Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

بالتفاصيل: كيف سترتفع الأسعار جرّاء الضرائب الجديدة؟

لا يتردد عددٌ كبير من النوّاب في التأكيد أمام الكاميرات أنهم ضدّ فرض ضرائب جديدة على المواطن، في حين يسارعون إلى إقرارها لحظة دخولهم قاعة البرلمان. ولا يتردد عددٌ كبير من أعضاء المجلس النيابي في التشديد على أنّ هذه الضرائب الجديدة لا تؤثر سلباً على المواطنين ولقمة عيشهم، في حين يُقرّون، بعد هنيهة، بأن “ما في اليد حيلة” ولا بدّ من تمويل السلسلة بإجراءات ضريبية مختلفة.

هذا ليس “سكيزوفرينيا”، ولا شكلاً من أشكال الاضطراب الوجداني الثنائي القطب. إنه سلوكٌ طبيعي ومتوّقع من مجلس نيابي مددّ لنفسه مرتين سالباً أبسط الحقوق من الشعب، وهو سلوكٌ طبيعي لمنظومة سياسية لا ينظر أربابها إلى المواطنين سوى كأنهم حشرات أو طفيليات. إنه أيضاً نتيجة تلقائية “للجهل الضارب طنابو”، للفساد، للغوغائية، للعشوائية، ولتقديم المصالح الخاصة على العامة. من المعروف في علم الاقتصاد ونظرياته العامة، أنّ دور الدولة يقتصر على التشريع، التنظيم، المراقبة وإعادة توزيع الثروات. وليس خافياً على أحد أن مبدأ فرض الضرائب مشروعٌ وفق النظرية الاقتصادية، وبخاصة في الأنظمة الديمقراطية، على أن يُقابل بتوفير خدمات لجميع المواطنين، أبسطها في لبنان غائبٌ ومهمل! لا حاجة طبعاً للتذكير بأزمات الكهرباء، التعليم، الطبابة، النقل…وقد باتت خبز اللبناني اليوميّ، ما جعله “متطرّفاً” في ردود فعله على احتمال فرض ضرائب جديدة، لا سيّما في ظلّ استمرار فضائح الفساد والهدر. على هذا النحو، “قامت القيامة ولم تقعد” بسبب إقرار المجلس النيابي سلسلة من الضرائب لتمويل “السلسلة”التي يستحقها موظفو القطاع العام، وقد حُرموا منها لسنوات وسنوات وعانوا الأمرّين. فهل ردود فعل المواطنين الرافضة للضرائب محقة، ولماذا؟! في حديث لموقع “لبنان 24″، يشرح البروفيسور في علم الاقتصاد جاسم عجاقة انّ “الضرائب تطال نوعين رئيسيين: الاستثمار (الشركات) والاستهلاك (الأسر). ما حصل هو انّ البرلمان لم يرفع الضريبة على دخل المواطنين، لكنه لجأ في المقابل إلى زيادة 1 بالمئة على ضريبة القيمة المضافة (TVA) . ومن المعروف أن معظم الشركات لا تدفع الضريبة على القيمة المضافة، بل بالأحرى تسترّدها لكون المستهلك النهائي هو من يتوّجب عليه دفعها (اذا قام شخص بشراء هاتف خلويّ فهو من يدفع الضريبة على القيمة المضافة لا الشركة التي باعته)، وبالتالي فإنها تعدّ ضريبة تطال الأسر بامتياز”. قد يعتبر كثيرون أن زيادة واحد في المئة لن يكون لها تأثير ملحوظ أو هي غير ذي قيمة (اذا كنا ندفع 100 ليرة على كل 1000 ليرة فإن الزيادة تكون عشر ليرات فقط). بيد أنّ عجاقة يلفت إلى أن الموضوع أكثر تعقيداً مما يبدو، وأن زيادة الواحد في المئة سوف يكون لها تداعيات ملحوظة. كيف؟يشرح عجاقة أن قانون الضريبة على القيمة المضافة ، في مادتيه 16 و17، قد أعفى بعض الخدمات والمنتجات منها، على سبيل المثال: التعليم، الخدمات الطبية، الزراعة الخام، الجرائد والأوراق والكتب، المنتجات الغذائية المخصصة للأطفال بكلّ أنواعها، الخبز والطحين…وعليه، قد يعتبر البعض أنّه في ظلّ هذه الإعفاءات، لن يكون بالتالي من تأثير سلبي للـ TVA على أحوال المواطن المعيشية، لا سيّما وأن المنتجات والخدمات التي لا تندرج ضمن الكماليات معفيّة. ولكن…نعود إلى المادة 17 التي تعفي الغاز (للاستهلاك المنزلي) والمازوت من الضريبة على القيمة المضافة، ولا تأتي على ذكر البنزين، ما يعني حُكماً أن زيادة الواحد في المئة تطاله! وهنا بيت القصيد…بات واضحاً أن عملية إنتاج السلع ونقلها سوف تتأثر مباشرة بارتفاع أسعار المحروقات (ولا سيّما مع إضافة ضريبة 4 في المئة على المازوت)، وبالتالي سوف تنعكس على أسعار كلّ السلع والخدمات حتى تلك المعفية من الضريبة على القيمة المضافة. وما يزيد الطينّ بلّة برأي عجاقة، سيطرة احتكار التجار، إضافة إلى عجز الدولة عن المراقبة وضبط الأسعار (عدد المراقبين في وزارة الاقتصاد لا يتخطى مئة مراقب)، “وبالتالي الأسعار رح تبجّ”، والتي تقدّر نسبة ارتفاعها بحسب تقديراته من 10 الى 15 في المئة لتطال كلّ القطاعات بسهولة تامّة! أكثر من ذلك، يتحدث عجاقة عما وصفه بـ “نفخة تقنية”، شارحاً: “إذا كان سعر سلعة ما يبلغ 1250 ليرة، فإنه يصبح مع زيادة واحد في المئة 1300 ليرة. هل يمكن دفع 300 ليرة؟ لا! إذاً المبلغ الكليّ سوف يغدو: 1500 ليرة”! ويعتقد عجاقة أن سعر ربطة الخبز سوف يرتفع 500 ليرة (نتيجة لما سبق وأوضحه حول تأثير ارتفاع أسعار المحروقات)، وهذا ارتفاع ضخم بالنسبة إلى شريحة كبيرة من المواطنين. ووفق المعادلة ذاتها، يتوقع أن ترتفع فواتير الاستشفاء، النقل، التعليم، اشتراك الموّلدات…وفي هذا السياق، يلفت عجاقة إلى أن نسبة الفقر العام في لبنان بلغت 31,52

رابط لبنان ٢٤  

Print Friendly, PDF & Email