Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

الحرب بين الإصلاح والفساد

فرض النقاش الحاصل حول الضرائب المفروض أن تُموّل سلسلة الرتب والرواتب واقعًا جديدًا يتمثّل بإجراء إصلاحات تواكب فرض الضرائب. والمُشكلة التي تفرض نفسها هي أن هذه الإصلاحات لها أبعاد إستراتيجية وتكتيكية ستؤدّي حتمًا إلى مواجهات سياسية قد تُطيح بمشروع الإصلاح.

Print Friendly, PDF & Email

موقع الإقتصاد | بروفسور جاسم عجاقة

يشهد التاريخ على أن البشر يتوزّعون ضمن مجموعات، وهذا الأمر نابع من البعد التاريخي والفلسفي للتطوّر الإنساني والذي فرض نظام إجتماعي يطغى عليه البعد السلطوي مدعومًا بالنظرية الدينية. واللافت في هذا التوزيع شُموليته وثباته الذي غيرت فيه أحيانًا الحروب بين المُجتمعات. توزيع اللبنانيين هو توزيع طائفي، مذهبي، مناطقي، عقائدي…إلخ.

وهذا الواقع يخلق سُلّم أولويات تختلف بين المُجتمعات التي ينتمي لها اللبنانيون. وتسعى هذه المجموعات إلى البقاء على قيد الحياة عبر نشر مناصريها في مؤسسات الدولة حيث أصبح التغلغل في كل الكيان اللبناني (جغرافيًا، تربويًا، إقتصاديًا، سياسيًا…). وبالتالي أصبح سلوك الشخص يعكس مصالحه الشخصية كما ومصالح المجموعة التي ينتمي إليها (Rational Self Interest).

الإنتماء إلى مجموعة هو عادة إنتماء صادق نابع من عاطفة وإدراك (نظرية بلاتون)، لكنه يفقد هذا البعد مع إكتشاف الشخص للكمّ الهائل من المصالح التي قد يستفيد منها جراء إنتمائه لمجموعته. وهذا الأمر هو منبع الفساد الذي يُمثل الجانب السيء للتوزيع البشري.

الفساد هو ظاهرة تُعبّر عن إستخدام شخص لمنصب (سلطة) مُعطاة له بالوكالة لأغراض تتعلق بإثراءه الشخصي أو خدمة للمجموعة التي ينتمي لها. وعرّف روبرت كليتغارت الفساد على أنه إحتكار + سلطة – شفافية.

آلية الفساد كما أظهرناها هي آلية بسيطة، لكن الواقع مُعقّد أكثر من ذلك. فتضارُب المصالح والذي يظهر عند شخص في حال تواجد أكثر من مصلحة لهذا الشخص، تُؤثر على رأيه إتجاه إحدى المصالح على حساب المصالح الأخرى. وتضارب المصالح متفشٍ في لبنان، ويطال كل القطاعات بما فيها القطاع الإقتصادي والقضائي والإجتماعي…

مُحاربة الفساد لها ثلاثة أبعاد:

أولًا – بُعد قانوني: ويتمثّل بسنّ قوانين تفرض وجود إدارة رشيدة وشفافية عالية في التعاطي في الشأن العام مع العقوبات اللازمة للمخالفين؛

ثانيًا – بُعد تشغيلي: ويتمثّل بوضع آليات (الحكومة الإلكترونية) تسمح بتفادي الإستفراد بالقرار وإمكانية الرقابة خلال وبعد العملية؛

ثالثًا – بُعد ثقافي: ويتمثّل بخلق ثقافة ضد الفساد الذي أصبح اللبنانيون (أو أقله قسم منهم) يعتبرونه “شطارة”.

وبالتالي نرى أن وزارة الدولة لمحاربة الفساد محكومة بالتعاون مع وزارة الدولة للتمنية الإدارية، وزارة التربية، وزارة العمل وفي نطاق محصور مع المعنيين من هيئات إقتصادية ونقابات عمّالية لإقتراح الخطط الإصلاحية التي تطال الأبعاد الثلاثة الآنفة الذكر.

أضرار الفساد على المواطن وعلى الإقتصاد وعلى المالية العامّة لم تعد خفية على أحد. ونذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر:

الضرر على المالية العامّة

تخسر خزينة الدوّلة ما يقارب العشرة مليارات دولارات أميركية سنويًا نتيجة الفساد المُستشري. وهذا الأمر أصبح يُهدد الكيان اللبناني مع العجز المُزمن في الموازنة والذي يتحوّل تلقائيًا إلى دين عام؛

الضرر على الإقتصاد

من الفيل الأبيض (المشاريع التي تبدأ ولا تنتهي) إلى حرمان الإقتصاد من الفرص الإستثمارية مرورًا بغياب الخطط الإنمائية، ينهش الفساد في جسم الماكينة الإقتصادية إلى درجة أصبح من شبه المُستحيل للنمو الإقتصادي أن يمتص العجز في المالية العامّة أو أن يستوعب اليد العاملة الشبابية التي تضطر إلى السفر إلى الخارج.

وأبعد من ذلك، أدّى الأداء السياسي اللبناني خلال السنين الماضية الى خلق دويلات طائفية داخل المجتمع اللبناني نتج عنه إنقسام حاد على جميع الأصعدة. ودخلت المحسوبيات السياسية في صميم القطاع الخاص حيث نجد شركات محسوبة بالكامل على فرقاء سياسيين تخدم مصالحهم.

الضرر على المواطن

هو نتيجة للضررين السابقين حيث نرى أن الضرائب بحكم الدين العام سترتفع إلى مستويات تاريخية في الأعوام القادمة (هذا أمر حتمي) لسدّ الدين العام. كما أن الفساد يضرب الخدمات الإجتماعية التي تتردّى نوعًا وكمًا (كهرباء، نفايات، قطاع صحّي، تقاعد…).

كل هذا للقول إن الفساد أصبح سرطان يضرب الكيان اللبناني ويتوجّب محاربته اليوم قبل الغد. لكن محاربة الفساد تتطلّب تشريعًا وقرار حكومي وهنا يُطرح السؤال: هل من رغبة لدى الأطراف السياسية لمُحاربة الفساد؟

المعروف أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون هو مُحارب لدود للفساد وهذا يظهر في خطاباته ومن خلال إنشائه لوزارة الدولة لمكافحة الفساد. لكن دستور الطائف يفرض توافقًا في القرارات التي تُتخذ، وهذا يعني أن رئيس الجمهورية يحتاج إلى أكثرية لتمرير القوانين وبالتالي فإن هذا الأمر سيفرض حربًا بين محاربي الفساد والمُستفيدين منه، حربًا قد تُطيح بمشروع الإصلاح.

من هذا المُنطلق نرى أن محاربة الفساد تفرض تكتّل بين القوى السياسية التي تريد محاربة الفساد على أن يكون الإلتزام علني وعلى أن يتمّ إقرار القوانين قبل الإنتخابات النيابية القادمة.

Print Friendly, PDF & Email
Source موقع الإقتصاد