Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

السقوط إلى الجحيم

لم يكن لبنان بخطر مالي كما هو اليوم حيث أن العجز الذي أخذ يتعاظم أصبح يتحوّل كليًا إلى دين عام تزداد معه خدمة هذا الأخير. لكن الأخطر في العملية أن غياب النمو الإقتصادي وإستشراء الفساد سيجعل من هذه العلاقة علاقة إسّية (exponential) ستدفع بلبنان إلى الجحيم.

Print Friendly, PDF & Email

موقع الإقتصاد | بروفسور جاسم عجاقة

أظهرت الأرقام الأخيرة التي أصدرتها وزارة المال أن العام 2016 كان عام عجز بإمتياز حيث حقّق لبنان أعلى مُستوى عجز في تاريخه (5 مليار دولار أميركي أي ما يوازي 1

وتعود أسباب هذا العجز إلى زيادة النفقات من 13.5 مليار دولار أميركي في العام 2015 إلى 14.9 مليار دولار أميركي في العام 2016 إضافة إلى إرتفاع مُستوى خدمة الدين العام إلى 4.77 مليار دولار أميركي مقارنة بـ 4.46 مليار دولار أميركي في العام 2015.

والجدير بالذكر أن العجز المُسجّل في السنوات السابقة يؤثّر سلبًا على سد رأس المال الذي تراجع من 218 مليون دولار أميركي في العام 2015 إلى 198 مليون دولار أميركي في العام 2016.

هذه الأرقام المُخيفة تجعل من لبنان ثالث دولة في المديونية عالميًا (14

أضف إلى ذلك مُستوى الفساد الذي يشوب الماكينة الإقتصادية اللبنانية والذي وفي حال وُجد النمو، يُشكّل عبئًا على المالية العامّة تمنع أية إستثمارات عامّة.

هذا الواقع الآليم يتزامن من مطالب إجتماعية بإقرار سلسلة الرتب والرواتب التي تزيد من العبء على المالية العامّة بقيمة 800 مليون دولار أميركي، ليُصبح العجز بمشروع موازنة العام 2017، 5.2 مليار دولار أميركي بحسب وزارة المال. هذه العجز يتضمّن السلسلة والسلّة الضريبية المرافقة والتي تؤمن بحسب وزارة المال 1.6 مليار دولار أميركي.

المُشكلة في هذه الأرقام هو أن العجز بدون السلسلة وبدون السلّة الضريبية يبلغ 6 مليار دولار أميركي (أرقام وزارة المال). هذا العجز وبحسب تطور العلاقة بين العجز والدين العام وبغياب النمو الإقتصادي وإستشراء الفساد، سيتحوّل إلى دين عام تزيد معه خدمة الدين العام بشكل كبير (بحدود 5.5 مليار دولار أميركي) مما يزيد من العجز بدوره وهكذا دواليك ليدخل بعدها لبنان في دوّامة إرتفاع الدين العام بشكل يؤمّن سقوط لبنان في الجحيم!

زيادة الضرائب حق للدولة على المواطن في الإقتصادات الحرّة. لكن هذه الضرائب وحدها لن تكّفي كما تُظهر هذه الأرقام مع إستمرار هدر المال العام نتيجة الفساد وسوء الإدارة. وإذا كان الفساد يُكلّف المالية العامة ما يوازي العشرة مليارات دولار أميركية سنويًا، إلا أن الهدر يلعب أيضًا دورًا مهمًا مع توظيف عشوائي (كتلة الأجور تُشكّل نصف مدخول الدولة) وإنفاق في تجديد مفروشات في الوزارات والمؤسسات العامّة ونفقات سفر جنونية توازي الألأف الدولارات في النهار للشخص الواحد!

نعم لزيادة الضرائب، لكن ليكن معلومًا أن التاريخ سيُحاسب الطبقة السياسية لعدم القيام بإصلاحات خصوصًا الإصلاحات التي تطال مكافحة الفساد. إنه لإجرام بحق الشعب اللبناني الإستمرار في سياسة اللامبالاة هذه خصوصًا أن الإنفاق يزيد عامًا بعد عام ومُعظمه (9 كهرباء لبنان إستنزفت الخزينة العامّة بـ 16 مليار دولار أميركي تحاويل من العام 2008 وحتى اليوم (2017). هل من مُبرّر لهذا الإنفاق؟

الإصدار الأخير الذي قامت به وزارة المال نجح بشكل غير مُتوقع مع طلب بلغ ستة أضعاف المبلغ المطلوب. لكن هذا الأمر لا يُمكن إعتباره إنتصارًا لأن إستحقاقات الدين العام لهذا العام تبلغ 7.92 مليار دولار أميركي. وهذا الأمر بحد ذاته نذير شؤم وذلك بحكم أن لبنان بدأ يتعاطى بمستوى ديون لا يتناسب ومستوى الحوكمة الرشيدة الحالية (مُستوى فساد عالٍ، غياب الرقابة، غياب الإصلاحات، غياب الخطط الإقتصادية…).

وبإعتقادنا إذا إستطاعت الدولة جمع ثلاثة مليارات من الدولارات الأميركية، فهذا بفضل الكمّ الهائل من السيولة في المصارف اللبنانية. لذا من العقلانية أن يتمّ التعاطي مع المصارف بحذر كبير لأن الأداء السيء للدولة اللبنانية ينسحب على القطاع المصرفي وبالتالي إذا إنهار هذا القطاع فإن الدولة ستنهار معه حكمًا.

وللذين يتوقعون خلاص لبنان من خلال الثروة النفطية، نرى أنهم بعيدون عن الواقع بحكم أن الإستمرار على نفس المُستوى من الأداء العام، سيجعل من الثروة النفطية ثروة مرهونة للمُقرضين حتى قبل إستخراجها.

لذا رأفة بالعباد، باشروا بالإصلاحات اليوم قبل الغد وبدل التراشق الكلامي على الضرائب الذي له خلفية إنتخابية، باشروا بوضع خطّة إصلاحية للدوّلة اللبنانية.

Print Friendly, PDF & Email
Source موقع الإقتصاد