Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

موازنة 2017 أمام تحدّي سلسلة الرتب والرواتب

مع إقتراب نهاية المُهلة الدستورية لرد رئيس الجمهورية لقانون سلسلة الرتب والرواتب وإحتمال عدمّ ردّها من قبل الرئيس كما أفادت مصادر الرئاسة، تظهر إلى العلن تحدّيات ستطال دون أدنى شكّ المالية العامّة وستضع حكمًا قيود جمّة على مشروع موازنة العام 2017 تحت طائلة زيادة العجز وبالتالي الدين العام.

1773 مليار ليرة لبنانية (1.18 مليار دولار أميركي) هي كلفة رفع الحدّ الأدنى للأجور بحسب ما ورد في قانون سلسلة الرتب والرواتب. هذا الرقم مُرشّح للإرتفاع مع ضعف العملية الحسابية وتقسيط قسم من الحقوق لأصحابها. وإذا كانت السلّة الضريبية التي واكبت إقرار سلسلة الرتب والرواتب ستؤمّن ما يُقارب المليار دولار أميركي، إلا أن طبيعة وهيكلية الضرائب لا تسمح بتزامن المداخيل والإنفاق. وبالتالي سيكون هناك إلزامية للإستدانة لسدّ كلفة الأجور في القطاع العام.

من جهة أخرى تأتي السلّة الضريبية لتؤثر سلبًا على النشاط الإقتصادي وذلك على عدّة محاور :

أولًا – على صعيد الإستهلاك حيث من المتوقع أن ترتفعّ الأسعار ما بين 10 إلى 1

ويأتي القطاع العقاري في المرتبة الثانية من ناحية التضرّر من ضعف القدرة الشرائية للمواطن مع إستهداف هذا القطاع ضريبيًا. فما بين 1.

ثانيًا – على صعيد الإستثمار، إذ أن رفع الأجور في القطاع العام سيفرض رفعًا للأجور في القطاع الخاص وذلك بحكم أن أجور بعض الفئات في القطاع العام أصبحت أعلى من ناظيراتها في القطاع الخاص. وبالتالي فإن المُستثمرين سيعمدون إلى خيارات بديلة تتمّثل بالدرجة الأولى بالإستثمار في بلدان حيث مناخ الأعمال ملائم أكثر وطموحاتهم.

من جهة أخرى فإن الزيادة في الضرائب على الشركات وعلى الودائع تُقلّل من القدرة الإستثمارية للشركات وبالتالي تحرم الإقتصاد اللبناني من عامل أساسي وهو رأس المال.

ثالثًا – على صعيد التهرب الضريبي، إذ أن زيادة الضرائب تدفع اللاعبين الإقتصاديين إلى التهرب من الضرائب وذلك من خلال الهروب إلى الإقتصاد غير الرسمي حيث التعامل بالنقد يُصبح سيّد الموقف. وبالتالي نرى أن نسبة الإقتصاد غير الرسمي والبالغة 3

كل هذا الأمر سيفرض تعقيدات على صعيد الإدارة المالية للدولة اللبنانية وذلك من ناحية عدمّ معرفة هذه الأخيرة للتداعيات الدقيقة للسلّة الضريبية التي أقرّتها خصوصًا في شقّها الجبائي. في المقابل هناك دفع مؤكّد لـ 300 مليون ليرة شهريًا (150 مليون ليرة رفع الحدّ الأدنى للأجور و150 لغلاء المعيشة) والتي تحتاج إلى إعتمادات لا تتوافر في خزينة الدولة. مما يعني أن هناك حتمية للإستدانة لتغطية هذه المبالغ من خلال إصدار سندات خزينة وبالتالي زيادة الدين العام ومعه خدمة هذا الدين وعجز الموازنة. مما يعني أنه ومع كثرة الحديث عن قرب بحث مشروع موازنة العام 2017 في مجلس النواب، نرى أن هناك تحدّيات ستواجهها هذه الموازنة وعلى رأسها الشق الذي يطال العجز.

وهنا نطّرح سؤال أساسي على السلطة السياسية:  ما هو مُستوى العجز في الموازنة الذي يُعتبر تحت السيّطرة؟

بإعتقادنا، مستوى العجز الحالي (5 مليار دولار أميركي في نهاية العام 2016) هو مستوى خارج عن السيطرة بإعتبار أن الإنفاق يزيد في ظل ركود النشاط الإقتصادي. ولا توجد أيّة مؤشرات على تحسّن للوضع في ظل وجود مزاريب هدر كبيرة في المالية العامّة.

من هذا المُنطلق نرى أن هناك إحتمالان أمام السلطة السياسية في ما يخصّ الموازنة:

أولًا – مع إقرار سلسلة الرتب والرواتب خصوصًا الشق الضريبي منها ومع إستيعاب ردّة الفعل الشعبية، من المُتوقّع أن يعمد مجلس النواب إلى إقرار الموازنة مع “ترقيع للأرقام” بحيث أن الواقع لن يُطابق الأرقام الموضوعة في الموازنة وخصوصًا في ما يتعلّق بالإيرادات. وبإعتقادنا هذا السيناريو هو الأكثر إحتمالًا.

ثانيًا – إقرار إصلاحات جذرية في مشروع الموازنة يسمح بتوفير المليارات من الدولارات ويزيد من القدرة الإنتاجية للماكينة الإقتصادية اللبنانية. إلا أن هذا الخيار يصطدم بالإنتخابات النيابية الفرعية والأساسية، وبالتالي من شبه المُستحيل على السلطة السياسية القيام بمثل هذه الإصلاحات مع إعتمادها للتبرير “القديم – الجديد” أي العامل الأمني.

على كل الأحوال وبغضّ النظر عن خيارات السلطّة السياسية، هناك حقيقة مؤلمة تواجهها موازنة العام 2017 وهي العجز الذي أصبح بإعتقادنا خارج السيطرة وذلك بغياب نمو إقتصادي قادر على إمتصاصه.

Print Friendly, PDF & Email