Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

سوق النفط رهينة الدولار الأميركي

إرتفعّ سعر برميل النفط في الأسواق العالمية وذلك نتيجة عدّة عوامل على رأسها إنخفاض عدد منصات إستخراج النفط الصخري في الولايات المُتحدة الأميركية ولكن أيضًا إنخفاض سعر الدولار الأميركي. لكن هذا الإرتفاع لا يُبشّر بخروج سوق النفط من أزمته خصوصًا بسبب الفائض في العرض. 

أقفل برميل النفط الخام الأميركي في سوق العقود الآجلة (تسليم 17 آب) في جلسة الجُمّعة الماضية على سعر 46.04 دولار أميركي للبرميل الواحد أي بزيادة 2.4

أسعار النفط

ويتأثر سعر برميل النفط بستة عوامل هي:أولًا – الطلب العالمي على النفط والذي هو نتاج النمو الإقتصادي حيث أن زيادة النشاط الإقتصادي تزيد من الطلب على النفط وبالتالي ترتفع الأسعار. الإقتصاد العالمي حاليًا يعيش ركود إقتصادي وعلى الرغم من الأرقام الآتية من الولايات المُتحدة الأميركية والتي تؤكد أن الإقتصاد الأميركي هو في مرحلة تعاف إقتصادي، إلا أن نسب التضخم الضئيلة توحي أن هذا النمو يبقى نتاج الدعم المالي الذي يؤمّنه الإحتياطي الفديرالي الأميركي. أما على الصعيد الأوروبي، فكل الإقتصادات تعيش حالة ركود بإستثناء الإقتصاد الألماني. لكن هذا الأخير غير كاف لرفع أسعار النفط في الأسواق العالمية. في الشرق، يبقى الإقتصاد الصيني وهو الذي يعتمد على التصدير بنسبة كبيرة، في حالة ركود على مثال جاره النيبوني الذي لم يخرج حتى الساعة من تداعيات كارثة فوكوشيما. وبالتالي نستنتج أن الطلب على النفط ليس السبب في رفع الأسعار. ثانيًا – مخزون النفط والذي يبقى على مستويات عالية ولم يخضع لأيّة تغيرات كبيرة في الفترة السابقة بحكم أن الطلب يبقى في ركود. الجدير بالذكر أن مستوى المخزون العالمي من النفط وخصوصًا الإحتياطي الإستراتيجي الأميركي هو من العوامل الأساسية التي تؤثّر على سعر النفط، إلا أن إرتفاع أسعار النفط الأخير لا يُمكن تبرير بهذا العامل. ثالثًا – مؤشّر الدولار الأميركي والذي يّحدّد قيمة التضخم في الولايات المُتحدة الأميركية وبالتالي وبحكم أن سعر برميل النفط مُقوّم بالدولار الأميركي، هناك تأثير مُباشر على سعر برميل النفط. وبالنظر إلى مؤشّر الدولار الأميركي نرى أنه بدأ بالتهاوي منذ 21 حزيران 2017 مما يُبرّر إلى حدٍ كبير الإرتفاع في أسعار النفط. وقد شهد الدولار الأميركي تراجعًا ملحوظًا في أسعار صرفه مُقابل سلّة من العملات الأجنبية وذلك نتيجة تصاريح بعض المصارف المركزية الأساسية (المركزي الأوروبي، البريطاني، الياباني…) بنيّتهم رفع سعر الفائدة مما يعني زيادة الطلب على عملاتهم على حساب الدولار الأميركي. رابعًا – عدد منصات إستخراج النفط الصخري في الولايات المُتحدة الأميركية والتي تُشكلّ المنافس الأول للدول الأخرى المُنتجة للنفط. هذه المنصات إنخفض عدد في الأسبوع الماضي منصتين ليُصبح عددها 756 منصة. وهذا يعني أن الإنتاج الأميركي من النفط (أي العرض) أقلّ في السوق وهذا ما تُثبته أرقام الإنتاج الأميركي من النفط والتي إنخفض 100 ألف برميل يوميًا في الأسبوع المُنصرم. الجدير بالذكر أن كلفة إستخراج النفط الصخري الأميركي تبقى عالية مُقارنة بكلفة إستخراج النفط التقليدي. وبالتالي فإن تراجع أسعار النفط إلى عتبة الـ 40 دولار أميركي في الأسابيع المُنصرمة دفعت إلى إقفال عدد من منصات الإستخراج. خامسًا – الإتفاق على تقليص الإنتاج بين دول الأوبك وروسيا حيث أن هذا الإتفاق والذي سيسري مفعوله إلى أذار العام 2018، أدّى إلى المُحافطة على سعر النفط على مستوى أعلى من 40 د.أ أميركي. وكنتيجة لهذا الإتفاق إستطاعت الدول المُوقّعة على الإتفاق من ربح أكثر من 1.4 مليار دولار أميركي يوميًا. سادسًا – المُضاربة في الأسواق والتي تدفع بالأسعار إلى التغيّر بشكل عشوائي (وليس إتجاهي) وبالتالي يُمكن مُلاحظة التقلبات في الأسعار حول مُعدّل مُحدّد بالعوامل السابقة الذكر. وكخلاصة يُمكن القول أن سببين رئيسيين دفعا بأسعار النفط إلى الإرتفاع هما إنخفاض سعر صرف الدولار الأميركي مُقابل سلّة من العملات وإنخفاض الإنتاج الأميركي من النفط.

هل سترتفع أسعار النفط أكثر؟

إن الإرتفاع الذي سجلته أسعار برميل النفط في الأسواق العالمية يبقى نتيجة عوامل آنية وليس عوامل هيكلية. وبالتالي يبقى الفائض في السوق عائق أساسي أمام إرتفاع أسعار النفط والتي من المُتوقّع أن تبقى في هامش 40 إلى 60 دولار أميركي أقلّه حتى مُنتصفّ العام المُقبل. هذا الفائض مُرشح أن يرتفع مع زيادة الإنتاج في ليبيا والتي وصل إنتاجها إلى حدود المليون برميل يوميًا. كما أن الإتفاق السياسي في نيجيريا سيدفع حُكمًا إلى رفع الإنتاج النيجيري من النفط مما يعني زيادة العرض في سوق النفط. وتبقى المُشكلة الأساسية في الإنتاج الأميركي الذي سيزيد حُكمًا مع زيادة أسعار النفط مما يفرض سقف أعلى على أسعار النفط في ظل الوضع الإقتصادي العالمي. هذا السقف هو 70 دولار أميركي والذي هو نتاج التحليل الإقتصادي للطلب العالمي ولمستوى التضخم في الولايات المُتحدة الأميركية. يبقى القول أن مُشكلة النمو الإقتصادي العالمي محصورة بغياب التضخم الذي هو أساسي ليكون هذا النمو آت من الماكينة الإقتصادية. وبإعتقادنا فإن أسعار نفط على المستوى الحالي ستُبقي الوضع على ما هو عليه وبالتالي يحتاج الإقتصاد العالمي إلى إرتفاع في أسعار النفط لكي يتكوّن تضخم ضمني يسمح بدفع النمو.

Print Friendly, PDF & Email