Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

هل تسرق إسرائيل نفط لبنان؟

يُشكّل الملف النفطي في لبنان أحدّ الملفات التي تضغط على العهد الجديد، خصوصاً مع النشاط الكثيف الذي تقوم به إسرائيل استخراجاً وتصديراً. وإذا كان الإنقسام السياسي الذي يطال الأفرقاء اللبنانيين على ملف النفط قد أدّى في ما مضى إلى تأخير إنطلاق عروض التلزيم، إلا أن البعد الإقليمي، خصوصاً العداوة مع إسرائيل، تشكّل العقبة الأساسية في تأخير هذا الملف.

Print Friendly, PDF & Email

المدن \ بروفسور جاسم عجاقة

فكيف لشركة أن تقوم باستثمارات في منشآت غازية ونفطية في البحر بعشرات المليارات من الدولارات من دون أن يكون هناك ضمانات دولية بأن لا تقوم إسرائيل بضرب هذه المنشآت؟ هذه المشكلة تطرح أسئلة أخرى: هل تقوم إسرائيل بسرقة غاز لبنان، كما قال رئيس مجلس النواب نبيه بري؟ ولماذا تستعجل في عملية الاستخراج؟ لا يُمكن الجواب عن هذه الأسئلة سياسياً. لذا، يتوجب البحث عن الأجوبة على الصعيد التقني، حيث تغيب المعلومات التقنية التي تثبت أن إسرائيل تسرق من نفط لبنان. وبالتالي، فإن جيولوجيا النفط في الحوض الشرقي للبحر المتوسط قد تحمل بعض الأجوبة. من المعروف أن الأرض تتكون من طبقات كروية تختلف في خصائصها الكيميائية والفيزيائية.

هذه الطبقات هي (من السطح إلى النواة): القشرة الأرضية، الغلافان العلوي والسفلي، والنواتان الخارجية والداخلية. وتأتي أهمية معرفة التكاوين الداخلية للأرض من منطلق أن خصائصها الكيميائية والميكانيكية تؤدي إلى حصول كوارث، مثل الزلازل والبراكين، والحصول على موارد طبيعية، مثل المياه والنفط. وإذا كانت مسيرة الكرة الأرضية محطّ اهتمام العلماء، إلا أن تحديد الشق الميكانيكي لما يُسمّى الطبقات الجيولوجية هو الأهم والأقل معرفة نظراً لعدم قدرة الإنسان على الوصول إلى أعماق الأرض. النظرية المستخدمة في شرح الحركة الداخلية للأرض هي نظرية الطبقات التكتونية التي تهتم بشرح الحركات الكبرى لغلاف الأرض الصخري. وتعتمد هذه النظرية على نظرية الإنجراف القاري ومفهوم تمدد قاع البحر. ووفق هذه النظرية، يقسم الغلاف الصخري للأرض إلى صفائح تكتونية تتحرك سنوياً حتى ١٠ سنتيميترات.

لكن ما علاقة النفط والغاز بحركة الطبقات التكتونية؟

النفط هو مادة تنتج عن تحلل عدد من العناصر العضوية والهيدروكربونية، التي تسمح تحت تأثير ضغط وحرارة معينة بإنتاج النفط (كيميائية) من دون أن يتمّ تحديد آلية التكوين من هذه العناصر. وذهب بعض العلماء إلى طرح فكرة أن النفط هو نتاج عمليات باطنية (أي ميكانيكي وكيميائية) تأتي من انصهار بعض المواد التي تلتقي في ما بينها نتيجة حركة الطبقات التكتونية. الزمن له تأثير على كل شيء بما في ذلك باطن الأرض. فالصهارة التي تلفّ النواة الخارجية وتوجد تحت الطبقة الخارجية للقشرة الأرضية، تتألف من مواد أولية بشكلها شبه الصلب والتي بسبب تفسّخ القشرة الأرضية، تخرج على شكل براكين. وكنتيجة جانبية تتكون:

(١) الصخور الرسوبية التي تحوي كل العناصر الأساسية للحياة البشرية (مثل الماء والنفط) من جراء الاحتكاك على فترات طويلة من الوقت؛

(٢) الصخور الكلسية الصلبة التي تحوي عناصر طبيعية كالكالسيوم؛

و(٣) الصخور الطينية، ولها ميزات صغر جزيئياتها التي لا تسمح بدخول السوائل أو خروجها. منطقة الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط (لبنان، سوريا وفلسطين) تقع على نقطة التقاء القارات الثلاث آسيا، أفريقيا وأوروبا. ما يضعها في منطقة جيولوجية مستقلّة عن مناطق أخرى.

ويُعتقد أن حركة القارات التي تباعدت في ما بينها، جعلت هذه المنطقة تلعب دور المحور. وبالتالي، تعرضت إلى عملية تكسر (العصر الأوليغوسيني) وسمحت بتكوين خزانات من النفط والمياه. ويقترح بعض الجيولوجيين أن شبه الحزيرة العربية المنفصلة جيولوجياً عن المناطق الأخرى، من حركة التباعد بين القارات ولعبت دور خزان نزح إليه النفط وظهر فيه بغزارة.  ويتميّز الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط بطبقات تكتونية تكونت ما بين الحقبة الأولية/ العصر البرمي والحقبة الوسطى/ العصر الجوراسي مع رواسب من الكربونات، والرمل والصخر الزيتي، بالإضافة إلى طبقة سميكة وواسعة إقليمياً من المتبخرات. في العام ٢٠١٠، قامت وكالة USGS الأميركية بتقييم جيولوجي للثروات النفطية والغازية الموجودة في البحر الشرقي للبحر المتوسط. واختارت المنطقة البحرية الممتدّة من طرطوس إلى حدود منطقة النيل. وقسمت جيولوجياً المنطقة إلى ثلاث وحدات تقييم:

  • (١) البليو– بليستوسين (Plio-Pleistocene): وهي تحوي الطبقات التي يعود تكوينها إلى ما بعد حقبة النيوجين/ فترة الميوسين/ مرحلة المسيني. ويعتقد أن هذه الحقبة كانت غنية في تكوين طبقات بمحتويات مواد أولية مهمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خصوصاً في المياه العميقة.
  • (٢) منطقة المشرق الملحية (Levant Subsalt): وهي عبارة عن المنطقة التي توجد تحت طبقات الملح التي تكوّنت خلال حقبة النيوجين/ فترة الميوسين/ مرحلة المسيني.
  • (٣) منطقة المشرق الهامشي (Levant Margin Reservoirs): وهي التي تحوي على صخور من العصر الرباعي/ الفترة البليستوسينة والمؤلفة من الملح والكربونات والحجر الرملي.

الكميات التي وجدتها USGS هائلة وهي تتجه بشكل تفضيلي إلى مصلحة لبنان وإسرائيل، اللذين يشتركان بنفس الطبقات. وبالتالي، لا يوجد أي مانع طبيعي وجيولوجي من أن تكون الخزانات مشتركة بينهما، كما يُظهره رسم ـUSGS الذي يُظهر مقطع أفقي جيولوجي للطبقات الثلاث مأخوذة من جهة مصر بإتجاه لبنان. وبما أن الطبقات الجيولوجية التي تحتوي على النفط بين لبنان وإسرائيل هي مُشتركة، يبقى السؤال عن وسائل سرقة إسرائيل لغاز لبنان؟ القضية باعتقادنا محصورة في نقطتين: تطوير الخزان والإنتاج. إن عملية استكشاف النفط أو الغاز واستخراجه تمرّ بعدّة مراحل:

  • (١) الاستكشاف: وهي المرحلة التي تضمّ العثور على المواد الهيدروكربونية من خلال عمليات رصد ومعرفة ما اذا كان من المجدي الاستمرار من خلال التنبؤ بمحتوى الخزان؛
  • (٢) تقييم محتوى الخزان وعملية التطوير: وهذا الأمر يتمّ تحت السطح مع الخدمات السلكية والتطوير والصيانة كما وتقديرالمخزون والكمية الممكن استخراجها بكلفة معقولة؛
  • (٣) تطوير الخزان: من خلال المعدات تحت السطحية – خدمات الحفر والصيانة، وخدمات البناء، تثقيب، والخدمات السلكية؛
  • (٤) الإنتاج: استخراج المواد الهيدروكربونية من باطن الأرض إلى السطح باستخدام خدمات التحفيز والأنابيب، الخ.

وبالتالي، وبفرضية أن إسرائيل تعمد إلى سرقة من غاز لبنان، فإن السيناريو الأكثر احتمالاً هو أن تقوم بدفع الغاز الموجود في المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة للبنان باتجاه منطقتها الإقتصادية الخالصة من خلال تقنيات دفع المكامن بإتجاهها. وإذا كان حجم هذه المكامن كبيراً، فمن المحتمل أن تعمد إلى عملية حفر أفقي على مثال ما حصل في الخليج في تسعينات القرن الماضي. من هذا المُنطلق، تأتي أهمية انتخاب رئيس الجمهورية الذي سيلعب دوراً أساسياً على صعيد الديبلوماسية لتسريع عملية استخراج النفط والغاز وحل مشكلة الحدود البحرية مع إسرائيل.

Print Friendly, PDF & Email
Source موقع المدن