Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

الشارع اللبناني الأحب على قلوب الخليجيين… هكذا كان، وهكذا هو اليوم

مجد بو مجاهد

الطريق فارغة. والأرصفة مسرحاً لأوراق الأشجار اليابسة. تستمع الى حفيفها بوضوحٍ، وهي تتدحرج. تأمّل المكان من داخل السيارة يوحي بالغربة. لا شيء سوى الهدوء المخيّم على شارعٍ جميل. يكاد هدير سيارةٍ واحدة مقابلة لسيارتك، أو انعكاس ضوئها على العيون في فترة المساء، يعترض السكون. فيحملك الى الصحوة. لافتات المحال مطفأة. أو منزوعة. وأبوابها مقفلة بجراراتٍ استوطنها الغبار.

هذا ما يلاحظه زائر شارع محطّة بحمدون الشهير في البلدة، اذا ما ركن سيارته جانباً، وخرج يتمشّى. ولكن ماذا هناك؟ ضجّةٌ ما، مختلفة. حركة غير اعتيادية تعترض التوصيف. صخب. تقترب الأرجل من مصدر الضوضاء مسرعة. لتكتشف الجديد. انه متجرٌ لبيع البوظة والحلويات. آيس كريم. غير مقفل. يعجّ بالزبائن. ما سرّ ازدحامه في شارعٍ موحش؟ “إن البوظة فيه طيّبة. اسمه معروف. يقصده البيارتة هرباً من القيظ. وهو بالكاد يكون بين المحال القليلة التي أنارت واجهتها هذا العام. لا مبالغة في أن يكتظّ إذاً”. فلنقترب أكثر. هناك متجر حلوى يرحّب بالزبائن. تأمّل بالموسم، فخاب الظن. الطاولات خالية من كلّ شيء سوى من المنفضة. قبل 6 سنواتٍ من اليوم، كان الشارع نفسه محظّراً على السيارات، سوى التي تهوى منها السباحة طوال الليل في جمع الحشود. كنت لتركنها على بعد مئات الأمتار، اذا حالفك الحظ ووجدت مكاناً آمناً، يؤوي عربتك. كنت لتجول مشياً. وكانت عيناك لتنبهر بازدحام الأضواء. بروجيكتورات مطاعم ومقاهٍ، وآرمات متاجر مضاءة. وآلاف السواح الخليجيين الذين يجدون في محطة بحمدون الشارع الأحب على قلوبهم منذ عقودٍ غابرة. فما الذي تغيّر اليوم؟

1200 شقّة في غالبيتها فارغة و5000 وظيفة عمل مهدورة

لعلّ القصد الأبرز لسواح الخليج العربي يدفع ضريبة الحرب السوريّة. هذا ما يشير اليه رئيس بلدية محطّة بحمدون الأستاذ أسطه ابو رجيلي في حديثٍ لـ”النهار” معتبراً أنه عندما كانت طريق الشام سالكة في الماضي بين دول الخليج وسوريا، وعندما لم يكن هناك تحذيرات تنصح الرعايا الخليجيين بعدم التوجه الى لبنان براًّ أو جواً، كان وضع محطة بحمدون مختلفاً. ويضيف أن “التواصل البري بين لبنان ودول الخليج منقطع كليّاً. هذا ما أثّر سلباً على واقع السياحة في مناطق الاصطياف الجبليّة. ورغم ان الأمن في لبنان ممسوك، الا ان الاستقرار السياسي هو العامل الأهم الغائب. وهو في حال توافر، كان ليعطي دفعاً للسياح الخليجيين للقدوم الى لبنان”. يروي ابو رجيلي متحسّراً أنه في الماضي كان عدد الطائرات القادمة من السعودية والكويت والتي تهبط في مطار بيروت الدولي، يقدّر بـ30 طائرة يومياً. وكانت محطّة بحمدون تشكّل ديواناً أو صالون تلاقٍ للسواح الخليجيين، يزورونها بالآلاف يومياً قادمين من نحو 40 قرية مجاورة في قرى الجبل في الشوف وعاليه والمتن، بهدف التسوّق وملاقاة الأصدقاء. ويقدّر عدد الشقق السكنية المفروشة والمحجوزة للسواح الخليجيين في محطّة بحمدون بـ 1200 شقّة، فيما لا تتجاوز النسبة المؤجّرة منها اليوم 3

حجوزات شهر آب ٣٥٪

لا تزال غالبية فنادق الخمسة نجوم في محطة بحمدون متمسّكة ببصيص أملٍ يحضّها على الاستمرارية بانتظار استعادة مشهديّة أيام العزّ. الحجوزات فيها بحسب ما يشير ابو رجيلي رهن تطوّرات الأوضاع المقبلة. نسبتها لشهر آب، تراوح ما بين 35 الى 4

من 890 الى 200 ألف سائح خليجي

وصل عدد السواح الخليجيين الذين زاروا لبنان عام 2010 الى نحو 890 ألف سائح. في حين أن عددهم لم يتجاوز الـ200 ألف عام 2015، ومن المتوقّع أن يرتفع هذا الرقم عن العام الماضي بمعدل 50 الى 60 ألف زائر اضافي عام 2016 بسبب الأزمة التركيّة. وبلغ عدد السياح الذين زاروا لبنان عام 2010، 2167989 سائحاً من مختلف أقطار العالم، في حين تراجع الرقم الى 1517927 سائحاً عام 2015 في ظلّ غياب القادمين من الخليج العربي. هذا ما يشير اليه الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة في حديثٍ لـ”النهار”، مسلّطاً الضوء على واقع السياحة في ظلّ ضآلة الزوار الخليجيين. برأيه أن أهمية السائح الخليجي تكمن في أن نسبة انفاقه هي الأعلى على الاطلاق على الأراضي اللبنانية. السياح اللبنانيون المغتربون عددهم كبير جداً، لكن نسبة انفاقهم متدنية مقارنةً بالخليجيين. من هذا المنطلق، يشبّه خسارة لبنان للسائح الخليجي بخسارتنا للـ”رويس رويس”. وهي تحرم الخزينة اللبنانية السيولة، فيما التداعيات على القطاع السياحي سلبية بسبب عدم وجود هامش ربحية كبير وانخفاض عدد السواح في آن واحد. ويحصر عجاقة إنفاق المغتربين اللبنانيين في زياراتهم الموسمية الى لبنان بأربعة قطاعات رئيسية، هي على التوالي قطاع السيارات المؤجّرة والمطاعم والشاليهات الجبلية المؤجّرة والمسابح. لكن غياب السائح الخليجي أدى الى انخفاض ربحية القطاع، إذ إن السيارة الذي كان يبلغ سعر استئجارها 50 دولاراً عام 2010، باتت لا تتجاوز كلفتها الـ35 دولاراً رغم تصنيعها عام 2016. ويختصر واقع السياحة في لبنان لصيف 2016 بعبارة واحدة: “مجمل القطاع السياحي في حال استمرارية، على رغم أن الربحية متدنيّة مقارنةً بالفترة التي كانت تشهد قدوم الخليجيين”. “الى أي مدى يمكن الأزمة التركية أن تنعكس ايجاباً على ما تبقى من موسم الاصطياف في لبنان لجهة قدوم السائح الخليجي؟”، يجيب أن ” قسماً من الذين سيلغون حجوزاتهم سيتوجهون الى دول البلقان الاوروبية التي تتمتع بجمال الطبيعة التركية نفسه. وفي ما يخص المواطنين العرب، ثمة قسم منهم سيأتي الى لبنان بعد الايجابية التي عكستها تصاريح السفير السعودي علي عواض عسيري، ولكنني لا اعتقد زيادة كبيرة في نسبة القادمين لأن الوضع السياسي لن يتغير، خصوصاً بعد التصعيد الاعلامي بين حزب الله والمملكة العربية السعودية. كما أن مسألة السلامة الغذائية ممكن ان تعرقل قدوم السياح رغم ايجابيّتها”. لم يتبقَّ لزوار محطّة بحمدون هذا الموسم، سوى دكّان البوظة ذاك. وبضعة متاجر متواجدة في المنطقة من عمرٍ غابر، تفتح أبوابها في عزّ موسم الشتاء. وواجهات محالٍ مطفأة ومنسية. تبحث عن بصيص أملٍ ينيرها في موسمٍ قادم.

Print Friendly, PDF & Email