Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

الحرب والإقتصاد.. علاقة تكافلية وقودها الدين

يشهد الشرق الأوسط ارتفاعاً ملحوظاً في العمليات العسكرية، التي أطاحت بحياة المئات في الأيام القليلة الماضية. ويبقى السؤال عن سبب المنهجية الفتاكة في استخدام العنف، وهل هناك  أسباب إقتصادية خلفها؟

منذ العصر الحجري والحرب وسيلة لمصادرة الثروات. هذا الأمر الموجود لدى المجتمعات الحيوانية، موجود في المجتمعات الإنسانية تحت ما يُسمّى المصالح القومية. فالدول تشن حروباً أحياناً مباشرة وأحياناً أخرى بواسطة الغير، والسبب بكل بساطة “المصالح القومية”. ويقر الباحثون في مجالي الإقتصاد والاجتماع أن الإقتصاد يلعب دوراً “لا يُمكن إنكاره” في اندلاع الحروب.  الحرب ظاهرة اجتماعية- تاريخية، إذ إن مجموعة معيّنة تفرض (جسدياً) على مجموعة أخرى أن تخدم مصالحها (الإقتصادية)، أو أقلّه أن لا تقف في وجه هذه المصالح. وبالتالي، فإن الحرب عبارة عن عملية تُستخدم في دعم المصالح السياسية، الإقتصادية، الجغرافية، الدينية. الجديد في هذا الأمر هو الزيادة الكبيرة في التفاعل بين الحرب والإقتصاد خصوصاً في العقود الثلاثة الماضية، إذ أصبح الإقتصاد في خدمة الحرب. ولا تتوانى بعض الدول عن تفقير شعبها بهدف التسلّح، وذلك على حساب الحياة الاجتماعية اليومية للفرد. وهناك دول تنتج السلاح بهدف دعم إقتصادها وتمويله من الإقتصادات التي تقود حروباً. مع الوقت أخذت الحروب طابعاً شمولياً لكون الحروب تتطلّب تهيئة إقتصادية وأموالاً لتمويلها. وهذا كله، على حساب الماكينة الإقتصادية التي لا تقوم بخدمة المواطن بل الحرب. ولكي يتمّ إقناع المواطنين بضرورة الحرب، يعمدّ الزعماء السياسيون إلى خلق حالة فكرية تختلف من بلد إلى آخر. فبعض الدول المُتطورة تستوحي من نظرية الفوضى الخلّاقة ومُحاربة الشرّ لربح الرأي العام. أما في المجتمعات ذات الطابع الديني، فإن السياسيين يعمدون إلى “شيطنة” العدو وجعل الحرب “حرباً الهية”. هذه الطرق يتمّ استخدامها أيضاً في فترات السلم لتبرير التسلح العسكري. وهنا، تكمن المشكلة، إذ لا يملك المواطن المعلومات والثقافة الكافية لتحديد خياراته. وبالتالي، فإن الرأي العام يقوم باتباع الأكثرية (مبدأ قطيع الغنم في علم النفس). المعروف في علم الاجتماع أن شهوة السلطة تمرّ لزاماً بالدورة الإقتصادية. هذه الأخيرة، هدفها أسمى من نقل شهوات السلطة لأنها في خدمة الإنسان والمُجتمع ولأنها تقوم على الإنتاج والتبادل. في المُقابل، تهدف الحرب إلى إخضاع الآخر وسحقه. وبالتالي، يتم تسخير الإقتصاد لتحقيق هذا الهدف. التفاعل بين الحرب والإقتصاد أخذ أبعاداً أخرى في العقود الماضية مع ظهور ماكينات إقتصادية تُنتج السلاح بشكل هائل. وتُشير الأرقام إلى أن الولايات المُتحدة الأميركية أنتجت ما يفوق ما قيمته ١٦٠ مليار دولار أميركي من الأسلحة في العام ٢٠١٤. تليها أوروبا (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، إسبانيا، إيطاليا، أوكرانيا…) مع أكثر من ٨٠ مليار دولار أميركي. وتأتي روسيا في المرتبة الثالثة مع أكثر من ٢١ مليار دولار أميركي.

هذه الأرقام وحدها كفيلة بطرح سؤالين: أهمية صناعة السلاح في الإقتصادات المُتطوّرة؟ ونيّة هذه الدول في ما يتعلّق بوجهة استخدام هذا السلاح؟ تأتي الولايات المُتحدة الأميركية على رأس الدول المُصدّرة للسلاح مع ٣٣٪ من إجمالي حجم تصدير السلاح في العالم، تليها روسيا مع ٢٥٪، الصين مع ٥.٩٪، فرنسا مع ٥.٦٪، المانيا مع ٤.٧٪، بريطانيا مع ٤.٥٪، إسبانيا مع ٣.٥٪ وأوكرانيا مع ٢.٦٪.  وفي البحث عن وجهة هذا السلاح، نرى أن أهم الدول المُستوردة هي الدول التي تعيش حالة حرب أو الدول المُهمّة استراتيجياً بالنسبة إلى الدول الكبرى. وبالتالي، فإن الماكينات الإقتصادية المتطوّرة تُعتبر المغذّي الأساسي للحروب الفتاكة في العالم لناحية البيع أو الهبات التي تستفيد منها بعض الدول بشكل مستدام. الصعوبة في الأمر أن الموارد المالية للدول التي تشتري السلاح، تذهب لشراء أسلحة تُستخدم في التدمير والقتل. وكل هذا يتعارض مع مبدأ الإقتصاد الذي يهدف إلى رخاء الإنسان. فأين ذلك مما يحصل في سوريا والعراق وليبيا واليمن وكشمير والصحراء المغربية وغيرها؟ بالطبع، تبقى الحروب وسائل تمتلكها الدول العظمى لتحسين وضعها في هيكلية الإقتصاد العالمي عبر التأثير على الدول “الصديقة” أو التي تشتري السلاح للحصول على العقود التجارية. وحالة الصين في أفريقيا تُجسّد هذا القول، إذ أخذت الصين بدعم بعض الأنظمة الديكتاتورية من أجل الحصول على عقود تجارية في هذه البلدان. الدول الكبرى تعمل من خلال استراتيجيات مُنطلقها الأساسي إقتصادي ووسائلها عسكرية. وفي ظل نظام العولمة حيث لا حدود للمنافسة بين الدول الكبرى، تتصادم هذه الاستراتيجيات بشكل عنيف كما يحصل في سوريا، حيث رأينا روسيا والولايات المتحدة تتفاوضان على مستقبل سوريا، وذلك بمعزل عن الأفرقاء المتصارعين في سوريا. وعندما فشلت هذه المفاوضات، اشتعلت الحرب على الأرض بشكل لا مثيل له منذ إندلاع الحرب السورية.

Print Friendly, PDF & Email