Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

حلّ مشكلة الكهرباء: توليد طاقة من الرياح

لا أحد يعلم لماذا في القرن الواحد والعشرين مازال المواطن اللبناني يُعاني من نقص في الكهرباء. البعض يعزو هذا الأمر إلى الخلافات السياسة والبعض الآخر للفساد. وبغض النظر عن السبب، سنرى في هذه الدراسة كيف يُمكن حلّ مُشكلة الكهرباء في لبنان مع توفير أكثر من ملياري دولار أميركي سنوياً على خزينة الدولة اللبنانية.  يبلغ حجم تحويلات وزارة المال إلى مؤسسة كهرباء لبنان ملياري دولار سنوياً. وإذا ما انخفضت هذه التحويلات العام الماضي، فالسبب يعود إلى إنخفاض أسعار النفط العالمية. لكن هل ستبقى الأسعار كما هي؟ إضافة إلى هذه التحويلات هناك كلفة قيمتها ٨٠ مليار ليرة تُمثّل خدمة الدين العام الناتجة من التحويلات إلى مؤسسة كهرباء لبنان، وكل هذا مقابل ١٣٠٠ ميغاوات لا تكفي المواطن الذي يعمد لتغطية حاجاته إلى الخدمات التي يُقدّمها أصحاب المولدات (تُقدّر قيمة فاتورة المواطن إلى المولدات الخاصة بمليار دولار أميركي سنوياً). ٤٠٠٠ ميغاوات هي حاجة لبنان من الطاقة الكهربائية. هذا الرقم الكبير يعكس عدم المسؤولية في الإستهلاك والإفراط في الإستهلاك غير المُجدّي. تعاقبت الحكومات من كلّ الألوان وكل وزراء الطاقة قاموا بإعطاء وعود للشعب اللبناني بكهرباء ٢٤٢٤ عند إستلامهم حقائبهم، لكن في نهاية العهد كأن شيئاً لم يكن! الحلول المطروحة كلها جوبهت بالتعطيل والفساد والنتيجة أنه في العام ٢٠١٦ هناك مناطق لا تصلها كهرباء الدولة إلا ساعات محدودة. لكن اللافت للنظر هو أن المعامل الموجودة بمعظمها أصبحت غير صالحة للعمل. وهذا ما أثبتته تجربة فاطمة غول التي أتت بهدف الحلول مكان الوحدات للصيانة فإذا بها تُصبح أساسية في الإنتاج. المشاريع المطروحة عديدة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: إستبدال المعامل الحرارية بمعامل حرارية، إستحداث معامل على الغاز، إستحداث معامل على الطاقة المُتجدّدة، تحرير القطاع… في إطار دراستنا حصرنا إهتمامنا بالطاقة المُتجدّدة وهذه النتيجة التي وصلنا إليها. مشروع توليد طاقة على الرياح عبر زرع هيولين (wind farm) في البحر مقابل معمل الذوق الحراري على بعد عشرة كيلومترات من الشاطئ تفادياً لصوت المراوح. المشروع يُمكن بناؤه على مراحل حيث يتمّ وضع ٢٤ إيولين (أو مروحة) في البحر في المرحلة الأولى مع قدرة إنتاجية ٥ ميغاوات للمروحة الواحدة أي بمجموع ١٢٠ ميغاوات. كلفة الميغاوات الواحد ٢.٢٤ مليون دولار أميركي وتشمل شراء المعدات (٧٥٪ من مجمل الكلفة)، تركيبها (٦٪)، مدّ الكابلات تحت سطح البحر إلى معمل الذوق الحراري ووصلها على الشبكة (١.٥٪) ومصاريف أخرى. وهذا يعني كلفة إجمالية بقيمة ٢٦٩ مليون دولار أميركي لـ٢٤ مروحة. وتبلغ كلفة التشغيل السنوية ٦ مليون دولار أميركي لـ١٢٠ ميغاوات منها ٣ ملايين كلفة صيانة. مواصفات المراوح هي الآتي: علو المروحة من ٤٥ إلى ١١٥ متراً بحسب القوّة (طول مداخين معمل الذوق)، ويبلغ طول الفراشات ٦٠ متراً. ما يفرض مسافة ٦٠٠ متر بين المروحة والأخرى. وتعمل هذه المراوح مع سرعة رياح من ١٥ إلى ٩٠ كم في الساعة، أي أن مناخ لبنان ملائم جداً لها، خصوصاً أن البحر الذي يمر فوقه هواء بارد نسبياً يذهب بشكل تلقائي إلى الشاطئ ليحل محل الهواء الساخن فوق اليابسة.

في المرحلة الثانية (بعد سنتين من المرحلة الأولى مثلاً) يتم وضع مجموعة أخرى من المراوح ويتم رفع القدرة الإنتاجية إلى ٢٤٠ ميغاوات. وهكذا دواليك، حتى الإستغناء عن معمل الذوق بالكامل (قدرته الإنتاجية اليوم لا تتعدّى ٦٨٠ ميغاوات). الجدير بالذكر أن تقسيم المشروع إلى مراحل يسمح بتفادي مشكلة دفع مبلغ كبير في فترة زمنية قصيرة. إن إختيار الشاطئ مقابل معمل الذوق يسمح بإستخدام هذا الأخير كمحطة توزيع. وبالتالي، لا حاجة إلى مدّ خطوط أو إنشاء محطات توزيع وربطها بالشبكة. وبالتالي، هذا النموذج يُمكن تعميمه على دير عمار وغيره من المعامل الموجودة على الشاطئ. من فوائد هذا المشروع خفض الكلفة السنوية على خزينة الدولة وتزويد المواطن بالكهرباء ٢٤٢٤ كل أيام السنة، خصوصاً إذا ما تمّ تعميم هذا المشروع على المناطق. وللمقارنة، فإن كلفة تركيب المراوح هي ٢٦٩ مليون دولار أميركي لقدرة ١٢٠ ميغاوات. وبالتالي، لإستبدال ما تُنتجه كل معامل الدولة اليوم، نحن بحاجة إلى ٣٦٠ مروحة بكلفة ٤ مليار دولار. ويكفي مُقارنة هذا المبلغ بملياري دولار سنوياً تحويلات لمؤسسة كهرباء لبنان لنستنتج أن تحويل لبنان كلياً على الكهرباء بواسطة الرياح لا يُكلف الدولة إلا سنتين من التحويلات إلى مؤسسة كهرباء لبنان، علماً بأن كلفة التشغيل والصيانة السنوية لـ١٨٠٠ ميغاوات لن تتخطّى ٩٠ مليون دولار أميركي (مقارنة بـ٢ مليار دولار أميركي حالياً). وإذا ما أردنا سدّ كل حاجة لبنان من الكهرباء والبالغة ٤٠٠٠ ميغاوات، فإننا بحاجة إلى ٨.٩ مليار دولار أميركي، يُمكن تمويلها من قبل البنك الأوروبي للإستثمار والبنك الدولي اللذين يُحبذان مشاريع الطاقة المُتجدّدة. أما في ما يخصّ المنظر، فالمراوح تواجد على بعد عشرة كيلومترات من الشاطئ. وبالتالي، لن يكون لها أي تأثير بصري ملحوظ. وللذين لم يقتنعوا بهذا الأمر، نقول إن منظر المراوح يبقى أجملّ من منظر مكب برج حمّود. كذلك، لن يكون لهذه المراوح أي تأثير على الملاحة بحكم أنها لا تعترض طريق السفن. ولن يكون لها أي تأثير على عمليات التنقيب وإستخراج النفط من المنطقة الإقتصادية الخالصة. في الختام، لا يسعنا القول إلا أن أنجيلا ميركل تُخطط لأن يكون نصف إنتاج إلمانيا من الكهرباء في منتصف هذا القرن آتياً من الطاقة المُتجدّدة. فلماذا لا يسعنا أن نعتمد إستراتيجية الطاقة المُتجدّدة ونبدأ بتوليد الكهرباء عبر الرياح في البحر مقابل الذوق ودير عمار وعبر الطاقة الشمسية في البقاع.

Print Friendly, PDF & Email