Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

قطع الحساب ضمانة للمالية العامّة

مع اقتراب موعد جلسة مجلس النواب التي يُتوقّع أن يتمّ خلالها إقرار موازنة العام 2017، تتكاثر الأحاديث عن تسويات تطال قطع الحساب موضع الخلاف المُزمن بين أطراف السلطة الحاكمة التسوية المطروحة بتعليق العمل بالمادة 87 من الدستور تُشكّل سابقة إذا ما حصلت، وسيكون لها تداعيات مُستقبلية سلبية جمّة.

يُشكّل قطع الحساب أداة دستورية تسمح لمجلس النواب بالتأكد من أن الحكومة التزمت خلال العام المُنصرم مُقررات مجلس النواب في ما يخص الإنفاق. وقد نصّت المادة87 من الدستور على أن “حسابات الإدارة المالية النهائية لكل سنة يجب أن تعرض على المجلس النيابي ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة التالية التي تلي تلك السنة”، وبالتالي يتمّ إرسال قطع حساب الموازنة إلى ديوان المحاسبة قبل 15 آب من السنة التي تلي سنة الموازنة المنوي إقرارها. وقطع الحساب هو عبارة عن جدول يضم بنود الموازنة مع الصرف الفعلي لكل بند مقارنة بما تمّ رصده في موازنة العام الفائت. هذا الصرف يتمّ التأكد منه من خلال فواتير وإيصالات تحتفظ بها وزارة المال لتبرير الصرف. وتنصّ المادة 195 من قانون المحاسبة العمومية على أن تقوم مديرية المحاسبة العامة بإرسال حساب المهمة العام إلى ديوان المُحاسبة قبل أول أيلول من السنة التي تلي سنة الموازنة. هذه الجداول يتمّ إرفاقها بتقرير من ديوان المُحاسبة وتُرفع مع مشروع الموازنة إلى مجلس النواب بهدف إقرار قطع الحساب قبل إقرار مشروع الموازنة . وبحسب تقرير ديوان المُحاسبة يتمّ توجيه لوم (أو العكس) إلى الحكومة. مُشكلة تقنية أصبحت سياسيةقطع الحساب يفرض، كما سبق ذكره، أن تكون هناك فواتير وإيصالات لكل إنفاق مهما كان نوعه. وهنا تظهر المُشكلة، إذ إن الدولة اللبنانية لا تملك فواتير أو إيصالات عن كل الإنفاق الذي تمّ منذ عشرات السنين وحتى فترة قريبة. وبالتالي تظهر محدودية الآلية المُعتمدة في إنجاز قطع الحساب. العام 2004 شهد إقرار موازنة 2005، وبالتالي تمّ إقرار قطع حساب يُشكّل نقطة الانطلاق. ونحن نعلم أن عُدوان تمّوز 2006 أدّى إلى زيادة الإنفاق بشكل ملحوظ لسد بعض الإنفاق الضروري. وشهدت الأعوام التي تلت عدوان تمّوز اشتباكا سياسيا كبيرا على موضوع قطع الحساب مع ظهور كتاب “الإبراء المُستحيل” والرد عليه. وبالتالي تحوّل الموضوع من عملية حسابية بحتة إلى مُشكلة سياسية كبيرة أدّت في قسم كبير إلى عدم إقرار مشاريع الموازانات في الأعوام 2005 إلى يومنا هذا. اليوم يعود الموضوع إلى الواجهة مع نيّة إقرار مشروع موازنة 2017 ، علما أن الظروف السياسية تغيّرت وأصبحت الحلول تتجه إلى تعليق العمل بالمادة 87 من الدستور، وتعليق المادة 195 من قانون المُحاسبة العمومية، مما يسمح بتمرير مشروع الموازنة من دون أي قطع حساب.

تداعيات سلبية على المالية وعلى تطبيق القوانين

إن إقرار مشروع الموازنة من دون قطع الحساب ومن دون قيود، سيكون له تداعيات سلبية على تطبيق القوانين وعلى المالية العامّة .فإقرار الموازنة من دون قطع حساب سيُشكّل سابقة يتم استخدامها في كل مرّة تكون هناك مُشكلة سياسية، وبالتالي ستُستخدم في كل مرّة ذريعة لتغطية الفساد الذي قد يُمارس في بعض إدارات الدوّلة أو حتى تغطية الهدر المُتمثّل بالتوظيف الوهمي في القطاع العام. أمّا ماليًا- وهنا تكمن الخطورة- فعدم إقرار قطع الحساب يعني أن المواطن اللبناني لا يعرف بدقّة المُستحقات المالية على الدولة اللبنانية، وبالتالي لا شيء يؤكّد عدم وجود استحقاقات مالية قد تظهر من هنا وهناك. وأكبر مثال على ذلك ما حصل في أواسط 2015 حين ظهر من العدم استحقاق على الدولة اللبنانية بقيمة 800 مليون دولار أميركي لم يكن واردا في الأرقام المالية التي تُصدرها وزارة المال!

فصل قطع الحساب عن السياسة

إن قطع الحساب أمر أساسي ومن دونه تعتبر إدارة المالية العامّة غير مسؤولة، ولن يكون هناك بعد هذه اللحظة أي ضمان لمالية الدولة، بمعنى أخر لا شيء سيُثبت أن الدين العام هو 77 مليار دولار أميركي وليس 80، أو 90 أو حتى 100 مليار دولار أميركي. إننا إذ نعي البعد السياسي لقطع الحساب وأهميّته في اللعبة السياسية، ندعو الأفرقاء إلى الفصل بين قطع الحساب كعملية حسابية مالية لها أهميتها في مالية الدوّلة واستخدام قطع الحساب في اللعبة السياسية .وبالتالي يتوجّب على وزارة المال إعطاء قطع حساب دقيق على أن تكون المبالغ التي لا تبريرات فيها موضوع حلّ في مجلس النواب، ذلك أن الأخير هو المكان المُخوّل مناقشة الامور المالية. أمّا سياسيًا فللأفرقاء السياسيين كافة الحريّة في إدانة المسؤولين عن ادارة المالية العامّة أو تبرئتهم، لكن لا يُمكن تناسي إلتزامات الدولة المالية خصوصًا أن المواطن هو الذي يدفع وأن الدين العام للفرد اللبناني تخطّى الـ 19 ألف دولار أميركي.

معضلة الموازنة وقطع الحساب

من المعروف أن إقرار الموازنة العامّة للعام 2017 أصبح رمزيا، بحكم أن إقرارها يأتي بعد مضي7 أشهر على السنة، أي أن المداخيل لن تصحّ إلا على فترة 5 أشهر. وبالتالي، ونظرًا الى أهمية هذه الرمزية، يتوجّب على مجلس النواب إقرارها وإلزام الحكومة تقديم قطع حساب في مهلة لا تتخطّى الستة أشهر من تاريخه، بحكم أن دراسة مشروع موازنة 2018 أصبحت قريبة وتتطلّب قطع حساب لا يُمكن إقراره إلا بعد إقرار قطع حساب الأعوام السابقة.

Print Friendly, PDF & Email