Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

خطر الأزمة المالية حفّز الاتفاق السياسي على الإسراع في إقرار الموازنة العامة الإصلاح والتقشّف ضروريان وقطع الحساب والمحكمة الدولية قد يحدّا من سرعة التوافق

موريس متى

تراجعت أسهم ملفات الانترنت غير الشرعي والنفط والنفايات والتلوّث في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء لمصلحة الملف المالي اذ كانت نجمة هذا الاجتماع الموازنة الغائبة منذ أكثر من 10 أعوام لخلافات سياسية ومالية. واليوم تعود الى الواجهة ضرورة إقرارها بأسرع وقت ممكن،لإعادة تصحيح وتقويم الوضع المالي وصولاً الى تدعيم النهوض الاقتصادي، ولكن هل ستتخطى القوى السياسية مشكلة “قطع الحساب” وصولاً الى اقرار الموازنة؟  أقرّ مجلس الوزراء في جلسته الاخيرة وبإلاجماع ضرورة إقرار موازنة سنة 2017 خلال المهل الدستورية ووفقاً للأصول، مع ظهور ملامح اتفاق سياسي بين مكوّنات الحكومة حول ضرورة إقرار هذه الموازنة، وصولاً الى إقرارها من خلال مرسوم وفق المادة 86 من الدستور في حال تعذر انعقاد مجلس النواب. فالتقرير الذي وزعه وزير المال علي حسن خليل على مجلس الوزراء كان كفيلاً بعرض الواقع المالي المتعثّر والمتأزم الذي آلت اليه الامور في لبنان، مع ما يحمله غياب الموازنات من تداعيات سلبية على المالية العامة. ولكن الغريب في الأمر، أنه وعلى الرغم من المعطيات التي زوّد بها وزير المال مجلس النواب والتي أشارت إلى تردّي الوضع المالي، خرج بعض الوزراء بتصاريح متفائلة تؤكد أن الوضع المالي متراجع ولكنه ليس بكارثي. في هذا السياق، يقول الخبير الإقتصادي والاستراتيجي البروفسور جاسم عجاقة إن “الوضع المالي في لبنان قطع الخط الأحمر ومن الصعب اليوم الحديث عن إجراءات تصحيحية بسيطة وسطحيّة لترقيع ما يمكن ترقيعه. فغياب الموازنة عشر سنوات رفع الدين العام من ٣٨,٥ مليار دولار في العام ٢٠٠٥ إلى ٧٠,٥ ملياراً أواخر العام ٢٠١٥ أي أن الدين تضاعف، والسبب الرئيسي وراء هذا الأمر هو غياب الموازنات والصرف على أساس القاعدة الإثني عشرية مع بدعة فتح الاعتمادات من خارج الموازنة.” إنفاق عشوائيالجدير ذكره أن الموازنة تُسجّل عجزاً مُقلقاً مع أكثر من 4 مليارات دولار كمعدل سنوي منذ العام 2004، مع استمرار زيادة الإنفاق عشوائياً من دون مراقبة ولا ضوابط وفتح مستمر للاعتمادات من خارج الموازنة بحجة تغطية نفقات واكمال مشاريع. وفي هذا السياق، يعتبر عجاقة أن “الإنفاق العام في لبنان مُفرط ويطاول بالدرجة الأولى بند الأجور والتعويضات والتقاعد والذي ارتفع من٢,٦٥ ملياري دولار في العام ٢٠٠٨ إلى٤,٧٢ مليارات في العام ٢٠١٥ مُثبتاً بذلك السياسة التوظيفية غير الحكيمة التي تتبعها الدولة اللبنانية خصوصاً أن الإيرادات العامة تراجعت وتالياً أصبحت الدوّلة مُلزمة الاستيدان لدفع رواتب القطاع العام.” وبحسب الارقام الرسمية، يُشكّل بند الأجور والتعويضات والتقاعد نصف إيرادات الدولة اللبنانية لعام ٢٠١٥. أضف إلى ذلك أن خدمة الدين العام تُشكّل النصف الآخر مع ما يقارب ٤,٧ مليارات دولار في العام ٢٠١٥ مقارنة بـ ٣,٥٤ مليارات في العام ٢٠٠٨، ما يعني أن خدمة الدين العام تزداد في وتيرة أسرع بكثير من وتيرة النمو، مما يُنذر بفقدان الانضباط المالي. علماً أن “الميزان الأوّلي الذي يستخدمه الاقتصاديون لتحليل ديناميّة الدين العام، يجب أن يُسجّل فائضاً أعلى من قيمة خدمة الدين العام ليتحقق الانضباط المالي، لكن البيانات التاريخية تُظهر أن الميزان الأوّلي في لبنان يُسجل فائضاً بمُعدّل ٨٠٠ مليون دولار مع تسجيله عجزاً في الأعوام ٢٠١٢ عند ١١٠ ملايين دولار وفي العام ٢٠١٣ عند ٢٤٠ مليون دولار، وتالياً يُعاني هذا الميزان من عجز هيكلي، وحتى عند تسجيله فائضاً يبقى هذا الأخير أقل بكثير من خدمة الدين التي بلغت 4,7 مليارات دولار لعام ٢٠١٥. إيرادات ضعيفةمن ناحية الإيرادات، يبدو ان ثمة مشكلة أيضاً بالنسبة الى خزينة الدولة. فهذه الايرادات تراجعت نتيجة انكماش النشاط الاقتصادي. وقد تراجعت الضرائب الأساسية وعلى رأسها الضريبة على القيمة المُضافة من ٣٣٠٢ مليار ليرة في ٢٠١٤ إلى ٣١٥٩ ملياراً في ٢٠١٥ كما تراجعت إيرادات الضريبة على الأرباح من ١١١٩ مليار ليرة في ٢٠١٤ إلى ١١٠٣ مليارات في ٢٠١٥. والجدير ذكره أن أرقام وزارة المال تُشير إلى أن ثمة زيادة في الإنفاق العام في الأشهر الثلاثة الأولى من سنة ٢٠١٦ بنسبة ٢٣,١٪ مقارنة بالفترة نفسها من العام ٢٠١٥، وارتفعت في المقابل الإيرادات بنسبة ١٦,٦٪ عن الفترة نفسها. وتعليقاً على هذا الموضوع، يعتبر عجاقة “ان الاتفاقات التجارية مع دول الخليج ومنها اتفاق التيسير العربي واتفاقات الشركات الاوروبية أدت الى تراجع مداخيل الدولة اللبنانية خصوصاً منذ آذار ٢٠١٥ موعد دخول اتفاق التبادل التجاري مع أوروبا حيّز التنفيذ.” في المقابل، بدأ الحديث جدياً عن إمكان اتخاذ إجراءات ضريبيّة تساهم في زيادة الايرادات وإلحاق سلسلة الرتب والرواتب ضمن الموازنة العامة مع الإجراءات الضريبية التي وُضعت بحجتها، ومنها فرض ضريبة على البيوعات العقارية ورفع الضريبة على ربح الفوائد وشمول المصارف بها، بالاضافة الى تعديل نظام التقاعد في الدولة وإمكان زيادة تعرفة الكهرباء. وتعليقاً على هذا الموضوع يقول عجاقة: “قبل كل شيء يجب وقف مهزلة القاعدة الإثني عشرية وبدعة الاعتمادات من خارج الموازنة. فهذا الأمر ضاعف الدين العام وثبّت العجز في الموازنة كأنه بند من بنودها وهو غير مقبول. ويجب أيضاً إقرار موازنة تقشفيّة إذ لا يُعقل أن يكون هناك تراجع في الإيرادات وفي المقابل زيادة في الإنفاق”. ويضيف: “هذا الواقع التعيس الذي تعيشه المالية العامّة يحتاج إلى جرأة من الحكومة للجم خدمة الدين العام تحت طائلة الإفلاس. وإذا كان البعض يعتقد أن المصارف ستُموّل إلى ما لانهاية فهو خاطئ لأنها تدفع الفاتورة من تصنيفها الائتماني. أما في ما يخصّ الثروة النفطية والغازية فالتعويل عليها ليس خياراً صائباً مع احتمال مضاعفة الدين العام مرّة أخرى حتى ذلك الوقت.” الموازنة بالتأكيد هي قرار سياسي وليست موضوعاً تقنياً، ويبقى اقرارها معلقاً حتى تتم معالجة مشكلة قطع حساب الموازنات السابقة. كذلك لاحت في الافق أيضاً مشكلة قد تضع حداً لهذه الآمال السريعة بإقرار الموازنة، وهي فرض بعض الوزراء وجوب الاعتراف باعتمادات المحكمة الدولية ضمن الموازنة، ما قد يشعل سجالاً مع وزراء 8 آذار وتحديداً وزراء “حزب الله.”

Print Friendly, PDF & Email