Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

وجه فرنسا الاقتصادي والاجتماعي مع فوز ماكرون

لم يكن فوز إيمانويل ماكرون في الإنتخابات الرئاسية الفرنسية مُفاجئًا لأحد إذ أن اليمين واليسار يتحالفان بشكل تلقائي في في كلّ مرة هناك مُرشح للجبهة الوطنية الفرنسية. اليوم وبعد فوز ماكرون، ما هي أهم التغييرات التي ستطال فرنسا إقتصاديًا وإجتماعيًا؟  

في كل إنتخابات فرنسية سواء كانت رئاسية أو برلمانية، تتكاثر الوعود الإنتخابية الإقتصادية والإجتماعية. هذا الأمر لم يتغيّر مع المرشح ماكرون الذي طال برنامجه الإنتخابي نقاط إقتصادية وإجتماعية حسّاسة وعلى رأسها: الضرائب وصناديق التقاعد. ومن المعروف أن هاتين النقطتين أطاحتا بالعديد من السياسيين الفرنسيين ومنهم آلان جوبيه في العام 1997 حين أراد القيام بإصلاحات تطال نظام التقاعد أنذاك. فهل سينجح ماكرون حيث فشل الكثير من أسلافه؟

الإنقسام السياسي الداخلي… مما لا شكّ فيه أن مُمارسة الديموقراطية في فرنسا تصلّ إلى مستويات راقية بحكمّ أن الشعب هو من يختار الرئيس والبرلمان والبلديات. وبالتالي، فإن برنامج ماكرون الإنتخابي سيكون عرضة لإستفتاء شعبي خلال الإنتخابات النيابية الفرنسية في حزيران القادم حيث أن إعطاء ماكرون الأغلبية في المجلس النيابي يعني أن الفرنسيين موافقون على برنامجه الإنتخابي وبالعكس عدم إعطائه الأغلبية النيابية يعني أن ماكرون مُلزم إدخال تعديلات على برنامجه الإنتخابي. حصدت الأحزاب السياسية التقليدية في فرنسا أي اليمين واليسار، نسبة فردية موازية للأحزاب غير التقليدية (حزب ماكرون، الجبهة الوطنية، واليسار المُتشدّد). وبالتالي من المُتوقّع أن يكون المجلس النيابي الفرنسي موزّع بنفس الطريقة التي حصد فيها المرشحون الرئاسيون الأصوات. وهذا يعني أن ماكرون لن يحصل على أغلبية نيابية وسيكون مُلزمًا التفاوض مع الأحزاب الأخرى بإستثناء الجبهة الوطنية لكي يحصد أغلبية في المجلس النيابي ويُشكّل الحكومة. وهذا ما يُسمّى في فرنسا بـ “التعايش” (cohabitation) والتي تُشكّل أكبر ضربة لرئيس الجمهورية.هذا الواقع الآليم المُتوقّع لعهد الرئيس ماكرون سيفرض عليه مراجعة وعوده الإنتخابية والتي ستكون عُرّضة لتغيرات بحكم أنه من الصعب عليه عمليًا تمرير إصلاحات بدون موافقة اليمين واليسار واليسار المُتشدّد خصوصًا إذا ما حصدت الجبهة الوطنية 3

الضريبة على السكن… خلال حملته الإنتخابية، وعد الرئيس ماكرون الشعب الفرنسي بعدد من الإجراءات الضريبية التي تطال المواطن بالدرجة الأولى. وورد في البرنامج أنه سيتمّ إعفاء 8 ويبقى السؤال عن مدى قبول اليمين الفرنسي بهذا الإجراء الذي سيتمسّك به اليسار واليسار المُتشدّد.

توحيد صناديق التقاعد… أيضًا وعد ماكرون في حملته الإنتخابية بخلق نظام إجتماعي شامل يضع حدّ لـ “غياب العدالة الإجتماعية” بين القطاع العام والخاص. وبالتحديد هذا يعني أنه سيعمد إلى توحيد الصناديق العامّة والخاصة في نظام واحد يعتمد مبدأ النقاط التي تُحدّد المعاش التقاعدي للموظف بغض النظر عن إنتمائه للقطاع العام أو الخاص. إلا أن هذا الأمر هو من شبه المُستحيلات إذ لم ينجح أحد من أسلافه بإصلاحات في نظام الصناديق خصوصًا أن الفرنسيين مُتعلّقين كثيرًا بنظامهم التقاعدي. وبالتالي فإن المُظاهرات المليونية التي عصفت بفرنسا في العام 1997 ضد جوبيه هي خير دليل على ذلك. فهل يحمل ماكرون في جعبته وصفة سحرية يستطيع من خلالها إقناع النقابات العُمّالية وأرباب العمل؟ على كل الأحوال وحتّى لو نجح في ذلك فإن مفعولها لن يظهر قبل عشرة سنوات على الأقل.

المُساهمات الإجتماعية… من الوعود الضريبية للمُرشّح ماكرون إعفاء المواطن من بعض المُساهمات الإجتماعية مثل المساهمات المرضية والبطالة وزيادة المساهمة الاجتماعية العامة (CGS). هذا الأمر يعني بكل بساطة أن الموظفين من الطبقة الفقيرة وأدنى الطبقة الوسطى ستيستفيدون من مدخول إضافي سنويًا يوازي 250 إلى 300 يورو. لكن هذا الأمر له إنعكاسات سلبية على بعض المُتقاعدين والموظفين ذو دخل متوسّط وعال حيث ستزداد نسبة المُساهمة الإجتماعية عليهم بشكل ملحوظ. بالطبع هذه الإجراءات تعكس الخلفية اليسارية لماكرون الذي كان ينتسب إلى الحزب اليساري منذ عامين.

التأمين ضد البطالة… أمّا فيما يخصّ التأمين ضد البطالة والبدلات، فإقتراح ماكرون أن تستردّ الدولة إدارة هذا النظام الذي تُديره حاليًا النقابات العُمّالية مع أرباب العمل. والمُلّفت في الأمر أن ماكرون يُريد أن يُخصّص تأمين ضد البطالة للعمال غير الموظفين (freelance) وبالتالي فإن النظام الإجتماعي للعمّال غير الموظفين سيتمّ إلغائه وكل رفض لعرضي عمل من قبل العاطل عن العمل يُوقف بشكل تلقائي البدلات التي تدفعها الدولة.

الشق البيئي… من وعود ماكرون أيضًا أن يعمد إلى تحفيز قطاع السيّارات من خلال دفع مساهمة بقيمة ألف يورو لكل مواطن يتخلّى عن سيارته القديمة ويشتري سيارة غير مُلوّثة، وبهذا يُرضي ماكرون حزب الخضر بإجراء بسيط سيُحفّز قطاع السيارات الفرنسي الذي سيكون المُستفيد الأول. إلا أن السؤال الذي سيُطرح هو عن مصادر تمويل هذا الإجراء؟ بالطبع يظهر ماكرون حنكته السياسية من خلال إرضاء اليسار واليسار المُتشدّد وحزب الخضر الذين يتوق إلى ضمّهم إلى تكتله النيابي. كل هذا يُظهر الفرق الشاسع بين مستوى التعاطي السياسي في فرنسا الذي يضع المواطن في صلب الإهتمامات السياسية مُقارنة بالتعاطي السياسي في لبنان والذي يضع الأحزاب في صلب الإهتمامات السياسية.

Print Friendly, PDF & Email