Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

هل تستثمر روسيا في لبنان؟

يزور وفد لبناني كبير يضم 50 شخصاً من القطاعين العام والخاص روسيا بهدف تنمية العلاقات الإقتصادية بين لبنان وروسيا. إلا أن أهمّ ما في هذه الزيارة هو الدعوة اللبنانية لروسيا للاستثمار في لبنان. فهل ستستثمر روسيا فعلًا في لبنان أم ستكون هذه الزيارة كما سابقاتها؟

مرّ عامان على الزيارة الرسمية التي قام بها وفد لبناني إلى روسيا. آنذاك، كان الحديث عن تحفيز العلاقات اللبنانية الروسية من خلال تحفيز التبادل التجاري، السياحة والاستثمارات. إلا أن الواقع الآليم هو أن هذه الزيارة وعلى الرغم من النجاح المُعلن وقتذاك، فشلت في ترجمة الاتفاقات فعليًا على الأرض. ويعود السبب الرئيسي إلى العقوبات المفروضة على روسيا كما وتردّي الوضع الأمني والسياسي في لبنان. اليوم يعود الوفد اللبناني، ولو بوجوه مُختلفة، حاملًا الأهداف نفسها مع فارق بسيط في ما يخص التسهيلات الإدارية لتحركات رجال الأعمال. واللافت في الأمر هو الإشارات الإيجابية التي يُطلقها الوفد اللبناني من روسيا على صعيد الاستثمارات الروسية في لبنان. وهنا يُطرح السؤال عمّا قد يهمّ روسيا فعلًا في لبنان والقطاعات التي قد تهمّ رجال الأعمال والشركات الروسية؟ الجواب عن هذا السؤال قد يبدو بديهيًا ويتمحور حول قطاعين أساسيين: قطاع النفط والغاز والقطاع المصرفي. ولكن يُمكن أيضًا ذكر قطاع الصناعات التحويلية مثل الحديد والخشب. قطاع النفط والغاز هو قطاع أساسي بالنسبة إلى الاستثمارات الروسية. لكن يجب عدم نسيان أن الغاز اللبناني هو منافس رسمي للغاز الروسي في السوق الأوروبية. وقد يقول البعض (وهذا حقّ) إن من مصلحة روسيا أن تضع يدها على الغاز اللبناني لتُحكم سيطرتها على السوق الأوروبية (وهذا يصلح في حال سوريا). أما في ما يخص القطاع المصرفي، من المعروف أن المنصّة الإقليمية للأموال الروسية هي قبرص. ومن غير الواضح ما إذا كان هناك تغيير في الاستراتيجية الروسية تجاه هذا الأمر. لذا يُمكن القول إن احتمال التعاون بين القطاعين اللبناني والروسي مُستبعد خصوصًا مع العقوبات الغربية التي تطال أهم المصارف الروسية. على صعيد الصناعات التحويلية، نرى أن السوق السورية ستجذب أكثر الشركات الروسية خصوصًا أن إعادة إعمار سوريا سيكون الأساس في خيار الشركات بين لبنان وسوريا. وبالتحديد، فإن تصدير الحديد والخشب الروسي إلى سوريا سيُشكّل فرصة ذهبية للاقتصاد الروسي وتاليًا من المُحتمل أن تُنشأ مصانع تحويلية لهذا الهدف في سوريا. من هنا نستنتج أن المنافسة بين لبنان وسوريا على الاستثمارات الأجنبية (بغضّ النظر عن مصدرها) واضحة، خصوصًا أن إعادة إعمار سوريا ستضطلع بدور أساسي في جذب الاستثمارات إلى سوريا بدلًا من لبنان. ومن البديهي القول إن شقًا كبيرًا من الانغماس الروسي في سوريا أسبابه اقتصادية بحت ويُعدّ الأرضية لقدوم هذه الاستثمارات. على الصعيد السياسي، نرى أن روسيا تجد مستوى المخاطر الأمنية على السواح الروس عاليًا خصوصًا مع انغماسها في وحول المُستنقع السوري. وبالتالي، هناك إيعاز واضح من السلطات الروسية إلى رعاياها بالتوجه إلى دول مثل قبرص وتركيا بدلًا من التوجه إلى لبنان. من هنا نرى أن المسؤولين اللبنانيين يُعلّقون الكثير من الآمال على الاستثمارات الروسية من دون أن يكون هناك مُبرّر واضح لهذه الآمال. لكن بالمُطلق، هل لروسيا القدرة على القيام باستثمارات في بلدان أخرى؟الجواب عن هذا السؤال يطرح موضوعية المُقاربة له. من هذا المُنطلق، سنعتمد لغة الأرقام لنكون موضوعيين في تقويمنا.

تعيش روسيا منذ أذار العام 2014 تحت وطأة عقوبات إقتصادية فرضها الغرب عليها كنتيجة لضمّ شبه جزيرة القرم. وقد كانت الولايات المُتحدة الأميركية السبّاقة في هذا الأمر حيث فرضت عقوبات تطال قطاع النفط والغاز الذي يُشكّل نصف الناتج المحلّي الروسي، وذلك بهدف إضعاف قدرة روسيا الاقتصادية ومنعها من القيام بأي مشاريع عسكرية مُستقبلية. هذه العقوبات تمنع شركات النفط الأميركية من نقل التكنولوجيا إلى روسيا كما وتمنعها من استيراد النفط والغاز منها. وتمنع العقوبات أيضًا المصارف الأميركية من إعطاء قروض طويلة الأمد للقطاع النفطي الروسي. وقد حذت المصارف الأوروبية حذو المصارف الأميركية في خطوتها، وتالياً خسرت روسيا الكثير من الاستثمارات التي بدأت بالهروب من روسيا تحت وطأة تهاوي الروبل الروسي. وتُظهر الأرقام أن الاستثمارات الأجنبية المُباشرة في روسيا تراجعت بشكل كبير في عام 2015 نسبة إلى عام 2104 وانخفضت من 64 مليار دولار أميركي في العام 2014 إلى 28 ملياراً في 2015. واللافت في الأمر هو أن الاقتصاد الروسي تقلّص بنسبة 3,

Print Friendly, PDF & Email