوق الموظفين على شكل سندات خزينة بفائدة مماثلة للفوائد التي تدفعها الدولة للمصارف. نعم هذا الحل هو الأفضل لأنه لا يضع ضغطاً على المالية العامة وحقوق الموظفين محفوظة بحكم أنه يُمكنهم بيع هذه السندات عند الحاجة. ولمن يقول أن دفع السلسلة نقداً سيدعم الإقتصاد نقول أن الإستهلاك في لبنان يوازي تقريباً 10

Print Friendly, PDF & Email