Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

إستهلاك لبنان من المشتقات النفطية غير عقلاني

يدفع لبنان ما يقارب الـ ٣٦٢ مليون د.أ شهريًا ثمنًا للمحروقات التي يستهلكها. هذه الفاتورة تتخطى المعايير العالمية نسبة إلى حجم الإقتصاد والنمو الإقتصادي الناتج عن النشاط الإقتصادي. وإذا كانت الكفاءة الحرارية في لبنان مُتدنية جدًا، إلا أن النظر إلى الخسائر غير المباشرة وضياع الفرص الإقتصادية يطرح السؤال عن أسباب غياب سياسات حرارية؟

إستهلاك الطاقة في لبنان هو إستهلاك عشوائي ومُفرط! إذ يكفي النظر إلى حجم السيارات التي تعبر طرق لبنان كل يوم ليتكوّن لدينا فكرة عن كمية البنزين التي نستهلكها يوميًا. كما يكفي النظر إلى إستهلاكنا من الكهرباء لنعلم أننا بجزء (ولو بسيط) مسؤولين عن تفاقم أزمة الكهرباء. إستهلك لبنان ٢.٧ مليار دولار أميركي من المشتقات النفطية في الأشهر الثمانية الأولى من العام ٢٠١٦.  أما العام ٢٠١٥ فسجّل إستهلاك بقيمة ٣ مليار دولار أميركي، ٤.٤ مليار د.أ في العام ٢٠١٤، ٤.٧ مليار د.أ في العام ٢٠١٣، و٥.٥ مليار د.أ في العام ٢٠١٢. أي أن لبنان إستهلك في الأعوام ٢٠١٢ حتى شهر آب من العام ٢٠١٦ ما قيمته ٢٠ مليار دولار أميركي من المشتقات النفطية! وهذا الرقم هائل نسبة إلى ناتج لبنان المحلّي الإجمالي والذي يبلغ ٢٥٠ مليار دولار أميركي على نفس الفترة (٨٪ من الناتج المحلّي الإجمالي). بالطبع هذه الفاتورة كانت لتكون أكثر من ذلك بكثير لو أن أسعار النفط العالمية لم تنخفض في منتصف العام ٢٠١٤ لتصل إلى ما هي عليه اليوم. ويبقى السؤال عن سبب ارتفاع الإستهلاك في لبنان؟ الأسباب عديدة ومنها على سبيل الذكر وليس الحصر: سلوك المواطن الإستهلاكي للطاقة، غياب الإستثمارات في قطاع الطاقة المُتجدّدة، ضعف الكفاءة الحرارية… الإستهلاك المنزلي للطاقة يتمثّل بالإنارة، التدفئة، التبريد، وتشغيل الأدوات الكهربائية. وهذا الإستهلاك هائل حيث أن العزل السيء للمنازل يزيد من إستهلاك الطاقة إن في التدفئة أو التبريد. كما أن سلوك المواطن اللبناني لا يُساعد في الأمر إن من ناحية إنارة الأماكن التي لا يحتاجها أو من ناحية ترك الأدوات الكهربائية موصولة على الكهرباء على الرغم من عدم إستخدامها (١٠٪ إستهلاك إضافي) أو من ناحية الفائض في التدفئة (٢٤ درجة مئوية بدل ١٩) أو التبريد (١٦ درجة مئوية بدل ٢٢). الجدير بالذكر أن إستهلاك الطاقة في المنازل يعود بثلثيه إلى التدفئة والتبريد!! ولا يقتصر الإستهلاك المنزلي للطاقة عند هذا الحدّ، بل يتخطاه ليطال السلع التي تُستخدم فيها الطاقة للتصنيع والتي تُستهلك لوقت قصير مثل أكياس النيلون وغيرها. أما في ما يخصّ العزل الحراري فحدث ولا حرج مع منازل تتمتع بنسبة عزل حراري مُتدنيّة جدًا مما يفرض إستهلاك أكبر للطاقة إن في التدفئة أو التبريد. وهذا الأمر بالسيء جدًا خصوصًا إذا علمنا أن أكثر من نصف الإستهلاك يذهب إلى الإستهلاك المنزلي! وغياب الإستثمارات في هذا المجال لا تُساعد في هذا الأمر حيث أن نسبة التوفير كانت لتكون أكبر بكثير لو تمّ عزل المنازل بشكل سليم. كما أن السياسات الحكومية في ما يخص هذا الأمر هي شبه معدومة ولا يوجد في نفس الوقت أي قيود قانونية على المقاولين تُلزمهم عزل المنازل ولو بحدّ أدنى مقبول في المعايير العالمية. أمّا على صعيد النقل، فنرى شوارعنا مُمتلئة بباصات قديمة تستهلك الكثير من المحروقات. وفي المُقابل نرى السيارات الحديثة الكبيرة الحجم والتي تستهلك الكثير من الوقود مع ساعات الزحمة الخانقة صباحًا ومساءًا وهذا من عادات اللبناني الذي يعتبر أن السيارة الكبيرة والحديثة هي صورة له في المُجتمع. الكفاءة الحرارية في لبنان أيضًا مُتدنيّة جدًا وأكبر مثال مُعبّر عن ذلك هو مؤسسة كهرباء لبنان التي تستهلك سنويًا ما يفوق المليار دولار من الفيول مقابل إنتاج لا يتناغم مع ما تمّ إستهلاكه من فيول. أضف إلى ذلك السيارات القديمة التي ما زالت تسير على الطرقات (حتى ولو كانت نسبتها قليلة في المدن) والمصانع التي يوجد فيها ماكينات قديمة… الواضح مما سبق أن غياب السياسات الحرارية هو الذي يدفع بالمواطن إلى إعتماد سلوك مُفرط وإلى غياب الإستثمارات لزيادة العزل الحراري ورفع الكفاءة الحرارية. هذا الغياب مُكلف جدًا على الاقتصاد اللبناني ومن الصعب معرفته بدقّة، لكن تقدير تقريبي يسمح لنا بمعرفة هول الكارثة. فعلى سبيل المثال كل دولار واحد من الطاقة يُستهلك في الاقتصاد اللبناني، يُنتجّ في المقابل ٩ دولارات أميركية وهذا الرقم قليل جدًا نسبة إلى الدول المُتقدمة مثل فرنسا التي يصل فيها هذا الرقم إلى ٤١ د.أ لكل دولار واحد من الطاقة! بمعنى أخر لو أن لبنان كان يتمتع بكفاءة حرارية موازية لكفاءة فرنسا الحرارية لكان الناتج المحلّي الإجمالي في لبنان يفوق الـ ١٠٠ مليار دولار أميركي! هذا الرقم قد يفوق الـ ٢٠٠ مليار د.أ لو كانت هيكلية الاقتصاد اللبناني ملائمة مع إستثمارات في القطاعين الصناعي والزراعي. الحلّ بالطبع ليس سحرّي ولكن هناك خطوات يُمكن للحكومة إتخاذها لترشيد الإستهلاك الحراري في لبنان. ومن هذه الخطوات يُمكن ذكر إنشاء معامل جديدة لتوليد الكهرباء بالشراكة مع القطاع الخاص؛ وضع قوانين وسياسات ضريبية بهدف تحفيز المواطن على الإستثمار في العزل الحراري في المنازل والإعتماد أكثر وأكثر على الطاقة الشمسية؛ الدفع بإتجاه تغيير هيكلية أسطول السيارات الموجودة في لبنان من سيارات كبيرة مُستهلكة للطاقة بشكل كبير إلى سيارات صغيرة تستهلك طاقة أقل مع تفضيل السيارات الهجينة. أيضًا يُمكن للحكومة سنّ قوانين تفرض على الشركات إقتطاع نسبة من أرباحها للإستثمار في تحسين الكفاءة الحرارية عبر إدخال التكنولوجيا في الماكنية الإنتاجية. الجدير بالذكر أن التكنولوجيا تلعب دور كبير في تحسين الكفاءة الحرارية. في الختام لا يسعنا القول إلا أن المُجتمعات الإقتصادية في غياب التنظيم والتوجيه، تتجه نحو الفوضى وعدم الكفاءة وبالتالي إنخفاض الإنتاج مما ينعكس سلبًا على الدخل الفردي. هذا التنظيم والتوجيه هو من مهام الحكومات علّ لبنان يرى يومًا حكومة مع بيان وزاري إقتصادي بإمتياز. 

رابط الجمهورية

Print Friendly, PDF & Email