Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

ثنائي عون والحريري: المواطن اللبناني يعول على تعايش سياسي ينعش الاقتصاد والخدمات

سعد الياس

بيروت- «القدس العربي»: لعلّ ما شهده لبنان في هذا الأسبوع من تطورات رئاسية وحكومية يختصر معجزة هذا البلد الذي لا يلبث بعد كل مخاض عسير وطويل أن ينهض ويبدأ ورشة إعادة بناء المؤسسات. وليس أمرا سهلا على بلد يشهد كل هذا الموزاييك السياسي والطائفي أن يتمكّن في أسبوع واحد من انتخاب رئيس للجمهورية لديه تمثيل مسيحي كبير ومن تكليف رئيس للحكومة لديه أيضا تمثيل سنّي واسع. وبغض النظر عما كتب في الأسابيع القليلة الماضية عن عودة لثنائية مارونية سنية اعترض عليها أحد الثنائي الشيعي الرئيس نبيه بري قبل أن يعود ليسمّي سعد الحريري لرئاسة الحكومة، فإن لبنان الذي انتخب العماد ميشال عون المدعوم في آن واحد من حزب الله والقوات اللبنانية الخصمين اللدودين على عتبة استعادة صيغة الأمن والسياسة الخارجية من اختصاص الرئاسة الأولى والاقتصاد والاعمار من اختصاص الرئاسة الثالثة. ويبقى أن ينجح رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري في تكوين ثنائي منسجم ومتعاون لا ثنائيا تتجاذبه التباينات كما كانت الحال بين الرئيس الأسبق أميل لحود والرئيس الشهيد رفيق الحريري، فينجحان في أن يكون زواجهما زواجا مارونيا يدوم ويدوم لا زواج متعة تنتهي مفاعيله بعد أيام أو أسابيع. وفي مراجعة لما رافق انتخاب العماد عون، فهو سعى في خطاب القسم إلى الوعد باستقرار سياسي من خلال تحييد لبنان عن الصراعات الخارجية والتأكيد على التزامه ميثاق الجامعة العربية، ما يعني محاولة عزل لبنان عن نار المنطقة وعواصفها. غير أن حديث الرئيس عون عن التصدي الاستباقي والردعي للإرهاب حتى القضاء عليه لم يحصره بالقوى الأمنية الشرعية على الحدود اللبنانية وفي الداخل، ولم يحظّره على حزب الله خارج الحدود. علما أن الإجراءات التي يتخذها الجيش اللبناني على الحدود وعملية الترصد التي يقوم بها الأمن العام وشعبة المعلومات نجحت في الحد من أعمال التفجير ومن تفكيك الشبكات واحباط مخططات لاستهداف منتجعات سياحية وتنفيذ عمليات اغتيال. وفي موضوع إسرائيل، أشرك الرئيس عون حزب الله بشكل مباشر في الاستراتيجية الدفاعية من خلال إعلانه أننا لن نألوا جهدا ولن نوفّر مقاومة في التصدي لإسرائيل. وفُهم أن كل الأطراف التي أبدت ارتياحها لخطاب القسم تفهّمت هذه المعادلة التي وردت في خطاب سيّد بعبدا ما يعني عودة مقنّعة لمعادلة الاقتصاد للحريري والأمن والخارجية للعهد بعدما كانا في أيام الوصاية بعهدة سوريا. ويبدو أن حزب الله بالتحديد لا يمانع هذه المعادلة رغم عدم صدور موقف علني بذلك، لاقتناعه أن الوضع الاقتصادي في لبنان يعاني من الضعف والعجز والدين العام وغياب النمو والرساميل والاستثمارات العربية، في وقت قد تكون عودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة بابا لعودة الدول الخليجية إلى لبنان ولرفع العقوبات المفروضة على لبنان منذ أيام حكومة الرئيس تمام سلام بسبب عدم التزام الاجماع العربي في اجتماعات وزراء الخارجية العرب والامتناع عن التصويت لصالح المملكة العربية السعودية في مواجهتها مع إيران. وقد رأى البعض في اتصال التهنئة الذي أجراه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بالرئيس اللبناني فاتحة خير وانفتاح على لبنان وبابا لرفع الحظر على سفر رعايا الدول الخليجية إلى لبنان. وبناء على ما تقدّم، يعوّل المواطن اللبناني على التعايش السياسي الذي يؤدي إلى انتعاش اقتصادي وتوفير الخدمات الحياتية والاجتماعية وإلى اقفال أبواب الثغرات الأمنية. لكن بحسب محللين اقتصاديين فإن الثقة بانتعاش الاقتصاد التي ترافقت مع إنجاز الاستحقاق الرئاسي وتكليف الرئيس الحريري بتشكيل الحكومة تبقى ظرفية ما لم تترافق مع خطة اقتصادية للعهد والحكومة لاخراج لبنان من أزمته الاقتصادية والمالية وللحفاظ على هذه الثقة وعلى ارتفاع أسعار الأسهم في سوليدير بعد التقهقر الأخير في السنواب الفائتة في الاستثمارات وفي النمو. ويعتبر هؤلاء أنه إذا أحسن الرئيسان عون والحريري التعاون والتصرف وتعزيز الثقة فسيتحسّن الوضع الاقتصادي وسيطمئن رجال الأعمال والمستثمرون لتحرير 190 مليار دولار كودائع في المصارف اللبنانية، إضافة إلى البدء جديا بالافادة من الغاز والنفط المكتشفين في المياه البحرية اللبنانية. ويرى الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة أن أمام العهد الجديد مجموعة من الاستحقاقات التي يتوجب عليه معالجتها خصوصا أن الدين العام تفاقم بشكل كارثي من 38.5 مليار دولار في العام 2005 إلى أكثر من 73 مليار دولار حاليا. ويقترح الخبير سلسلة اجراءات اقتصادية نوعية لدعم الاستثمارات في الماكينة الاقتصادية التي تتآكل وباتت عجوز، من بينها: الحفاظ على سوق العمل اللبناني لأنه أساس ليكون العامود الثاني للاقتصاد وليستمر الاستهلاك، إنجاز الموازنة ومحاربة الفساد والهدر اللذين ينتج عنهما 10 مليار دولار سنويا. في كل الأحوال، فقد طمأن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى «أن انتخاب الرئيس ميشال عون سينعش المؤسسات الدستورية ويمتّن الثقة باقتصادنا، كما أن تشكيل حكومة جديدة سيستقطب المساعدة الخارجية ويحدّ من كلفة الوجود السوري في لبنان التي نقدّرها بـ5٪ من إجمالي الناتج المحلي»، وكشف سلامة في مؤتمر دولي للشركات الناشئة في مجمّع البيال «أن الموجودات الخارجية لمصرف لبنان حققت رقما قياسيا تجاوز الـ40 مليار دولار، ما يضفي استقرارا على الليرة اللبنانية وعلى معدلات الفائدة»

Print Friendly, PDF & Email