Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

وأخيراً اتفقوا على النفط: تقاسُمٌ أم شفافية؟

فجأة، وبسحر ساحر، توافق السياسيون في لبنان على ملف النفط والغاز، وأفرجوا عنه بعد انتظار وتعطيل لسنوات، ولم يُسمع سوى صوت اعتراض واحد على التسوية هو صوت النائب وليد جنبلاط. وبمقدار ما يسود التفاؤل والارتياح أوساط اللبنانيين لدخول لبنان نادي الدول النفطية، ولو متأخراً، فهناك نسبة من القلق تنتابهم أيضاً لسببين:  1 – هل ان توافق الطاقم السياسي على الملف هو ثمرة نضوج وطني وتحمل للمسؤولية الوطنية لاستثمار هذه الثروة الوطنية ووضعها في خدمة الدولة والاقتصاد، أم هو نتيجة نضوج طبخة التقاسم للثروات المنتظرة؟ 2 – على المستوى الاقتصادي، هل إن التوقيت الذي يأتي فيه انطلاق الخطوات التنفيذية من ملف النفط والغاز مناسب اقتصادياً أم إن التأخير وانهيار أسعار النفط تركا آثارهما السلبية على الملف؟ في أي حال، هناك سنوات ستمضي قبل أن يبدأ لبنان استخراج الغاز والنفط وبيعهما. وخلال هذه الفترة قد تتغيّر الظروف السياسية في الداخل والظروف الاقتصادية التي سيجري خلالها الاستخراج والتصدير. ولكن، لا بدّ من توفير شرط مهم لضمان تحقيق الهدف الأساسي من استخراج الغاز والنفط في بلد محشور اقتصادياً كلبنان، أي دعم ماليته العامة وتثمير الطاقات المستخرجة لتحقيق ازدهار طال انتظاره. وهذا الشرط هو حسن إدارة الملف. وفي عبارة أخرى، إدارته بشفافية ونزاهة لئلا تذهب ثروات لبنان المدفونة في البحر طعاماً لحيتان البرّ فيما هي اليوم محفوظة في منأى عنهم. فهل تتحقق هذه الأمنية أم تتبخَّر الثروة النفطية ويندم اللبنانيون على الساعة التي كشفوا فيها عن هذه الثروة؟ الرهان الأول هو إنشاء الصندوق السيادي الذي تجمع فيه محاصيل موارد قطاع الغاز المالية، مقدّمة لتحديد نسَب الصرف منها على كلّ قطاع تنموي. والرئيس ميشال عون أصر خلال جلسة الحكومة على ضرورة إنشاء الصندوق باكراً، ليشكّل ضماناً مبكراً لتجنب تمييع فكرته ووظيفته وعدم إخضاعه لتسويات المحاصصة الداخلية. مخزون النفط والغاز شبيهٌ بالموجودات التي يملكها لبنان من الذهب. وقد أثبتت الأيام أن من الحكمة الاحتفاظ بهذه الموجودات وعدم تسييلها في ظل الفلتان السياسي والإداري والمالي الذي كان سيطيح بها. فهل من الحكمة تسييل الثروة الغازية والنفطية في هذه الظروف أم سيندم اللبنانيون يوماً؟ الجميع ينتظر ويراهن ويتفاءل بالخير…  إذاً، بعد تأخير فاق الثلاثة أعوام، أقرت الحكومة اللبنانية الجديدة، مرسومين لتحديد الكتل الجغرافية للتنقيب عن النفط والغاز، ما يفتح الطريق للمناقصة حول الاحتياطات البحرية المتوقفة منذ العام 2013. وينبغي إقرار المرسومين المتعلقين بتقسيم المياه البحرية الخاضعة للولاية القضائية للدولة اللبنانية إلى مناطق على شكل رقع، ودفتر الشروط الخاص بدورات التراخيص في المياه البحرية، حتى يتسنى للشركات تقديم العطاءات وإنجاز جولة التراخيص. وكان قد جرى مراراً تأجيل مواعيد تقديم عروض الشركات المؤهلة للمشاركة في المزايدة لدورة التراخيص الأولى للتنقيب عن النفط والغاز. ويقارب حجم الاحتياطات البحرية اللبنانية ال 96 تريليون قدم مكعبة من الغاز، و850 مليون برميل من النفط. وهذه الكميات قادرة على إحداث نهضة ينتظرها لبنان بسكانه ال 4 ملايين، ومعهم نحو مليوني نازح سوري وفلسطيني، في ظل صعوبات اقتصادية فاقمتها الحرب في سوريا وأزمة الفراغ الرئاسي. وتتوقّع وزارة الطاقة بدء أعمال الحفر والتنقيب لإنتاج النفط والغاز في غضون 3 سنوات، إذا أنجزت الخطوات التنفيذيّة المتبقية وفق الجدول الزمني المحدّد لها، بعد التوافق على القانون الضريبي الذي أعدّته هيئة إدارة القطاع، وأدخلت وزارة المال تعديلات عليه، تمهيداً لاستكمال دورة التراخيص واستقطاب الشركات.  خريطة طريق  إذاً، المنظومة التشريعيّة والقانونيّة لمتابعة دورة التراخيص الأولى باتت جاهزة، وكانت قد أُطلقت في أيلول/سبتمبر 2013، وتأهّلت بموجبها 46 شركة 12 شركة مشغّلة و34 شركة غير مشغّلة. وهذا ما عبّر عنه وزير الطاقة سيزار أبو خليل الذي أعلن دخول لبنان العصر النفطي العالمي. وستكون هناك خريطة طريق تتضمن خطوات تنفيذيّة ومحطّات حتى توقيع العقود لبدء الاستكشاف، وتتضمّن: 1 – إعادة استطلاع اهتمام الشركات المؤهّلة في الدورة الأولى. 2 – فتح دورة تأهيل جديدة للشركات الراغبة في المشاركة مع ما يتبع ذلك من دخول لاعبين جدد. 3 – تقديم العروض للبلوكات المفتوحة للمزايدة. 4 – تقويم العروض التي بحسب دفتر الشروط ستخصّص ٧ 5 – موافقة مجلس الوزراء على توقيع العقود.

بلوكات لها أولوية  ويُعدُّ إقرار المرسومين العالقين منذ ثلاث سنوات بمثابة إشارة إيجابيّة للقطاع النفطي، بما يعزّز اهتمام الشركات في الغاز اللبناني، بحسب أبو خليل، وهي خطوة تأتي بالتزامن مع ظروف مستجدة بعدما أنهت قبرص دورة التراخيص الثالثة، ففاز كونسورسيوم شركتي ExxonMobil وQatar Petroleum بالبلوك رقم 10، وكونسورسيوم ENI وTotal بالبلوك رقم 6 الذي يضاف إلى حصّة ENI في البلوكات القبرصيّة رقم 2 و3 و8 و9 وحقل ظهر المصري، فيما أطلقت إسرائيل دورة تراخيص جديدة وفتحت 24 بلوكاً بحرياً على الحدود الفلسطينيّة الشماليّة، وأبدت مجموعة من الشركات العالميّة من ضمنها شركات روسيّة اهتمامها فيها بعد دخول قانون مكافحة الاحتكار النفطي حيّز التنفيذ في إسرائيل وهو الذي سحب البساط من تحت أقدام شركتي Noble Energy الأميركيّة وDelek الإسرائيليّة. وكان وزير الطاقة حينذاك، جبران باسيل، قرر فتح البلوكات رقم 1 و4 و5 و6 و9، التي بيّنت الطبيعة الجيولوجيّة والمسوحات الزلزاليّة التي أجرتها هيئة إدارة قطاع البترول وجود مكامن صالحة للاستكشاف فيها، وهي البلوكات نفسها التي فضّلتها أكثريّة الشركات المتأهّلة في حينه. أما عمليّة اختيار البلوكات اليوم، فتخضع لمعطيات جديدة لها أبعاد سياسيّة، نتيجة الحركة الإسرائيليّة على الحدود الجنوبيّة، حيث تقرّر فتح البلوكات رقم 8 و9 و10 الجنوبيّة، والبلوك رقم 1 الشمالي، وأحد البلوكات الوسطى أي البلوكات رقم 4 أو 5 أو 6. ويحلّ بعدها الاعتبار التقني عبر اتباع استراتيجية التلزيم التدريجي بما يزيد من حصّة الدولة من المزايدة عبر تحفيز المنافسة بين الشركات، علماً بأن شركة غازبروم الروسيّة أبدت اهتمامها، من دون أن تقدم بعد على شراء قاعدة المعلومات الداتا التي تخوّلها بدء الاستكشاف.

الإجراءات الضريبية  بدأت، اللجنة الوزاريّة، المؤلّفة من رئيس الحكومة ووزير الطاقة ووزير الماليّة، مناقشاتها لتعديل الإجراءات الضريبيّة بما يتناسب مع الأنشطة البتروليّة، والتي وصفها الوزير أبو خليل بأنها مجرّد تعديلات تقنيّة. وسبق أن أنهت هيئة إدارة قطاع البترول العمل على مشروع قانون النظام الضريبي للقطاع النفطي الذي يعتمد عقود تقاسم الإنتاج، أي الشراكة بين الدولة وشركات النفط، التي تتمتّع بحقّ استثمار منطقة معيّنة واستخراج النفط منها، على أن تتحمّل كل التكاليف، من ضمنها تكاليف فشل الاستكشاف، على أن تسترجع تكاليفها في مدّة معيّنة بحصولها على حصّة من بترول الكلفة محدّدة السقف، فيما تنقسم الكمّية المتبقية بترول الربح إلى حصّة للدولة خاضعة للمزايدة لتقديم العرض الأفضل لها وحصّة أخرى للشركة تترتّب عليها ضرائب أيضاً. وهو ما أخضعته وزارة الماليّة لمجموعة من التعديلات عبّر وزير الماليّة علي حسن خليل عن ملاحظاته خلال جلسة مجلس الوزراء ستخضع لنقاشات اللجنة لتحديد السياسة الماليّة، وتطاول: 1 – اقتراح وزارة الماليّة زيادة ضريبة الدخل والأرباح من ٢٢. 2 – نظام تدوير الخسائر بما يجعله متحرّراً من فترة السنوات الثلاث التي ينصّ عليها قانون الشركات لتتمكّن هذه الأخيرة من استعادة كلفتها من دون أي ضغط زمني. 3 – إلغاء رسم الطابع المالي المربوط بقيمة العقد، والذي اقترح وزير المالية إصداره منفرداً بمرسوم منه. 4 – مناقشة قيمة الضريبة المُضافة على الشركات. 5 – رسملة الشركة بما لا يجعل ديونها تتخطّى ثلثي مداخيلها. 6 – إعفاء الحفّارات من الرسوم الجمركيّة لإدخال المعدّات التي ستستخدمها في الاستكشاف والتنقيب، واستبدالها بتصاريح إدخال مؤقت. وهي مجموعة من التدابير التي تليّن التعامل مع الشركات وتزيد من هامش جذبها.

المراحل المقبلة  مع إقرار دفتر الشروط ومرسوم تحديد البلوكات البحريّة ومرسوم نموذج اتفاقيّة الاستكشاف، من المتوقّع أن تستكمل دورة التراخيص الأولى، بالتوازي مع إقرار قانون النظام الضريبي، وقانون إنشاء الصندوق السيادي، الذي تودع فيه الأتاوة وحصّة الدولة من بترول الربح. وعند توقيع العقود، في غضون 9 أشهر إذا أنجزت كلّ الخطوات بحسب الوقت المحدّد لها، ستبدأ عمليّة الاستكشاف التي تستغرق نحو 5 سنوات. ولكن هناك توقعات بأن ينجز هذا العمل في لبنان ضمن مهلة سنة ونصف السنة، خصوصاً أن هيئة إدارة قطاع البترول سبق أن أنجزت المسوحات الزلزاليّة والدراسات الجيولوجيّة للبلوكات البحريّة، ليبدأ بعدها الحفر والتنقيب والإنتاج.

حصة الدولة  تحصل الدولة أولاً على الأتاوة، ثم يستردّ الكونسورسيوم 3 شركات على الأقلّ بحسب الاتفاقيّة التكاليف المدفوعة في مراحل الاستكشاف والتطوير والإنتاج عبر بترول الكلفة على عدد من السنوات، وفقاً لمزايدة، على أن لا يتخطى ال ٦ ثانياً، بعد حسم الأتاوة وبترول الكلفة، يقسّم بترول الربح الكمّية المتبقيّة بين الدولة والشركة، حصّة الدولة خاضعة للمزايدة بنسبة ٣ ثالثاً، بعد حسم حصّة الدولة من بترول الربح تحصل الشركات على الحصّة المتبقّية منه، بعد اقتطاع نسبة من هذه الحصّة كضريبة بنسبة ٢٢.

إسرائيل تسطو على الغاز اللبناني  ويعتقد خبراء أن تأخر لبنان في سباق استثمار ثروات النفط والغاز في البحر المتوسط، ربما أدى إلى خسارته جانباً من تلك الاحتياطات بسبب تداخل الحقول في المياه الإقليمية مع الدول المجاورة، ولا سيما إسرائيل وقبرص، اللتين باشرتا بقوة في استغلال حقولهما النفطية. ويرى خبراء النفط في لبنان أن معوقات تحريك عجلة التنقيب تكمن في مسألة الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل والتي لا يبدو أن الأمم المتحدة قادرة على حسمها، خاصة أن إسرائيل باشرت التنقيب بالفعل في الحقول الحدودية مع احتمال أنها تقوم باستخراج النفط من الحقول اللبنانية. وكانت الولايات المتحدة قد نصحت الحكومة اللبنانية ببدء التنقيب في الحقول الشمالية، في إشارة للحكومة اللبنانية تؤكد عجز واشنطن عن ممارسة ضغوط على إسرائيل لترسيم الحدود البحرية مع لبنان. وتروي مصادر متابعة مجريات الأحداث والوقائع التي قادت إلى تحريك الملف النفطي. فقبل نحو عامين، تبلغت مراجع لبنانية معلومات عن قيام إسرائيل بالسطو على كمّيات من الغاز اللبناني عبر أنبوب يمتد في المياه الإقليمية اللبنانية المتاخمة للحدود. وتحركت السفارة الأميركية في بيروت لتسوية الأمر، طالبةً من لبنان عدم التصعيد. وعاد الملف إلى كواليس المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل عبر الأميركيين. ولكن، مع حكومة الرئيس تمام سلام، انكفأت اميركا تدريجاً عن دورها الراعي لمفاوضات حلّ النزاع اللبناني الاسرائيلي لترسيم الحدود النفطية البحرية، علماً انّ واشنطن كانت، عبر فريدريك هوف، قدّمت نفسَها أيام حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وسيطاً متحمّساً لإنجاز تسوية لهذا الملف. واقترح هوف شراكة حلّ لأزمة ترسيم الحدود البحرية الاسرائيلية اللبنانية. وتخلّى هوف عن مهمة الوسيط بعد اصطدامه برفض الجانب الاسرائيلي إنشاء ممر أزرق يضمّ الحقول المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل، بحيث لا يقدِم أيّ من الطرفين على الاستثمار والتنقيب فيها، ريثما يتمّ إيجاد حلّ لها، وفي المقابل يستثمر الطرفان في الحقول غير المتنازَع عليها. وقدمت واشنطن نصيحة لبيروت بالإسراع في تلزيم مناقصات التنقيب عن النفط والغاز، لأنه الحلّ المتبقّي لحفاظه على حقّه في ثروته النفطية. لكن حكومة سلام كانت غارقة في أزمات داخلية حادة كالنفايات وسواها. ولذلك، جاء قرار حكومة الرئيس سعد الحريري تلزيم ثلاثة بلوكات في الجنوب، من ضمنِ البلوكات الخمسة المعروضة للتلزيم، ضمن استراتيجية تضع على رأس أهدافها الاستجابة للنصيحة الاميركية بضرورة فتحِ باب التلزيم، بصفته الطريقةَ المتاحة والأفضل لوقف استمرار محاولات اسرائيل لسرقة غاز لبنان. وأمام لبنان خياران حتى الآن، لإيجاد حلّ لنزاعه مع اسرائيل: إمّا القبول بنظرية الممر الأزرق، وهذا اقتراح رفضَته اسرائيل. وإمّا الموافقة على نظرية أخرى تقضي بأن تقوم الشركات الملتزمة بالتفاوض حول تحديد حصّة لبنان، ثم التقيب والاستثمار والبيع وإعطاء لبنان حصّته.

اتفاق بري – التيار  حلحلة الخلاف حول الملف النفطي جاءت نتيجة التقاء التيار الوطني الحر وحركة أمل. وقد جرى اتفاق بين رئيس التيار الوزير جبران باسيل والرئيس نبيه بري حول الملف بعد تعثر تسببت به أزمة الفراغ الرئاسي. فباسيل يعطي أولوية للحقول المقابلة لشاطئ البترون، فيما يحرص بري على الحقول الجنوبية.

اعتراض جنبلاط  ولقي إقرار مرسومي النفط والغاز انتقاد رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط الذي قال: بعد الجلسة، ما العمل؟ إنّ خيبة الأمل كبيرة، ولكن ممنوع الاستسلام. وأما الأمين القطري لحزب البعث العربي الإشتراكي النائب عاصم قانصوه، فقال إن إقرار مرسومَي النفط والغاز جيد، شرط إنشاء وزارة للنفط تتابع الملف لكي تكون صدقيتُنا امام العالم ظاهرة، وأن يترافق ذلك في الوقت نفسه مع اتّخاذ قرارات لإعادة ترميم مصفاتَي طرابلس والزهراني. إلا أنّه اشتَمّ روائح صفقة في ما جرى، وقال إنّ الحصص توزّعت بين الطوائف بدلاً من ان يكون المردود للدولة اللبنانية مباشرةً. ولفتَ الى انّ الصندوق السيادي يُفترض ان يُنشَأ عند تأسيس وزارة النفط، وليس اليوم قبل ان يُستخرج النفط، وأن يكون داخل الوزارة المُنشَأة. وسجّل أنّ هيئة إدارة قطاع البترول بين أعضائها اشخاصٌ ليسوا من اصحاب الاختصاص، وهذه الهيئة تُشكَّل بعد إنشاء وزارة النفط وليس قبله. وتمنّى على وزير الطاقة الإفراج فوراً عن المراسيم التطبيقية للطاقة الشمسية المحتجَزة منذ أكثر من ثلاث سنوات، فيما الدولة لا تزال تشتري الكيلو وات الواحد ب20 و٢٣ سنتاً، لكن عندما يبدأ الإنتاج بالطاقة الشمسية يصبح سعر الكيلو وات 11 سنتاً.

النفط والدين وفي رأي الخبير الاقتصادي الدكتور جاسم عجاقة أن المُشكلة تبقى في حجم الدين العام الذي يرتفع والذي لن تستطيع الثروة النفطية من لجمه حين يتمّ استخراجها. فهناك 7 مليارات دولار هي العجز المُقدّر في العام الجاري، إنه رقم ضخم يعكس أربعة عوامل:  1 – تآكل الماكينة الإقتصادية التي أصبحت تعجز عن تغطية الإنفاق العام والخاص. 2 – الهدر والفساد اللذين يُسهمان بشكل ملحوظ في زيادة الدين العام. 3 – وصول استحقاقات دين عام بقيمة 3.9 مليارات دولار إلى نهايتها في العام الجاري. 4 – غياب السياسات الإقتصادية لاستيعاب التداعيات السياسية والأمنية التي عصفت بلبنان خلال السنوات الماضية.  هذا الواقع دفع الدين العام إلى تخطّي عتبة 75 مليار دولار أميركي في تشرين الأول/أكتوبر من العام الفائت. بالتالي، إذا ما إفترضنا أن نمو العام المقبل سيراوح بين 2و العام 2018 لن يكون أفضل بكثير مع استحقاقات دين عام بقيمة 7.3 مليارات دولار أميركي. بالتالي، في ظل فرضية استمرار التقوقع الإقتصادي على حاله، فإن الدين العام سيزيد في العام 2018 بقيمة 6 مليارات دولار أميركي أي سيتخطّى 86 مليار دولار أميركي. فالنفط والغاز سلكا طريقهما إلى الإستخراج. وبغض النظر عن العقبات والصعوبات التي ستعترض هذا الملف، تقنياً لا يُمكننا أن نستخرج النفط والغاز قبل 8 سنوات أقلّه، أي بحلول العام 2025. وفي 8 سنوات سيرتفع الدين العام بوتيرة 5 مليارات دولار أميركي كمعدّل وسطي، أي بنهاية العام 2025 سنكون مع دين عام بحدود 120 مليار دولار أميركي ٢٤ وأثبتت تجارب الدول المُنتجة للنفط التي اعتمدت شبه أحادية الإنتاج النفطي في إقتصاداتها، أنها فشلت في انماء مُجتمعاتها. بالتالي، أصبح النفط مرتبطاً بشكل عضوي بالانماء، إذ إن كل دولار نفطي أو غازي يجب أن يذهب إلى الإنماء وليس إلى الإنفاق العام.  والآلية التي إقترحها عجاقة على هذا الصعيد تنصّ على إنشاء صندوق سيادي يتلقّى مداخيل النفط والغاز على أن يتمّ استثمار هذا الصندوق في استثمارات عالمية مُتنوّعة جغرافياً ومالياً على مثال الصندوق السيادي القطري. وتأتي عائدات الصندوق لتُستثمر في الماكينة الإقتصادية بهدف النمو الاقتصادي والإنماء الاجتماعي.  ولكن المُشكلة هي أنّه لا يُمكننا الإنتظار حتى العام 2025 للقيام بهذا الأمر، لأن الدين العام سيصل إلى مُستويات يُصبح معها من شبه المستحيل الإستفادة من الثروة النفطية. بالتالي، يتوجب من الآن القيام بخطوات عملية للجم الدين العام.  هذه الاجراءات أو الخطوات تبدأ قبل كل شيء بخطّة إقتصادية للتأسيس لإقتصاد متطوّر بغض النظر عن الثروة النفطية التي يمتلكها لبنان. هذا الإقتصاد المُتطوّر هو الوحيد القادر من خلال النمو الاقتصادي المُستدام على إمتصاص الدين العام. وللقيام بهذا الأمر يتوجبّ على الحكومة القيام بعملية مسح شاملة لكل القطاعات الإنتاجية كي تشمل مكامن القوة والضعف والحاجات المالية والبشرية. ويتوجب على هذا المسح أن يشمل دراسة البنى التحتية والفوقية بهدف توجيه الإستثمارات المُستقبلية.  وهذه الخطّة يتمّ وضع أسسها باستخدام منهجية البنك الدولي Value Chain Analysis، التي تضمن توافر عناصر القوة لإنجاح المشاريع بما يضمن الإنماء المناطقي المتوازن مع تحديد أولويات للقطاعات التي تُسبب خسارة لخزينة الدولة وللإقتصاد بشكل عام. بالتالي، يُمكن بعدها وضع خطّة اقتصادية على عشر سنوات على أن يتم تقييمها وتصويبها إذا احتاج الأمر كل عامين.  وبعدها تقوم وزارة المال بترجمة هذه الخطّة إلى موازنة على فترة خمس سنوات، على أن يتمّ إقرار هذه الموازنة كل عام في مجلس النواب بعد اجراء التعديلات اللازمة عليها من قبل الحكومة اللبنانية. ما يضمن احترام الدستور، وفي الوقت نفسه يسمح بالأخذ بالتطورات التي حصلت خلال العام السابق.  ولكن، يقول عجاقة، هذا الأمر في الظاهر صعب التحقيق نظراً للتاريخ التعطيلي للقوى السياسية التي تربط الإقتصاد بالسياسة. بالتالي، تؤدّي إلى مناكفات تنتهي بالصرف على أساس القاعدة الإثني عشرية والتي ضاعفت الدين العام بين العامين 2005 و2016. 

دولة بالتوافق!! كل المؤشرات توحي بأن ماكينة الدولة التي أكلها الصدأ على مدى السنوات الأخيرة بدأت تتحرك من جديد. كثيرون يعتبرون ذلك كافياً لعودة الدولة إلى الحياة، بتوافق الجميع. لكن هناك مَن يسأل: هل هو فعلاً توافقٌ على استعادة دولةٍ كانت مُصادَرة، أم هو حلقة أخرى من عملية تقاسم مستمرة للدولة وموارها وخيراتها… بالتوافق؟ وفي تعبير آخر، هل إن ذهنية تمرير القرارات بالمحاصصة هي التي ستتحكَّم بالحكومة في كل مرّة، لمجرد أن يكون هناك توافق حول ملف معين؟ وصحيح أن من غير المناسب استقبال القرارات المثمرة التي انطلق بها العهد بالتشكيك. ولكن من حقّ الناس الذين عاشوا تجارب كثيرة مماثلة في السابق أن يخافوا. فالفساد هو الطريق الأسهل والأربح للجميع، خصوصاً إذا تمّ تحت عنوان التوافق والتقاسم. ولماذا يعذّبون أنفسهم بما هو أصعب وأقلّ ربحاً؟ المؤشرات التي أثارت هذه الأسئلة، بعد الجلسة، تنطلق من سرعة التوافق على الملفات الكبيرة العالقة منذ سنوات، كالنفط والاتصالات. فهل تعبِّر هذه السرعة عن إرادة حقيقية في تسهيل انطلاق الدولة أم عن واقع القسمة بالتراضي؟ وهل ما أثار النائب وليد جنبلاط هو فعلاً شعوره بأن أبطال هذه القسمة لم يحسبوا حسابه كما اعتادوا أن يفعلوا دائماً، لأن الرجل خسر دوره ك ثقّالة يحتاج إليها كل راغب في ترجيح موقعه في اللعبة؟ الواضح هو أن المرحلة دسمة بالغنائم، ومن ملامحها استعادة الكثير من المال الخليجي الضائع أو المهدور. وليس مستغرباً أن تتمَّ جولة الرئيس ميشال عون الخارجية الأولى، للسعودية وقطر، برضى الجميع. ومن التسرُّع القول إن هذا الأمر يزعج حلفاء إيران. فالمال الخليجي حاجة للاستقرار الاقتصادي المطلوب، والذي سيترجم بترتيبات خلاّقة، من ملامحها خفض الفوائد على قروض مصرف الإسكان لتحريك السوق العقارية، خصوصاً إذا واكبت ذلك عودة المستثمرين الخليجيين. هناك أسئلة كثيرة تتعلق بملفات شائكة، وبعضها عمره عشرات السنين. فماذا عن الوقائع والمعلومات والوثائق الفضائحية التي رمى بها السياسيون الجالسون اليوم إلى طاولة مجلس الوزراء، بعضهم في وجه بعض، والتي تبيّن أن معظمها صحيح؟ هل سيحاسبون بعضهم بعضاً أم سيتغاضون عن الفضائح باعتبارها أيضاً جزءاً من مرحلة سابقة؟ فماذا عن الكهرباء والسدود وتلزيمات الميكانيك والمرافق والمشاريع عموماً وأموال النازحين؟ وهذا السؤال يصبح أكثر إلحاحاً مع الاستعداد لدفعة التعيينات المرتقبة، والأهم مع التحضير لقانون الانتخاب. في التركيبة التوافقية السائدة اليوم، ليس هناك حُكم ومعارضة، وليست هناك سلطة تشريعية وأخرى تنفيذية. كل المجلس النيابي موجود في مجلس الوزراء، وكل الحكومة موجودة في البرلمان. وليس هناك مَن يخبِّر عن المعارضة، باستثناء أقلية. وبعدما خسر رئيس الجمهورية دور الآمر الناهي الذي كان له في نظام الجمهورية الأولى، جاء الطائف ليوزّع الأدوار على رئيسي المجلس والحكومة أيضاً. وتوحي انطلاقة العهد اليوم بنوع من الترويكا المستعادة. فالجميع يشارك في كل شيء. وإذا أنتجت الطبقة إياها قانون الانتخاب الذي يكرس إقامتها سعيدةً لسنوات أخرى، فسيكون محكوماً على عهد عون أن يكون مثيلاً للعهود السابقة. وواقع الخلطة الحاكمة، بالمَونة والتراضي، تحت شعار التوافق ستكرِّس المشكلة، حيث لا أحد يحاسب أحداً، لا على الماضي ولا الحاضر ولا المستقبل. وهنا التحدّي: هل يلتزم أصحاب الوعود بضرب الفساد أم يركبون الموجة كسواهم؟ الناس ينتظرون، قلوبهم على أيديهم، ومن حقهم أن يخافوا… رابط الصياد  

Print Friendly, PDF & Email