Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

الحريري هو مفتاح رفع العقوبات الخليجية على لبنان

 خمسة أعوام وثمانية أشهر ولبنان يعيش تحت عقوبات خليجية على إقتصاده أدّت إلى تآكل بنيوي في الماكينة الإنتاجية. اليوم ومع الحديث عن عودة الرئيس الحريري، يُطرح السؤال عن مُستقبل هذه العقوبات وإذا كان سيتم رفعها.  منذ إسقاط حكومة الحريري في كانون الثاني ٢٠١١، والخليجيون يفرضون حظرًا إقتصاديًا وماليًا غير مُعلن على لبنان. هذا الأمر تترجم في البدء بسحب الإستثمارات الخليجية في لبنان ليتم بعدها وعلى إثر خطف عدد من الرعايا العرب والأتراك، منع السواح الخليجيين من القدوم إلى لبنان. والنظر إلى الأرقام يُعطينا فكرة عند العلاقة الواضحة بين العقوبات الخليجية على لبنان وتردّي الأوضاع الإقتصادية. إذ وبحسب الأرقام إنخفضت الإستثمارات الأجنبية المباشرة من ٤.٨ مليار دولار أميركي في العام ٢٠٠٩ إلى ٢.٣٤ مليار دولار أميركي في العام ٢٠١٥، كما إنخفض عدد السواح من ٢.٢ مليون سائح في العام ٢٠١٠ إلى ١.٥ مليون سائح في العام ٢٠١٥. وهذه الأرقام تدلّ على أن الفترة التي تلتّ إسقاط حكومة الرئيس الحريري والتي تبعها العقوبات الخليجية غير المُعلنة، كان لها وقعها على الإستثمارات وعلى مداخيل القطاع السياحي. هذا التراجع في الإستثمارات كان له إنعكاسه على الاقتصاد اللبناني، إذا تراجع نمو الاقتصاد اللبناني من ٩٪ في العام ٢٠٠٩ و٧٪ في العام ٢٠٠٧ إلى أقل من ١٪ في العام ٢٠١٥. وهذا الأمر هو منطقي بحكم أن النمو الإقتصادي هو بعلاقة خطيّة مع الإستثمارات والمداخيل السياحية وبالتالي فإن تراجع هذه الأخيرة أدّى إلى تراجع النمو الاقتصادي. من ناحية أخرى تراجعت تدفقات الرساميل (تحويلات المغتربين + الإستثمارات الأجنبية المباشرة + …) من ٢٠.٧ مليار دولار أميركي في العام ٢٠٠٩ إلى ١١.٨ مليار دولار أميركي في العام ٢٠١٥، مُظهرة بذلك التأثر الديناميكي لتفقد الإستثمارت على الماكينة الإقتصادية مما أدّى إلى عجز في ميزان المدفوعات من فائض بقيمة ٧.٩ مليار دولار أميركي في العام ٢٠٠٩ إلى عجز بقيمة ٣.٤ مليار دولار أميركي في العام ٢٠١٥.   لكن هذا التردّي في الوضع الإقتصادي إنعكس على الوضع المالي للبنان حيث أن العجز في الموازنة بدأ بأخذ أبعاد دراماتيكية ناتجة عن تراجع المداخيل وزيادة الإنفاق. ففي حين سجّل عجز الموازنة ٢.٣ مليار دولار أميركي في العام ٢٠١١، إزداد هذا العجز ليُصبح ٣.٩ مليار د.أ في العام ٢٠١٢، ٤.٢ في العام ٢٠١٣، ٣.١ في العام ٢٠١٤ و٤ مليار د.أ في العام ٢٠١٥.  هذه الزيادة في العجز تترجمت بزيادة في الدين العام ليزيد من ٥٢.٦ مليار دولار أميركي في العام ٢٠١٠ إلى ٧٤ مليار دولار أميركي حاليًا أي ما يفوق الـ ٢٠ مليار دولار أميركي في فترة ٥ سنوات! والأصعب في الأمر أن الميزان الأولي الذي يقيس الإنضباط المالي للدولة والذي من المفروض أن يكون أكبر من فائدة الدين العام، أخذ بتسجيل عجز في السنوات التي تلت بدء الحظر الخليجي والأزمة السورية. بالطبع هذه الأخيرة إستفحلت في دكّ هياكل الإقتصاد اللبناني من ناحية سوق العمل وإستهلاك البنية الخدماتية للدولة اللبنانية. هذا الصورة السوداء لم تستطع حتى الساعة التأثير على ثبات الليرة اللبنانية التي وبفضل السياسة النقدية المُتبعة إستطاعت إجتياز الإستحقاقات السياسية والأمنية كافة. لكن إلى متى؟  اليوم ومع إنجاح الإستحقاق الرئاسي، تتجه الأنظار إلى تشكيل الحكومة والتي من المفروض أن يُكلّف بتشكيلها الرئيس سعد الحريري. ومجيء الحريري على رئاسة الحكومة قد يؤسّس لعلاقة جديدة مع دول الخليج العربي مما ينعكس إيجابيًا على الوضع الإقتصادي. المطلوب اليوم وبشكل مُلح أن يعمد الرئيس الحريري إلى إقناع الدول الخليجية برفع الحظر الإقتصادي على لبنان. وهذا الحظر يشمل الإستثمارات، السياحة، التصدير إلى دول الخليج… وعلى سبيل المثال وإذا أخذنا قطاع التفاح، تراجع إستيراد دول الخليج للتفاح اللبناني بشكل دراماتيكي منذ العام ٢٠١٢ وحتى اليوم. فالمملكة العربية السعودية كانت تستورد تفاح من لبنان بقمية ١.٤ مليون دولار سنويًا، عمدت إلى تخفيض هذه الكميّة إلى ١.٢ مليون دولار أميركي في العام ٢٠١٥! وكذلك حال قطر والإمارات، والكويت وسلطنة عُمان. هذا الأمر مرهون بمجهود ديبلوماسي كبير من قبل الدوّلة اللبنانية وبما أن هناك إجماع سياسي على إعادة تكوين السلطة السياسية، مطلوب من الأحزاب السياسية أن يكون هناك إجماع على إعادة تكوين الماكينة الإنتاجية اللبنانية. وهذا الأمر يعني أنه يجب فصل المواقف السياسية عن الإقتصاد بكل الوسائل المُتاحة. والمصالح الإقتصادية تفرض أن يكون هناك تبادل تجاري وإستثمارات حتى بين الدول التي لا تتفق سياسيًا، لأن هذا يُسمّى في اللغة الإقتصادية “رُقيّ سياسي”. إن عودة الإستثمارات الخليجية إلى لبنان ستسمح للماكينة الإقتصادية اللبنانية من الإستفادة من أكثر ملياري دولار أميركي ستأتي من هذه الدول وتُنعش إقتصادًا يتعطّش للإستثمارات. وسيكون لهذه الخطوة تداعيات إجابية على سوق العمل اللبناني بشرط أن تعمد الحكومة اللبنانية إلى ضبط العمالة الأجنبية وخصوصًا السورية التي أصبحت مسؤولة عن أكثر من ٢٥٠ ألف عاطل عن العمل لبناني وذلك بإعتراف المنظمات الدولية كالبنك الدولي. هذا الأمر يتناغم والرؤيات الإقتصادية الخليجية التي تُحاول اليوم تنويع مداخيلها لتخفيف تعلّقها بالنفط. ولبنان يُمكنه أن يوفّر هذه الفرصة مع عائدات على الإستثمارات قد تفوق في بعض القطاعات الـ ١٠٠٪. بالطبع لا يُمكن إيجاد إستثمارات تعطي هذه النسبة من العائدات في العالم كلّه. لذا ومن هذا المُنطلق، يتوجب على الرئيس الحريري عند إستلامه مهام رئاسة الحكومة العمل على إعادة الإستثمارات الخليجية إلى لبنان. من جهة أخرى، يُعتبر السائح الخليجي “رولس رويس” السواح نظرًا للإنفاق الكبير الذي يقوم به خلال الفترة التي يقضيها في لبنان. أضف إلى ذلك أن مُعظم السواح الخليجيين عندما كانوا يأتون إلى لبنان، كانوا يقضون فترات طويلة تُترّجم بإنفاق عالي يعود بالخير على لبنان. هذا الإنفاق للأسف أصبح يذهب إلى دول أخرى مثل أوروبا وتركيا وسلطنة عُمان وغيرها. وهذا الأمر يفرض على الرئيس الحريري إقناع السلطات الخليجية برفع حظر مجيء السواح الخليجيين إلى لبنان عبر تقديم ضمانات أمنية للسياح. أما على صعيد التبادل التجاري، فمن المفروض على الرئيس الحريري العمل على رفع التبادل التجاري مع دول الخليج. وهذا التبادل يجب أن يشمل كل ما يُمكن للبنان تقديمه لدول الخليج وعلى رأسها المياه. وعلى هذا الصعيد، يُمكن للدول الخليجية الإستثمار في قطاع المياه في لبنان عبر إنشاء سدود على أن يتمّ تصدير المياه إلى هذه الدول مما يعود بالفائدة عليهم وعلى لبنان. وللتذكير، فإن دول الخليج تصرف أموالًا هائلة في عمليات تكرير مياه البحر لتُصبح صالحة للشرب، وبالتالي فإن إستثمارها في قطاع المياه في لبنان سيوفّر عليها الكثير من الأموال. أيضًا هناك مُشكلة التعامل بالمثل الذي يدخل ضمن معاهدة التيسير العربي بين لبنان والدول العربية والذي يجب تطبيقه من قبل دول الخليج العربي بما فيه من مصلحة للبنان.   في الختام، لا يسعنا القول إلا أن على حكومة الرئيس الحريري أن تعمل بكلّ ما أوتي لها من قوة على إعادة الزخم إلى الاقتصاد اللبناني وعلّ الشق الاقتصادي يكون على رأس البيان الوزاري للحكومة الحريرية.      

Print Friendly, PDF & Email