Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

زحمة العيد في الطرق و”المولات” والأسواق… حركة وبركة؟

أسرار شبارو

“عجقة سير ما في غير جوانح طير توصلني”، اغنية تنطبق على حال اللبنانين منذ ايام مع اقتراب عيد الميلاد. زحمة سير تغص بها العاصمة ابتداء من ساعات الظهر، فالوصول الى المكان المقصود بات حلماً صعب الحصول، مشهد الطرق التي تزيّنت بحلة الميلاد، وأضواء السيارات المتوقفة في صفوف مرصوصة يعكس الحياة في بلد عانى العديد من الأزمات. المظهر العام يوحي ان حالة البيع والشراء تضرب ارقاماً قياسية ما يثير التساؤلات عن قدرة اللبنانيين الشرائية على الرغم مما نسمعه من ضيقة اقتصادية يعانيها السواد الاعظم من الناس.

التحضيرات لاستقبال العيد بدأت منذ أسابيع من زينة واضواء ومجسمات، في المنازل كما في المحلات التجارية لجذب الزبائن لشراء حاجات اليوم المجيد، وتبقى الهدايا وتبادلها مع الآخرين من اهم طقوسه. وبما ان لكل انسان فكره الخاص عن الهدية ومعانيها، كما لكل منهم قدرته الشرائية يُطرح السؤال عمن يختار اللبنانيون لتقديم الهدايا لهم، وما هي ميزانيتهم لذلك، وهل اختلفت مع مرور السنوات؟

حركة لا تعكس واقعاً

المولات التي شكلت منذ فترة الوجهة للكثيرين لا سيما ابناء الطبقتين المتوسطة والغنية، تشهد حركة لكنها لا تعكس حجم حركة السير في الخارج، أشخاص يتنقلون بين محلات الالبسة والذهب والعطورات والاكسسوارات وغيرها، معظمهم خالي اليدين، وكأنهم مراقبون اكثر من مشتريين، لكن الامر لا ينطبق على الجميع، والدليل ما قالته موظفة في محل لبيع الالبسة الرياضية في احد مولات العاصمة من ان “الصندوق في الاسبوعين الاخيرين يغلق يومياً على مبيع يصل الى نحو عشرة آلآف دولار وفي نهاية الاسبوع الى نحو 17 الف دولار، وهي زيادة ممتازة سببها الاعياد، ففي الايام العادية كان يغلق على مبيع ثلاثة آلآف دولار تقريبا”، ولفتت: “زبائننا يشترون الملابس والاحذية الرياضية كهدية لمحبيهم”. سلينا التي كانت برفقة ابنتها في المول اكدت لـ”النهار” ان “الكريسماس يتم التحضير له طوال السنة فهو مميز بالنسبة لنا، لذلك لا تتغير قيمة ونوعية الهدية مهما كانت الحالة الاقتصادية، حتى لو تراجعت قليلا”، واضافت: “الهدايا التي اشتريها تقتصر على عائلتي الصغيرة، زوجي وابنتي وصهري وحفيدي ووالدتي واشقائي واولادهم، كما لا انسى العاملة الاجنبية، اخصص كل عام ميزانية لا تقل عن ثلاثة الاف دولار لذلك”.البعض يختار تقديم الهدية باليد، والبعض الآخر عبر بابا نويل وفي الحالتين يبقى “الكريسماس عيد له نكهة جميلة كونه يجمع العائلة والاقرباء على الالفة والمحبة، اما الهدية التي يتم تبادلها في ذلك اليوم فترمز الى المجوس الذين اهدوا المسيح عند ولادته البخور والعنبر والعطور”، وفق ما قاله جوني اسمر صاحب مؤسسة لتعهدات البناء، والذي اضاف: “موضوع الهدايا متشعب، فالثمين منها اختاره لزوجتي وامي وابنتي اما المتوسطة فلأشقائي واصهرتي، بشكل عام اخصص ميزانية تصل الى 500 دولار اميركي لهذا الامر كل عام”.

ضيقة مادية ولكن!

من محل الى آخر كانت تنتقل، من دون ان تحمل في يدها اي كيس يوحي انها خطت الخطوة الأولى في تحقيق الهدف الذي قصدت منه السوق، هي “ليدا” الموظفة في احدى الشركات والتي اعتبرت ان “الهدية بفكرتها وليست بقيمتها المادية”، لذلك كما قالت “كانون الاول (شهر بيقص الظهر) يشعرني بضيقة مادية كون المصاريف تزداد، في السابق كنت اشتري هدايا اجمل للاصدقاءالمقربين كما لكل افراد العائلة اما اليوم فباتت تقتصر على الاولاد، اذ لا استطيع دفع اكثر من مئتي دولار، لذلك اختصرت من دائرة المشمولين بحساباتي رغم ان الامر يزعجني، وما يحزنني اكثر انه عاما بعد عام تتراجع القدرة الشرائية لديّ”. مع ابنائه الثلاثة وزوجته كان ايلي يتمشى، بالنسبة له”مهما كانت الاوضاع المادية سيئة، يجب ان نحافظ على قيمة هذا اليوم لا سيما اعطاء الاطفال حقهم من الهدايا، قد ننكسر قليلا وربما كثيرا، لكن علينا تحمل الامر”، يقاطعه ابنه قائلاً: “مهما كان الامر نريد العاباً على العيد حتى لو لم يكن لديك المال”. إذا اقتصد البعض من قيمة الهدية ومن المشمولين بها، فهناك اناس يحلمون بليرات قليلة لشراء ولو لعبة صغيرة ليفرحوا قلب اولادهم لكن كما قالت ليندا “العين بصيرة واليد قصيرة، فحتى ثياب جديدة لا يمكنني ان اشتريها لابني، زوجي عاطل عن العمل، نعيش على حسنة ننتظرها من هنا وهناك، ومع ذلك لديّ امل ان الرب لن ينسانا وسيدخل السعادة الى قلبنا يوم العيد”.

تباين في حركة الاسواق

الحركة في الاسواق التجارية تختلف من سوق لآخر، ففي الوقت الذي اعتبر فيه رئيس جمعية تجار برج حمود بول أيانيان ان “الحركة استثنائية لا بل عجيبة، حيث فتحت المحلات ابوابها الاسبوع الماضي حتى منتصف الليل، اذ بعد تأليف الحكومة تغيّرالجو كليا، ارتاح اللبنانيون وتشجعوا على الشراء، والآن ننتظر قدوم الاف المغتربين والسياح، ما سيزيد الحركة في كل الاسواق اللبنانية”، لافتاً الى ان” اهم صناعة وتجارة في برج حمود تتعلق بالذهب، نصدر لكل دول العالم، وبما ان سعره انخفض الى 1130 دولارا للاونصة تشجع اللبنانيون على شرائه اما لتقديمه هدية على الاعياد او للاقتناء الخاص”. من جهته، رأى رئيس جمعية تجّار الاشرفية انطوان عيد انه “مقارنة بالشهر الماضي الحركة في سوق الاشرفية تحسنت الا انها لا تزال اخف من الاعوام السابقة في الفترة عينها، وذلك بسبب عدم توفر السيولة الكافية وزيادة المصاريف، وعدم وجود السياح ومع ذلك نأمل تحسن الوضع في الايام الآتية”. أما رئيس جمعية تجار الحمراء زهير عيتاني فغير راض كلياً عن حركة السوق التي تراجعت كما قال” الى النصف مقارنة مع العام الماضي، الحركة داخل المحلات ضعيفة ولا تعكس زحمة السير في شارع الحمراء”، اما السبب في رأيه فيكمن في عدم وجود “سياح ينعشون السوق، لذلك على وزير السياحة تسويق لبنان كما تفعل بلدان اخرى”.

مساهمة الطبقات الاجتماعية

من جانبه، شرح الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة لـ”النهار” ان”الاستهلاك الذي عشناه في السابق لا يزال كما هو، لا بل انخفض خاصة في شهري اب وايلول والاسبوعين الاولين من تشرين الاول، اي قبل انتخاب رئيس الجمهورية، تراجعه كان بالدرجه الاولى بسبب عدم الثقة بالاقتصاد، لكن عند انتخاب العماد ميشال #عون ارتفع النشاط التجاري نحوعشرة في المئة خلال الاسابيع الاولى، ليتعثر بعدها مع تعثر تشكيل الحكومة، ومع اقتراب الاعياد نرى تحسناً في النشاط التجاري ليتناسب مع العيد وفي الوقت عينه الاسعار ترتفع”. لكن هل فعلا لدى اللبنانيين مدخول كاف لتمويل هذا النشاط واين يصرف المواطن امواله؟ عن ذلك أجاب: “تقليديا تمويل الاستهلاك يأتي من ثلاث امكنة، المدخول، القروض المصرفية، وتحويلات المغتربين”، ولفت الى انه “يجب تقسيم الناس الى فئات، الطبقة الفقيرة، التي لا تصرف وان اشترت فادنى نوعية لتعيش فقط فرحة العيد، ثانيا الطبقة المتوسطة التي هي اساس الحركة التجارية والتي زادت من خلالها، والطبقة الغنية التي لا يتغيّر مصروفها طوال السنة، لذلك لا تغير في هذا السياق، فمساهمة الاستهلاك لديها في الاقتصاد لا قيمة له، نظراً لعدد المنتمين القليل الى هذه الطبقة”.

حل واحد!

كي نلمس تحسناً في السوق يجب، وفق عجاقة، ان” ترتفع القدرة الشرائية للمواطن، وحتى ترتفع هذه القدرة هناك حل واحد وهو زيادة المدخول كون خفض الاسعار يعتبر امرا مستحيلا فاتجاه الفائدة تصاعدي”. وأسف لأن ” الزيادة في النشاط التجاري لا يستفيد منها الاقتصاد اللبناني الا قليلا”، والسبب يعود الى “هيكلة الاقتصاد الضعيفة، بما اننا نستورد ما بين 70 و80 في المئة مما نستهلك، يعني ان الاقتصاد الخارجي هو من سيستفيد، لكن هناك عاملا تقنيا سيزيد من القدرة الشرائية للمواطن الا وهو انخفاض الاورو امام الدولار، فتقنياً استطيع التحسين من قدرتي الاسترادية وبالتالي الاستهلاكية”. لكن هل التنافسية في لبنان تسمح بهذا الشيء؟ اجاب: “اشك ان نلحظ اي انخفاض في الاسعار وبالتالي الارباح ستكون اكثر للتجار”. مهما تكن أحوال اللبنانيين المادية، فلا بد ان يترك العيد في قلوب الجميع فرحة تختلف عن باقي الايام العادية!

Print Friendly, PDF & Email