jassemajaka@gmail.com
اقتصاد لبنان 2019 .. كيف ننقذه؟
بعد عام ثقيل على الصعيد الاقتصادي، ها هو لبنان واقتصاده يخطوان نحو عام جديد مع آمال كثيرة بمستقبل افضل قد ترسيه سفينة حكومة جديدة تولي الاولويات الاقتصادية الاهتمام اللازم بعد ان عانى الاقتصاد الأمرين خلال عام كان الفراغ الحكومي وتداعياته الموجعة الحاضر الابرز فيه.
لعلّ السؤال الأبرز الذي يقفز إلى الواجهة بقوة، هو كم يحتاج لبنان من الوقت لمداواة اقتصاده من تبعات الفراغ المتكرّر بأشكاله كافة، فأي حكومة لا تملك عصا سحرية لمعالجة ملفات تفاقمت عقدها على مر عشرات السنوات، كما أن صرخات المسؤولين العالية التي أطلقت مع تأخر تشكيل الحكومة محذرة من انهيار اقتصادي تنذر اللبنانيين أنهم واقتصادهم ليسوا بخير.
من المؤكد أن اقتصاد لبنان لن يتجاوز مرحلة الخطر بسهولة، إذ إن كل الإجراءات القادرة على النهوض به مرهونة بالتوافق السياسي الذي سينعكس إيجابياً على أداء الحكومة والتعاون بين الوزراء. فأمام الحكومة مسؤوليات ضخمة تجاه المجتمع الدولي وتنفيذ مقررات مؤتمر سيدر، وتجاه الشعب اللبناني الذي بات يرزح تحت اثقالٍ كبيرة مع تراجع النشاط الإقتصادي وتنامي الظواهر الإجتماعية وعدم قدرة الدولة على تأمين عيش لائق له عبر فشلها في معالجة ملفات عدة كالفساد والكهرباء والنفايات …
———————————————————————- أشارت كل المؤشرات مؤخراً إلى أن الاقتصاد اللبناني يعيش أزمة حقيقية، ولا سيما أن معظم القطاعات الأساسية التي يقوم عليها كالسياحة والعقارات والصناعة تعاني بشدّة، في حين لا يزال يكتوي لبنان بتبعات الأزمات في المنطقة ولا سيما الأزمة السورية التي كانت لها تأثيرات قاسية عليه بفعل ما رافقها من أزمة النازحين التي كبّدت الإقتصاد خسارة بعشرات المليارات.
يرى الخبير الإقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة ان “الاقتصاد اللبناني يعيش حالياً ضمن مرحلة ركود تضخمي، إذ يسجل نسبة نمو ضئيلة جداً لا تتخطى الـ
ما بين “سيدر” و الانهيار عوامل كثيرة أوصلت اقتصاد “بلاد الأرز” الى حاله هذه، ويأتي في مقدمها التخبّط السياسي الذي أدى إلى انعكاسات سلبية حادّة عليه نتيجة تأثيره المباشر على الاستحقاقات الأساسية في البلاد إضافة إلى توتير العلاقات مع الدول الشقيقة والذي دفع القطاعات الاقتصادية إلى أوضاع صعبة ولا سيما قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة.
وإذ رأى عجاقة أن “الاستثمارات قادرة على إعادة اقتصاد لبنان إلى السير على السكة الصحيحة”، أكد أن “انطلاق عجلة العمل الحكومي والتمهيد لتطبيق مقررات مؤتمر سيدر بشقيها الاستثماري والاصلاحي شرط أساسي لتحسّن الاقتصاد”.
وقال: “من دون الشق الاستثماري في مؤتمر “سيدر” والذي تبلغ قيمته 11 مليار دولار لا يمكن للبنان الخروج من مأزقه. كما أن الخطوات الإصلاحية التي تعهدت بها الحكومة في المؤتمر والتي يأتي في مقدمها تخفيض عجز الموازنة ومحاربة الفساد ستحدث انعكاسات إيجابية كبيرة على الاقتصاد، إذ قد يسجل نسب نمو عالية تستطيع أن تغطي الدين العام أو الاستحقاقات المتعلقة به بشكل مقبول جداً”.
وحذّر من أن “التقاعس عن تنفيذ مقررات مؤتمر سيدر ينذر بعواقب وخيمة كون المالية العامة بحال يرثى لها. في حين أن مستوى العجز والدين العام المرتفعان يجعلانا في حلقة مفرغة قد توصلنا إلى وضع غير محمود”.
الإستثمار ومكافحة الفساد أولاً تعج أجندة الحكومة الجديدة بالكثير من الأولويات الإقتصادية والإجتماعية والإنمائية، فلبنان وصل إلى الخطوط الحمراء في مواضيع شتّى كالنفايات والكهرباء وارتفاع معدلات البطالة والفقر والتهرّب الضريبي والفساد، ما يطلق صفارة إنذار للبدء بورشة نهوض كبيرة تخلص لبنان من مشاكله المتراكمة.
وشدّد عجاقة على أن “أولى أولويات الحكومة الجديدة المباشرة بالإستثمارات، إذ إنها ستجعل النشاط الاقتصادي أكبر وسترفع مداخيل الدولة من الضرائب وبالتالي سيتم تأمين مداخيل من الماكينة الاقتصادية تريح المالية العامة بشكل كبير”.
واعتبر أن “محاربة الفساد مسألة أساسية مهمة ، إذ إنه يكلف الدولة 10 مليارات سنوياً، 5 منها بشكل مباشر و5 مليارات أخرى بشكل غير مباشر”. وأوضح أن “الـ5 مليارات المباشرة يمكن تغطيتها من خلال مكافحة التهرّب الضريبي الذي سيؤمن مداخيل تقارب الـ4 مليارات دولار، إضافة إلى معالجة مسائل أخرى كالمعاملات التي تسجل بغير قيمتها الصحيحة مثل الأملاك البحرية والنهرية، وتعزيز مصادر أخرى يمكن للدولة تأمين دخل عبرها. أما الـ5 مليارات الأخرى الغير مباشرة فتتمثل بغياب الفرص الاقتصادية، والذي يتمثل بغياب الاستثمارات والأنشطة التي تتيح للدولة اللبنانية جباية ضرائب إضافية وإدخالها إلى خزينة الدولة”.
ورأى أنه “من الضروري على الحكومة العمل على لجم الدين العام، فلم يعد ممكناً للدولة الاستمرار في حال الصرف هذه، ما يستدعي وضع ميزانيات تقشفية تلحظ تخفيض الإنفاق وخاصة في ما يخص البند الأول (التوظيف في القطاع العام) كونه يستنزف نصف دخل الدولة”.
ويكتسب تحديث القوانين أهمية خاصة أيضاً ضمن أولويات الحكومة، فوفقاً لعجاقة إن هذا التحديث من شأنه تحفيز الاستثمار، وحماية اليد العاملة اللبنانية من المزاحمة عبر منح الشركات تحفيزات لإعطاء الأولوية في التوظيف للبنانيين.
وشدّد عجاقة على حاجة الحكومة إلى تبنّي خطة اقتصادية تكون مبنية على تحفيز قطاعي الصناعة والتكنولوجيا القادرين على بناء اقتصاد متطور.
خطر المالية العامة ! ويستدعي تكاثر الظواهر الاجتماعية وتسجيل معدلات الفقر والبطالة أرقاماً قياسية، إلتفاتة خاصة من الحكومة إلى الشق الاجتماعي. وأكد عجاقة في هذا الإطار أن “المشكلة تكمن في الخلل في توزيع الثروات، فانحصار الأموال في يد قلة قليلة من الشعب اللبناني، يفرمل أي زيادة في الاستهلاك نتيجة ارتفاع النشاط الاقتصادي وبالتالي من الصعب أن يكبر حجم الاقتصاد ويطاول بتأثيراته مختلف الشعب اللبناني”.
وأكد أن “الاقتصاد اللبناني لم يفقد مقوماته للنهوض، بل هو قادر على السير قدماً إذا ما طبّقت الإصلاحات ونفذت الاستثمارات، وهذا كله مرهون بالتوافق السياسي الذي يؤدي غيابه إلى مشاكل كبيرة، إذ سيبقى الاقتصاد على حاله وتضيع فرصة النهوض المتاحة”.
واعتبر أن “لا خطر على اقتصاد لبنان إذ إنه في أسوأ سيناريواته سيعاني من الانكماش، كما أنه لا خوف على الليرة. إلا أن مصدر الخطر الأساسي يبقى في المالية العامة التي وصلت إلى مستويات تمنع الدولة من القيام بأي إجراءات، ما يحمل رسالة واضحة إلى السياسيين بضرورة تحمل مسؤولياتهم”.
كادر – ماذا في 2019؟
قروض الاسكان بات من شبه المؤكد ان ازمة قروض الاسكان ستشهد حلا عام 2019، اذ اعلن رئيس جمعية المصارف جوزيف طربية ان القروض السكنية المدعومة ستستأنف عام 2019 وسيكون هناك المزيد من الرزم المالية المحددة من مصرف لبنان مطلع العام المقبل ، وسيكون ملف السياسة الإسكانية الملف الاول لدى الحكومة الجديدة.
كما اعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بعد لقائه وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل البحث في رزمة جديدة من قروض الإسكان في 2019 وقروض اخرى والامر لا يتناقض مع العملية لتمويل الدولة من القطاع المصرفي بدعم من مصرف لبنان. العلاقات اللبنانية الخليجية
يعوّل الكثيرون على انفراجات كثيرة ستشهدها اجواء العلاقات اللبنانية الخليجية، فالعام 2018 شهد زيارة لوفد من الهيئات الاقتصادية الى دولة الامارات لبحث اطر التعاون، كما عقد خلال الشهر الاخير من العام مؤتمر شكل فرصة بالغة الأهمية لمناقشة محاور التعاون خلال المرحلة المقبلة واستكشاف الفرص التجارية والاستثمارية وتعزيز قنوات التواصل، حيث جرى التشديد خلاله على ضرورة بذل جهود مضاعفة لبناء مناخ إيجابي للتعاون الاقتصادي وتبادل الخبرات، بما يسهّل ويعزّز فرص الاستثمار والأنشطة التجارية المتبادلة بين البلدين ولا سيما على مستوى القطاع الخاص.
مؤتمر سيدر كثرت خلال عام 2018 الاسئلة عن مصير مؤتمر “سيدر” بعد ان نال نصيب كافٍ من التجاذبات السياسية، اذ ان القروض والهبات مشروطة بقيام لبنان بإصلاحات اقتصادية ملحّة ومطلوبة، وهي تحتاج إلى عقد جلسات عاجلة للحكومة ومجلس النواب من أجل إقرارها وتشريعها، وإلا فإن أي قروض أو هبات لن تأتي.
ويؤكد المطلعون ان اجراء الاصلاحات اللازمة لمؤتمر “سيدر” ستكون اولى الاولويات الحكومة، لا سيما ان المؤتمر اصبح بمثابة خشبة الخاص للإقتصاد اللبناني كونه سيضخ استثمارات تقدر بـ11 مليار دولار وسيخلق مئات فرص العمل. ما يعني ان التعاطي بجدية مع “مؤتمر سيدر” لن يكون خياراً امام الحكومة بل ضرورة قصوى لا يمكن التغاضي عنها.
استقرار الليرة ستبقى الليرة اللبنانية عام 2019 ارزة صامدة في وجه مختلف الازمات. وطمأن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في اكثر من مناسبة، الى “ان الليرة ستبقى عملة مستقرة، لان المعطيات الرقمية تؤكد ذلك رغم كل الضجة والشائعات والحملات والتقارير السلبية التي أيضا واجهها لبنان منذ الـ2015”.
واكد سلامة ان مصرف لبنان كان قادرا خلال عام 2018 على السيطرة على الوضع، لأنه قام استباقيا بهندسات وعمليات مالية عززت موجوداتنا بالعملات الأجنبية وخففت من السيولة بالليرة التي كانت متوفرة. فالسيولة الإضافية لم تستطع ان تغير هذا التوازن”.