Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

استحقاقات اقتصادية بالجملة تنتظر العهد الجديد… فهل تتاح له الفرصة للإنقاذ؟

سلوى بعلبكي

بعد فراغ استمر أكثر من عامين ونصف العام تراكمت خلالها الاستحقاقات الاقتصادية والمالية، يلتئم اليوم مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية مفتتحاً عهداً جديداً يعوّل عليه بوضع رؤية اقتصادية تخرج البلاد من براثن الجمود الذي فرضته الاوضاع السياسية وترجم بتراجع حاد في كل القطاعات الاقتصادية.

فيما يتوقع ان ينجح النواب بإنتخاب رئيساً للبلاد من الدورة الأولى، يبدو أن الاجماع السياسي لن يكون متوافراً في الشق الإقتصادي خصوصاً أن الملفات الاقتصادية والمالية خضعت للاعتبارات السياسية، بدليل أن ثمة ملفات حيوية معطّلة نتيجة الإنقسام السياسي كملف النفط، الموازنة، السدود، الشراكة بين القطاع الخاص والعام، المناطق الإقتصادية. من هنا يُطرح الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة السؤال عن قدرة الرئيس الجديد على معالجة هذه الملفات على اعتبار “أن صلاحيات الرئيس التنفيذية تقلّصت مع إقرار تعديلات الطائف على الدستور”. فكيف لرئيس الجمهورية أن يدفع بإتجاه حلّحلة الوضع الإقتصادي والمالي؟ وهل اختيار الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة سيعجل في الحلول؟ ثمة بعدٍ بنيوي لصلاحيات رئيس الجمهورية يتمثل بإنتظام عمل المؤسسات الدستورية. وهذا الأمر برأي عجاقة “كفيل بفرض أجندة على العمل الحكومي، وتالياً سيكون اي ملف خلافي بين يدي رئيس الجمهورية الذي من المفترض أن يتمتع برؤية إقتصادية يضعها بين يدي الحكومة”. وفي الانتظار ثمة ملفات حيوية تنتظر الرئيس وحكومته العتيدة، يمكن معالجتها وفق ما يقول عجاقة عبر أحد السيناريوهات الثلاثة: “حلول جذرية من خلال رؤية إقتصادية كاملة مُتكاملة، حلول للمشكلات بحسب أولوية خطورتها وحساسيتها، والبقاء على منهجية الحكومة الحالية والتي تعني عرقلة كل الملفات الإقتصادية والمالية”. السيناريو الأول وهو الأهم برأي عجاقة، إلا أنه يضع التحالفات السياسية تحت التجربة. وبما أن هذه التحالفات لا تزال يافعة فهي لن تستطيع عبور منهجية كهذه، فيما أثبت السيناريو الثالث عدمّ فعاليته في العامين الماضيين نظراً الى الطريقة التي تمّ فيها درس الملفات فضلاً عن غياب المنهجية العلمية لها. لذا يرى عجاقة أن “السيناريو الثاني هو الأفضل ويجب إعتماده في هذه المرحلة”. وبالانتقال الى الملفات الأكثر حيوية للإقتصاد، يشير عجاقة الى أنها تشمل “دعم الإستثمارات التي تراجعت بشكل كبير منذ إسقاط حكومة الرئيس الحريري، علماً أن تكليف الأخير برئاسة الحكومة قد يكون مفتاح الخلاص لمعالجة المشكلات مع الخليجيين. وثمة أولوية تقضي معالجة مُشكلة العمالة الأجنبية ومنافستها لليد العاملة اللبنانية، ومشكلة العجز في الميزان التجاري التي تفرض ايجاد صناعات محليّة لسد حاجات لبنان من السلع العشر الأكثر إستهلاكًا”. أمّا مالياً، فيلفت عجاقة الى أن “إقرار الموازنة أمرّ أساسي لوقف بدعة الإعتمادات من خارج الموازنة والتي أدّت إلى رفع الدين العام من 38.5 مليار دولار في 2005 إلى أكثر من 73 مليار دولار حالياً”. ويستند الى ما كان صرح به وزير المال علي حسن خليل بأن ثمة إستحقاقات بقيمة 7 مليارات دولار سيواجهها لبنان في 2017، ليوضح ان حجم الإستحقاقات كبير جداً وهو يناهز الـ 8 مليارات دولار في سنتي 2017 و2018. وهذا الأمر برأيه هو بمثابة تحدّ كبير للحكومة، إذا ليس من السهل إستقراض 2 ولم يغفل عجاقة أخيراً الاشارة الى المُشكلة الرئيسية التي ستعترض العهد الجديد وتتمثل بآفة الفساد التي تسبب خسائر للإقتصاد تناهز الـ 10 مليارات دولار سنوياً، خصوصاً أن المحسوبيات السياسية لن تختفي بإنتخاب رئيس للجمهورية ولا بتشكيل حكومة. أولويات أكثر الحاحاً؟ اذا كانت التحديات الاقتصادية والمالية كثيرة، إلاّ أنه على العهد الجديد أن يختار الأولويات للشؤون الأكثر إلحاحاً، وتتمثل برأي كبير الإقتصاديين ومدير قسم البحوث والتحاليل الإقتصادية في مجموعة بنك بيبلوس نسيب غبريل بالتحدي الاداري – الإصلاحي والذي يترجم بخفض الأعباء التّشغيليّة المرتفعة التي تُرهق كاهل الاقتصاد والشركات. ويستند الى مسح لمدراء الشركات في لبنان الذي يظهر ان المعوّقات الأساسية امام الشركات هي الفساد في الادارات العامة، وعدم الاستقرار الحكومي، وسوء نوعية البنى التحتية وعدم فعالية الادارات العامّة، ليشير الى “أن تطوير المناخ الاستثماري وبيئة الأعمال من شأنه أن يخفّض الاعباء التشغيليّة عن الشّركات والمؤسّسات”. ويلفت في هذا السياق الى أن مؤشر البنك الدولي لأداء الأعمال لـ2017 وضع لبنان في المرتبة 126 بين 190 بلداً، أي أن 6 ومن الاولويات ايضاً، يشير الى إقرار موازنة عامة للعام 2017. فإقرار الموازنة برأيه سيكون مؤشرا إيجابيا للقطاع الخاص، كما للمؤسسات والصناديق المالية العالمية ولوكالات التصنيف. إلا أنه يستدرك بالقول “ليس المطلوب إقرار أي موازنة لمجرد الضرورة. فهدف الموازنة يجب أن يكون دعم النمو الاقتصادي وخفض حاجات الدولة للاستدانة”. وأكثر، يعتبر غبريل أن الموازنة يفترض أن تكون خالية تماماً من أي ضرائب أو رسوم جديدة أو زيادتها، لا بل يجب أن يكون أحد أهداف الموازنة العامة خفض الضرائب والرسوم قدر الامكان”. ومن أجل خفض حاجات الدولة للاستدانة، يقترح غبريل أن تتضمن الموازنة التدابير الآتية: – تعزيز إدارة العائدات الضريبية ومكافحة التهرب الضريبي المتفشي على نحو واسع وتفعيل جباية الرسوم، بما يرفع واردات الخزينة بمليار دولار سنوياً على أقل تقدير. – بيع الأصول غير المنتجة المملوكة من الدولة مثل الممتلكات العقارية. – رفع متوسط تعرفة الكهرباء على نحو تدريجي إلى المستوى المطلوب لتغطية التكلفة. – إصلاح نظام التقاعد في القطاع العام لتصحيح الاختلالات فيه – تحرير قطاع الاتصالات لافساح المجال أمام منافسة حقيقية بما يرفع واردات الدولة من القطاع. – إشراك القطاع الخاص في تمويل مشاريع البنى التحتية عبر إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص – فرض غرامات مالية على الاملاك البحرية المبنيّة بصورة غير قانونية. – زيادة الضرائب غير المباشرة المفروضة على التبغ (إستثناء وحيد لعدم زيادة الضرائب). – وقف التوظيف العشوائي في السلك المدني للقطاع العام. – تقليص النفقات الجارية بنسبة هذه الإصلاحات من شأنها وفق غبريل أن تقلّص تدريجاً عجز الموازنة الذي يتوقع أن يبلغ 8.

Print Friendly, PDF & Email