Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

جمعية المصارف تشوه سمعة الليرة

أثارت دراسة نُشرت في مجلة جميعة المصارف في شهر أيلول ٢٠١٦، بلبلة في الأسواق إذ تنبأت بزعزعة الليرة اللبنانية. هذه الدراسة تتضمن عيوباً عدة، ما يطرح أسئلة عن الأهداف منها.

تستنتج الدراسة أن وضع الليرة سيكون كارثيًا، وتتنبأ بأن سعر صرف الليرة سيكون ٢٦٥٩.٢ ليرة لكل دولار في العام ٢٠١٨، ٤٠٤٧ ليرة لكل دولار في العام ٢٠١٩، و٥٦٣٨.٢ ليرة لكل دولار أميركي في العام ٢٠٢٠. وقد أدّى نشر هذه الدراسة إلى زيادة الضغط على الليرة بالتزامن مع محاولات بعض المُستثمرين للقيام بعمليات مُضاربة، مُستفدين من فارق سعر الفائدة على الدولار وسعر الفائدة على الليرة. هذه المحاولات تظهر بوضوح في رسم التغيّرات المشروطة على سعر صرف الليرة حيث أن الأشهر الثلاثة الماضية شهدت تلاعباً واضحاً من قبل المستثمرين لجمه مصرف لبنان، الذي تدخّل بشكل تلقائي وأبقى سعر الصرف داخل الهامش الرسمي المحدد له.

أخطاء الدراسة أولاً، خطأ في النمذجة: فقد افترضت جمعية المصارف أن العلاقة بين سعر صرف الليرة وصافي الأصول الأجنبية هي علاقة خطّية (Linear Relationship)، إذ تمّ استخدام علاقة من نوع (ER=a+b*NFA). هذه الفرضية غير صحيحة، لأن العلاقة بين سعر صرف الليرة وصافي الأصول الأجنبية هي علاقة غير خطّية. وبالتالي، فإن لوغارثم (Logarithm) سعر صرف العمّلة هو الذي يملك علاقة خطّية مع صافي الأصول الأجنبية (يُمكن إيجاد الإثبات في الدراستين Milesi-Ferretti 2004 وChristopoulos 2012). يُستنتج من ذلك أن نتائج الدراسة غير صحيحة. والدليل هو أنها تُعطي سعر صرف بقيمة ٤٨٦.٧ ليرة للدولار الواحد في العام ٢٠١٦ (NFA) و -٤٤.٢ ليرة للدولار الواحد في العام ٢٠١٦ (NFAVA). ثانياً، خطأ في تقييم صافي الأصول الأجنبية: للتنبؤ بسعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي، استخدمت الدراسة تقديرات تنص على أن صافي الأصول الأجنبية سيكون كالآتي: ٢٢ مليار د.أ في العام ٢٠١٦، ١١.١ مليار د.أ في العام ٢٠١٧، -٢.٢ مليار د.أ في العام ٢٠١٨، -١٧.٩ مليار د.أ في العام ٢٠١٩، و-٣٥.٨ مليار د.أ في العام ٢٠٢٠. وقامت جمعية المصارف باستخدام النموذج الحسابي مع هذه الأرقام لتستنتج أن سعر صرف الليرة في العام ٢٠٢٠، سيكون ٥٦٣٨.٢ ليرة للدولار الواحد. بالطبع، تقديرات جمعية المصارف هي تقديرات غير واقعية، إذ لا يُمكن لاقتصاد فيه فائض بصافي الإصول الأجنبية بقيمة ٢٢.٢ مليار د.أ أن ينخفض إلى -٣٥.٨ مليار د.أ في ظرف أربعة أعوام، إلا إذا اندلعت الحرب وتراجع النشاط القتصادي. فجمعية المصارف استخدمت نموذجاً خطّياً (Linear) للتنبؤ بالمُستقبل. وهذا الأمر معروف لدى الإحصائيين، إذ لا يُمكن مع نموذج خطّي التنبؤ بكميّات إقتصادية. وهذا الخطأ بالتقدير كافٍ للقول إن نتائج الدراسة غير صحيحة. ثالثاً، خطأ في حساب ميزان المدفوعات: تعتبر جمعية المصارف أن ميزان المدفوعات هو بقيمة التغيرات في صافي الأصول الأجنبية. هذا الأمر غير دقيق إذ إن تغيرات صافي الأصول الأجنبية يوازي حساب الميزان الجاري، بالإضافة إلى التغيّرات في تقييم الأصول. وميزان المدفوعات هو مجموع الميزان الجاري+ حساب رأس المال+ حسابات أخرى. من هذا المُنطلق، فإن الدراسة أخطأت في استخدام الكميات التي تدخل في الحسابات الوطنية.

كلفة عالية أعفت سياسة الثبات النقدّي التي اتبعها مصرف لبنان اللبنانيين من كوارث فقدان الليرة قيمتها وما يُرافقها من تفقير للطبقة الوسطى وتهميش للطبقة الفقيرة. فالهندسات المالية التي يعتمدها تذهب في اتجاه دعم الليرة حتى ولو كانت كلفتها عالية في بعض الوقت، إلا أنها تبقى أقّل كلفة على المواطن من فقدان الليرة قيمتها. وللتذكير فإن الطبقة الفقيرة في لبنان وقسم كبير من الطبقة المتوسطة تقبض أجرها بالليرة. لذا، فإن أي زعزعة لليرة ستكون تدعياتها على هذه الطبقة وليس على من يملك الدولارات.

تدعيات إيجابية أدّى انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية إلى صدمة إيجابية في الأسواق، زاد معها التبادل التجاري بنسبة ١٠٪ في أقل من أسبوع. بالطبع، هذه الصدمة ستُترجم بتسارع أكبر حين تُشكّل الحكومة الجديدة التي من المفروض أن يستحوذ الشق الاقتصادي على حيّز كبير من بيانها الوزاري. هذه التطورات السياسية مع نيات العهد الجديد التي عبّر عنها رئيس الجمهورية في خطاب القسم، ستدّعم الثقة بالاقتصاد داخلياً من قبل مُستثمرين لبنانيين أو خارجياً من قبل مُستثمرين أجانب. وإذا استطاع الرئيس سعد الحريري إعادة تسوية العلاقات اللبنانية– الخليجية، فسيكون لتدفق رؤوس الأموال والسياحة الخليجية تأثير إيجابي على ميزان المدفوعات. وبالتالي، على دعم الليرة اللبنانية. وإذا تمّ إقرار موازنة العام ٢٠١٧، إضافة إلى قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص، فإن النمو سيبلغ مستويات تفوق ٥٪ في العام ٢٠١٨. مما سيسمح، مع قليل من التقشفّ، ببدء امتصاص الدين العام. وكل هذا بالطبع له تأثير إيجابي على الليرة اللبنانية. Print Friendly, PDF & Email