jassemajaka@gmail.com
تخفيض تصنيف لبنان مرتبط بإقرار إجراءات لاحتواء تردّي وضع المالية العامة… فما المطلوب؟
في ظل استمرار تردّي وضع المالية العامة في لبنان والإزدياد المُفرط في الإنفاق العام، يعود ملف تصنيف لبنان الإئتماني واحتمال تخفيضه من مؤسسات التصنيف الدولية إلى الواجهة، رغم الاستبعاد المستمر لخطوة مماثلة من المسؤولين عن السياسة النقدي في لبنان وعلى رأسهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. إلاّ أن تسارع تطور أوضاع المالية العامة يطرح تساؤلات عن مدى قدرة لبنان على المحافظة على تصنيفه.دقّ وزير المال علي حسن خليل ناقوس الخطر في الأيام الماضية حيال وضع المالية العامة المتأزم. هذا الأمر دفع بمجلس الوزراء إلى مناقشة تقرير أعده الوزير خليل عن الوضع الماكرو إقتصادي بالاضافة الى الخطة التي وضعتها وزارة المال لاحتواء التردّي المالي. فالأرقام الرسمية، تُثبت تراجع الوضع المالي والوضع الاقتصادي على حدّ سواء مع تسجيل ميزان المدفوعات تراجعاً مُستمراً إذ سجّل عجزاً منذ العام 2011 وحتى العام 2015 (1996 مليون دولار في العام 2011 و1537 مليوناً في العام 2012 و1128 في العام 2013 و 1408 في العام 2015 و3354 في العام 2015، كما تراجع مؤشر التضخم بشكل خطير من 4٪ في العام 2010 ليسجل مستويات سلبياً في نهاية العام 2015 (-3,7٪) وهذا التراجع يشكل نذير شؤم لأن استمرار تسجيل نسب تضخم سلبية يعني دخول الاقتصاد في انكماش، علماً أن هذه المرحلة تعتبر من الأخطر إقتصادياً. كما لاحظ تقرير الوزير خليل تراجعاً في نمو الودائع المصرفية من 11.9٪ في العام 2010 إلى 5٪ في العام 2015 وذلك نتيجة عوامل أبرزها التضييق الدولي على المصارف اللبنانية والعقوبات التي طاولت أموال السوريين و”حزب الله”. أما في ما يتعلق بالنمو، فإن الأرقام الواردة في التقرير تُظهر نمواً بنسبة 2٪ في العام 2014 و1٪ في العام 2015 وهي أرقام أعلى من الأرقام التي يتفق عليها الإقتصاديون والمؤسسات الدولية والتي تدور حول 1,5٪ للعام 2014 و1٪ للعام 2015. أما الإيرادات نسبة إلى الناتج المحلّي الإجمالي فهي في تراجع مُستمر ايضاً منذ العام 2010 مع 21.9٪ حتى سجلت 18.9٪ في العام 2015. وعند التدقيق في الارقام، يمكن التأكد أن التراجع الأساسي سُجل على صعيد الإيرادات الضريبية التي تشكل مؤشراً مهماً بالنسبة الى النشاط الإقتصادي للدورة وتشير نتائج هذه الايرادات الى تراجع في النشاط الاقتصادي. أما في ما يخص حجم الإنفاق، فقد بقي بندي “الأجور والتعويضات والتقاعد” و”خدمة الدين العام” من أكثر البنود التي شهدت تضخماً منذ العام 2005 وحتى العام 2015. ولكن اللافت في تقرير وزير المال ما يتعلق بحجم الدين العام نسبة للناتج المحلّي والذي ارتفع من 131٪ في 2012 إلى 139٪ في 2015 ليعود إلى إتجاهه التصاعدي مع ارتفاع الدين العام الداخلي. وقد ارتفع حجم الإصدارات حتى أيار 2016 ليفوق 3.4 مليارات دولار (علماً أن خزينة الدولة ستحتاج الى ما بين 1.5 إلى 2 ملياري دولار حتى نهاية 2016، ما يعني أن حجم الإصدارات سيفوق الـ 5 مليارات دولار تضاف للدين العام المتوقع)، ما سيحمل تداعيات حتمية على التصنيف الإئتماني للبنان مع الاخذ في الاعتبار زيادة عجز الموازنة، وزيادة عجز الميزان الأولي وهي معيار اساسي للإنضباط المالي للدولة. ويبقى السؤال حيال نظرة وكالات التصنيف الإئتماني تجاه هذا الوضع المُتردّي في لبنان وهي التداعيات المحتملة على تصنيف ديون لبنان السيادية. وفق الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة الجواب يأتي عبر مجموعة بيانات تاريخية تُظهر أنه في 2007 تمّ خفض تصنيف لبنان من “وكالة ستندارد أند بورز” من B- Negative إلى CCC+ Stable، وقد جاء نيتجة الشغور الرئاسي وأحداث 7 أيار. وفي الفصل الأول من 2011، تمّ خفض التصنيف مرة جديدة مع غياب الاستقرار السياسي بعد إستقالة وزراء “حزب الله”. أما الفصل الثاني من 2013 فقد شهد بدوره خفض للتصنيف الإئتماني من B Negative إلى B- Negative وذلك نتيجة الازمة السورية وتردّي وضع المالية وزيادة الدين العام. ورغم أن وكالة التصنيف عاودت ورفعت رؤيتها المُستقبلية لتصنيف لبنان الى B-Stable في الفصل الأول من العام 2014ّ بعد تشكيل حكومة جديدة في حينها، إلاّ أنها عادت وخفضت هذه الرؤية إلى نظرة سلبي مع بدء الشغور الرئاسي وتردّي الوضع المالي. وبحسب عجاقة، إذا كان الوضع الأمني حالياً أفضل مما كان عليه في العام 2014، إلا أن الوضع المالي وصل لمستويات أكثر رداءة نسبة الى الأعوام السابقة. وبحسب عجاقة تنص منهجية الوكالات على تقييم التصنيف لبلد مُعين من خلال معايير عدة منها الإطار المؤسساتي مثل الشفافية والمحاسبة والإنتاجية، العوامل الإقتصادية كالتنويع الاقتصادي والثبات المؤسساتي والبطالة، والحوكمة مثل الثبات السياسي والتخطيط بالاضافة الى العوامل المالية كالسيولة والعجز والدين العام. وهذه العوامل تسمح بوضع علامة تُسمّى بالتصنيف الإئتماني وتُساعد المُستثمرين في اتخاذ القرار بشراء أو عدم شراء سندات خزينة تابعة للدولة المعنية. وللتذكير، فان تخفيض تصنيف بلد معين يعني ارتفاع كلفة استدانة هذا البلد من الاسواق الخارجية نتيجة ارتفاع المخاوف من الفشل أو التعثر في التسديد في ظل مصاعب مالية وإقتصادية أو سياسية تواجهه. ولكن خفض تصنيف لبنان لن يؤثر على نشاط قطاعه المصرفي محلياً، بل على علاقاته مع الخارج، اذ يترك التصنيف السلبي بصماته على تعامل هذه المصارف مع المؤسسات والمصارف في الخارج، اضافة الى علاقتها مع رجال الأعمال من مختلف الدول الراغبة في التعامل مع المصارف اللبنانية . ويؤدي خفض التصنيف الى زيادة الفوائد المطلوبة من مستثمرين دوليين في هذه السندات في حال سعت الدولة الى الاستدانة من الاسواق العالمية، ولكن هذا الامر محدود بما ان المستثمرين بالدين السيادي اللبناني هم لبنانيون ولن يطالبوا برفع الفوائد على السندات السيادية.