Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

دعم الاقتصاد يبدأ بتسليح الجيش

إن فصل الاقتصاد عن السياسة والأمن يبقى من شبه المُستحيلات في بلد كلبنان ثقافته ثقافة حرب وتخوين ولا عقلانية. وفي ظل الإنقسام السياسي الحاد الذي يضرب لبنان، يُطرح السؤال “أي مُستقبل للبنان ولإقتصاده في ظل إستمرار الهشاشة الأمنية التي كانت أخر فصولها العمليات الإرهابية في القاع؟”. إن المشهد السياسي اللبناني يبقى قاتماً ولا يوحي بأي حلحلة خصوصاً مع تدويل الإستحقاقات اللبنانية حيث تلعب القوى الخارجية دور المحرك للصراعات الداخلية وتمنع أي إتفاق بين اللبنانيين. وعلى هذا الصعيد، نرى أن التخوين هو اللغة السياسية المُعتمدة في المخاطبة بين الأفرقاء الذين يمتنعون عن الجلوس مع بعضهم البعض ويتراشقون تُهم التخوين عبر محطات التلفزة والراديوهات. وهذا الأمر يُذكرنا بالحرب ضد الأمبريالية والتي أدّت إلى تخوين الأنظمة العربية من قبل بعضها البعض مما دفع البعض مها إلى إعتماد إستراتيجية محاربة الأمبريالية كأدة للصراع على السلطات داخل البلدان العربية وكل هذا أضعف الأنظمة العربية. وأخذت الأمور أبعاداً دينية مع “شيطنة” الخصم وبالتالي وقف التفاوض وإعتماد الحرب. وبالحديث عن الحرب، نرى أن هذه الثقافة تُرافق اللبناني منذ زمن الإستقلال مروراً بالصراع العربي الإسرائيلي والحرب اللبنانية وصولاً إلى عدوان تموز 2006 وأحداث 7 أيار. الهدف من هذه الثقافة هو حلحلة الوضع السياسي على مثال إتفاق الطائف وإتفاق الدوحة. وعلى طريقة “التبّولة اللبنانية” وليكتمل المشهد السياسي اللبناني يجب ذكر أمرين إضافيين: الأول يطال تضارب الروايات حيث أن نفس الحدث ينتج عنه عدة روايات لوصف نفس المشهد وبالتالي صفّ الأحداث بطريقة تُنتج سلوك معين لدى عامة الشعب يدعم المُعارضة ويؤمن إستمراريتها. والثاني اللاعقلانية التي يتصف بها بعض المسؤولين والتي تؤدي إلى تراكم الأخطاء حيث أن إرتكاب خطأ يدفع بالشخص إلى إرتكاب خطأ آخر ظناً منه أنه تصحيح للأول وبالتالي الدخول في دوامة الأخطاء التي تؤدي إلى وقف الحوار وتشبصّ كل فريق على موقفه. وبالتالي يُمكن الإستنتاج أن أخذ القرارت السياسية والإقتصادية لا تمرّ إلا بالتوافق تحت طائلة التأزيم السياسي والأمني. وبالتحديد هذا الأخير – أي الأمن – هو عنصر أساسي من عناصر الثقة في الاقتصاد وبالتالي الإستثمار وخلق فرص العمل والنمو. إن هاجس السيارات المُفخخة أو إقتحام العناصر المُسلحة للمناطق اللبنانية يُلقي بظله على قطاعين أساسيين: السياحة والإستثمارات. وهذه الأخيرة هي ما ينقص الاقتصاد اللبناني لكي ينمو ويخلق فرص عمل. أضف إلى ذلك أن الإستراتيجيات الدفاعية الوطنية في الدول المُتطورة ترتكز على ثلاثة أسس: الحفاظ على سيادة البلد وحماية حدوده، حماية المواطن، وحماية مصالح البلد وعلى رأسها المصالح الاقتصادية. وهنا نرى أن المثال الأميركي بالتحديد هو من أكثر الأمثلة تعبيراً عن أهمية الماكنية العسكرية في تأمين عنصر الثبات للماكينة الاقتصادية. إذ أن الأميركيين يضعون الشق الاقتصادي في سلم أولويات إستراتيجياتهم الدفاعية ويستخدمون الماكينة العسكرية للدفاع عن مصالحهم الاقتصادية. لذا نرى أنه في ظل هذه الظروف، من المفروض تعزيز دور الجيش اللبناني الذي أثبت أنه يتبع أوامر السلطة السياسية بحذافيرها حتى ولو كانت هذه الأوامر على حساب الجنود وحياتهم. الجيش اللبناني ينقصه التسليح وإذا كانت القوى الغربية فرضت حظراً على تسليحه منذ بدء الصراع العربي – الإسرائيلي وذلك خوفاً من أن تكون وجهة السلاح الجبهة الجنوبية، إلا أن المعطيات الإقليمية والدولية تغيرت والخطر على لبنان أصبح من نوع أخر. تسليح الجيش اللبناني يشمل شراء السلاح الذي يستطيع فيه الجيش حماية الحدود خصوصاً الحدود الشرقية والشمالية من إنتهاكات المجموعات المُسلحة. وهذا السلاح يشمل الصواريخ الذكية القصيرة المدى إضافة إلى طائرات هليكوبتر مزودة بسلاح يُلائم الطبيعة الوعرة للحدود. هناك أيضاً الشق الرقابي والذي يتضمّن طائرات الـ “درون” لمراقبة الحدود التي لا يُمكن مراقبتها من قبل الجنود نظراً لطولها ووعورة الجغرافيا فيها. ناهيك عن تجديد الآليات العسكرية والسلاح الفردي للجنود والستر الواقية من الرصاص والمعدات والأجهزة الإستخباراتية التي تُعتبر العنصر الوقائي الأساسي ضد الإرهاب. في اللغة العسكرية لا يُمكن إعتبار هذه الأسلحة أسلحة إستراتيجية يُمكنها أن تُهدد أمن إسرائيل كصورايخ الـ S300 والـ S400 والتي من المُمكن أن تطال العمق الإسرائيلي. لذا لا نرى لماذا يُمكن للولايات المُتحدة الأميركية أن تعترض على تسليح الجيش اللبناني وهي التي تزوده حالياً بالأسلحة لمواجهة الهجمة الداعشية على الحدود الشرقية. هذا الأمر يتطلب تمويل من الدولة اللبنانية على وتيرة 500 مليون دولار سنوياً خلال 4 إلى خمس سنوات كما وتمويل مصانع لإنتاج الرصاص والأسلحة الخفيفة التي يحتاجها الجيش وقوى الأمن الداخلي في عملياتهم اليومية. أهذا بالكثير لكي نُحصّن الاقتصاد اللبناني؟ بإعتقادنا لا يُمكن الحديث عن أي نهضة إقتصادية إذا لم تبدأ بتسليح الجيش اللبناني الذي يُشكّل الضمانة الوحيدة لفرض الأمن على الحدود ومؤازرة قوى الأمن الداخلي في فرض الأمن الداخلي في لبنان خصوصاً أن لبنان قادم على عصر النفط والغاز وبالتالي من الواجب على هذا الجيش أن يكون على أهبة الإستعداد لحماية مصالح لبنان من الداخل والخارج.

Print Friendly, PDF & Email